خالد غزال - النجاح الإخباري - خلال أسبوع واحد سقط على الأراضي السورية أكثر من أربعمئة قتيل وفق ما أوردته معظم مصادر الأخبار. النظام السوري يمعن في قصف منطقة الغوطة الشرقية مستخدماً البراميل المتفجرة المعبأة بغاز الكلور وغيره من المواد السامة، فيحصد حوالى مائتي قتيل وجريح. التحالف الأميركي- الغربي يقصف قوات النظام والميليشيات التابعة له في منطقة إدلب، فيسقط حوالى مائة قتيل، وتقول الولايات المتحدة إنها أبلغت روسيا بقرارها في القصف. تركيا مستمرة في معركة «عفرين» ضد الشعب الكردي هناك، وتدعي أنها قتلت حتى الآن حوالى ألف مواطن بين مدنيين ومقاتلين. إسرائيل تقصف مواقع عسكرية قرب دمشق تابعة لإيران وحزب الله فتدمر منشآت وتتسبب بإصابات يرفض المعنيون الإفصاح عن حجم الخسائر. هكذا تبدو سورية مستباحة لمجمل القوى الاستعمارية الرابضة على أرضها، من أميركية وروسية وتركية وإيرانية.

سبق التصعيد الأخير سلسلة تطورات سياسية وميدانية. على الصعيد الميداني، بدا الموقف الأميركي سائراً من تصعيد إلى تصعيد. الإعلان الأميركي جاء صريحاً بوجود قواعد عسكرية أميركية، يقال إن عددها وصل الى ثمانية، وفي إعلان صريح أيضاً عن تمركز غير محدود في الزمن، وأن وظيفة هذا التواجد العسكري يتجاوز مسألة «داعش»، في إشارة إلى أنه بعيد المدى ومتصل بمكافحة الإرهاب بمختلف أشكاله. بل أن بعض التصريحات الأميركية راحت تربط هذا الوجود العسكري بالأمن القومي الأميركي المهدد من قوى إرهابية تحتضنها الأرض السورية.

في المقابل، بدا التصعيد الأميركي واضحاً في مواجهة التواجد الروسي. لم يكن إسقاط طائرة السوخوي الروسية بصاروخ ستينغر بعيداً عن الإيحاء الأميركي للرئيس بوتين، أن سورية قد تتحول إلى أفغانستان أخرى، وأن الصواريخ التي تسببت في هزيمة روسيا هناك، قد يكون لها المفعول نفسه في سورية. تدرك أميركا أن روسيا في حاجة إلى تخفيف وجودها العسكري والخروج من الوحول السورية، في وقت بات هذا الوجود ينعكس أزمة اقتصادية واضحة داخل روسيا بالنظر إلى الكلفة العالية التي يتطلبها هذا الوجود.

لم يكن التصعيد الأميركي المتعدد الجوانب، ضد روسيا عبر الصواريخ الجديدة التي لا تطلق بدون موافقة أميركية وتدريب القوى المعارضة عليها، وضد إيران من خلال التدخل الإسرائيلي في قصف القواعد الإيرانية، وضد تركيا أيضاً حليفتها في «الناتو» من خلال منع الأتراك من التقدم في مناطق محددة تعتبرها أميركا خطوطاً حمراء، لم يكن معزولاً عن الخطوات الروسية في الوصول الى تسوية سياسية بأي ثمن وعلى عجل. نظمت روسيا مؤتمر «سوتشي»، وأتت بمندوبين ممن صنّفتهم معارضة، كانوا في معظمهم لا شأن لهم بالسياسة أو بمعارضة النظام، بحيث بدا المشهد كاريكاتورياً، وعلى ما قيل فإن الكثيرين ممن ذهبوا لم يكونوا يعرفون الموضوع الذاهبين إلى حضور المؤتمر في شأنه. وأتى وفد النظام السوري متمسكاً بثوابت لديه تتعلق بعدم طرح مصير النظام ومنع قيام تسوية تعطي حصة إلى المعارضة في المشاركة في السلطة، معتمداً على انحياز الفريق الروسي لصالحه.

تصرفت روسيا على قاعدة أنها العنصر الأقوى في سورية، وأن تركيا وإيران منضويتان تحت جناحها، يوافقانها الرأي في الخطوات التي ترغب بها. يكمن فشل مؤتمر «سوتشي» أساساً أن قوى الحل الفعلي غير موجودة، مما جعل المؤتمر ناقص النصاب اللازم للبحث الجدي. يُطرح أكثر من سؤال عن التصرف الروسي في استبعاد الولايات المتحدة عن المؤتمر أو في التشاور معها، في وقت تدرك روسيا أن أميركا أكثر الأطراف قدرة على التعطيل ومنع الحل السياسي من المرور إذا لم تكن من صانعيه ومجيزيه. لعل الرد الأميركي العسكري كان أبلغ جواب للروس.

في العودة إلى المؤتمر، وعلى رغم هرجه ومرجه، حاول أن يخرج بتوصيات يمكن القول إنها فاقدة القوى على التطبيق. خرج المؤتمر بقرار تشكيل لجنة دستورية تضع دستوراً جديداً لسورية. هذه اللجنة تغيب عنها معظم قوى المعارضة، ولا يبقى فيها سوى أهل النظام، الذي يرفض سلفاً أي تعديلات في منظومته الدستورية، بما يحد من صلاحياته. والأغرب من ذلك، القرار بالاستفتاء على مصير النظام من قبل الشعب السوري وتحت وصاية الأمم المتحدة. أي استفتاء سيقوم به هذا الشعب الذي يقيم نصفه خارج الأراضي السورية، إلا إذا كان المضمر أن يصوّت عليه السكان المقيمون في سورية، حيث ستكون النتيجة مضمونة للنظام بنسبة 99 في المئة كما جرت العادة.

لا يبدو أن سورية مقبلة على تسوية قريبة. ولا يبدو أن الشعب السوري سيتوقف عن دفع الثمن الغالي من أبنائه، في ظل صراع القوى الإقليمية والدولية على تأمين مصالحها الخاصة. ولا يبدو النظام في موقع القادر على الحسم العسكري والسياسي. ما يعني أن شلال الدم المتدفق لن يتوقف في المدى القريب.

* كاتب لبناني