هاني حبيب - النجاح الإخباري - ما أن يعود الرئيس محمود عباس من زيارته لموسكو واجتماعه مع الرئيس بوتين، إلى رام الله، حتى يعقد اجتماعاً مماثلاً مع وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي في رام الله، والذي يزور فلسطين للمرة الأولى، وحسب وكالة الأنباء العمانية فإن هذا اللقاء، سيبحث عدداً من القضايا الإقليمية والدولية الراهنة وفي مقدمتها تطورات القضية الفلسطينية، ومن المتوقع أن يقوم الرئيس عباس إثر ذلك بشد الرحال إلى نيويورك لحضور اجتماعات مجلس الأمن وإلقاء خطاب تاريخي أمام أعضائه، هذا الحراك الفلسطيني النشط يهدف في الأساس للبحث عن رعاية دولية للعملية التفاوضية مع الجانب الإسرائيلي بديلاً عن الولايات المتحدة التي أخرجت نفسها من هذا الدور إثر الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل.
لم يكن لتغيير مكان القمة الفلسطينية ـ الروسية، من منتجع سوتشي إلى موسكو إثر تحطم الطائرة المدنية الروسية في أحد مطارات العاصمة الروسية، أي تأثير على مجرى ما تناولته القمة من مباحثات، غير أن العامل الزمني، وبعد يومين من تفجر الأوضاع العسكرية والأمنية على الساحة السورية وإسقاط الطائرة الإسرائيلية وتداعياتها على احتمالات تدهور وتدحرج الأحداث من المواجهة إلى حرب شاملة، من المرجح أنه كان له تأثير على مجرى مباحثات القمة، ذلك أن هذه الأحداث أعادت التأكيد على أن الوضع في سورية ما زال يحظى بأولوية في سياق العلاقات الروسية ـ الأميركية، وبحيث يكمن تأثير إسرائيلي بالغ الأهمية في سياق هذه العلاقات المتقاطعة بما يجعل روسيا أقل اكتراثاً بالملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، بعدما كانت في ظروف سابقة، قد دعت إلى مؤتمر دولي في موسكو لإحياء العملية التفاوضية على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، أكثر من مرة خلال ولايتي الرئيس الأميركي السابق اوباما، غير أن مثل هذه الدعوة لم تلق أي استجابة من قبل واشطن وتل أبيب، وإعلان الرئيس الروسي بوتين من أنه تشاور هاتفياً مع الرئيس ترامب حول «النزاع» الفلسطيني ـ الإسرائيلي، قبل ساعات من عقد القمة الفلسطينية ـ الروسية، ما هي إلاّ إشارة غير مباشرة، إلى أن روسيا ليست في وارد أي احتكاك سياسي مع الإدارة الأميركية على خلفية الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، مع تأكيدها على موقفها الثابت إزاء القضية الفلسطينية ورفضها القرار الأميركي بشأن القدس.
إلاّ أن التحرك العماني المشار إليه، يتخذ بعداً أكثر أهمية على هذا الصعيد، فعمان لعبت ولا تزال، أدواراً سياسية بالغة التأثير على الصعيد الإقليمي في مجال الوساطات السياسية الهادئة والأقل ضجيجاً والأكثر تأثيراً، وكانت الدبلوماسية العمانية هذه وراء العديد من الوساطات الناجحة في منطقة الخليج العربي، وربما يكون الدور الأكثر بروزاً في سياق هذه السياسة، نجاح سلطنة عمان في التمهيد لعقد الاتفاق الدولي، 5+1 على ملف الاتفاق النووي الإيراني، وإذا ما تذكرنا أن الرئيس عباس، سبق وأن تقدم باقتراح تشكيل جسم أو هيئة دولية على غرار 5+1، كبديل عن الدور الأميركي لإحياء العملية السياسية على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، فإن ذلك قد يفسر، نسبياً على الأقل طبيعة الدور الذي ستقوم به سلطنة عمان في هذا السياق!
كل هذا الحراك، يأتي في ظل اقتراب طرح إدارة ترامب صفقتها التي تحدثت عنها كثيراً، والمتوقع مع نهاية الشهر الجاري أو بداية آذار القادم، والذي قد يصطدم ـ الحراك ـ مع عدم رغبة الأطراف المؤثرة على الصدام مع إدارة ترامب رغم مواقف هذه الأطراف المنتقدة بشدة للسياسة الأميركية، خاصة بعد الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وتبرر هذه الأطراف موقفها بأنها بانتظار مضامين وتفاصيل ما ستطرحه إدارة ترامب قبل أن تحدد موقفاً نهائياً، كما أنها تنصح القيادة الفلسطينية بالانتظار، أيضاً، في حين أن الجانب الفلسطيني لا يستطيع الاستجابة لهذه النصيحة، لأن الدولة العبرية، اتخذت من القرار الأميركي، ضوءاً أخضر لمزيد من الخطوات الميدانية على صعيد الاستيطان وإمكانيات متزايدة لاتخاذ خطوة أكثر خطورة بضم الضفة الغربية، أو على الأقل ما تسميه إسرائيل المستوطنات الكبرى في الضفة إليها، دون التفات إلى الموقف والقرارات الدولية، ولا حتى الالتفات إلى ما قيل عن انتقاد أميركي لإسرائيل مؤخراً حول المسألة المتعلقة بالإجراء الإسرائيلي المرتقب لضم الضفة الغربية!

[email protected]