عمر حلمي الغول - النجاح الإخباري - في العقلية السياسية الإسرائيلية تعشعش أوهام كثيرة، تعمل على ترويجها وإشاعتها في اوساط الرأي العام الإسرائيلي والفلسطيني والعالمي، لعلها تجد صدى وآذانا صاغية بهدف تمريرها في الأوساط الدولية ذات الصلة بالعملية السياسية، وللهروب للأمام من البحث الجدي في تنفيذ قرارات الشرعية الدولية ومرجعيات عملية السلام، والالتفاف عليها، وكسب الوقت من خلال عملية التسويف والمماطلة وفرض الوقائع لبناء "إسرائيل الكاملة" على كل فلسطين التاريخية، وبالتالي طمس وتصفية القضية الفلسطينية.

آخر هذة الأوهام طرحها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حسبما جاء في صحيفة "يسرائيل هيوم" أمس السبت، وتضمنت دعوته المجتمع الدولي " للاعتراف بأن التسوية المستقبلية المحتملة (لاحظوا تعبير المحتملة، بمعنى قد تطرح أوهاما جديدة لاحقا لإشغال العالم بها) بين إسرائيل والفلسطينيين، ستستند إلى نموذج سياسي لا وجود له حتى الآن في العالم ( العبقرية الإسرائيلية )، فالفلسطينيون يتمتعون بالصلاحيات الكاملة لإدارة شؤونهم، باستثناء المجال الأمني". وأضاف رئيس الائتلاف اليميني الحاكم شرط الا تهدد تلك الصلاحيات إسرائيل، لذا "نحن سنحافظ على الأمن بشكل شامل، بما في ذلك في غور الأردن". ولتبرير أوهامه العرجاء والمرفوضة تابع متذرعا بالذرائعية الممجوجة " هناك فسيفساء من الدول الفاشلة في الشرق الأوسط، ولا نريد إقامة دولة فاشلة أخرى". وأغدق "كرمه" الاستعماري على الفلسطينيين قائلا "لا أريد ضم الفلسطينيين كمواطنين، ولا أريدهم رعايا لنا، يمكن ان يكون لديهم علمهم الخاص وسفارات، هذا نموذج جديد من النظام، يجب ان نعتاد عليه." كأنه هنا يقول للعالم وقبلهم للفلسطينيين، عليكم ان "تقبلوا" هذا الخيار، رغما عنكم!؟

وأردف رابطا بين ما أوهامه وما ستطرحه الإدارة الترامبية. لا سيما وأن طرحه جاء بعد لقائه الرئيس الأميركي في مؤتمر دافوس، قائلا "من الضروري الانتظار والاطلاع على مبادرة السلام، التي ستقترحها الإدارة الأميركية الحالية". وهو ما يؤكد أن ما أدلى به لا يخرج عن التناغم والتكامل بينه وبين الرئيس ترامب. وعزز تمسكه ببقاء الرعاية الأميركية للعملية السلمية، من خلال رفضه لرعاية دولية أخرى، عندما أكد "والاعتقاد بأن جهة أخرى يمكن أن تحقق السلام غير الأميركيين، هو ضرب من الخيال".

كما أصر على أنه "في أي اتفاق سلام ستظل القدس عاصمة لإسرائيل" وإن عدم الاعتراف بذلك "يبعد السلام، لأنه يخلق الأوهام". وطبعا رغم انه لم يشر إلى قضية عودة اللاجئين الفلسطينيين لديارهم، غير ان هذه المسألة بالنسبة له ولائتلافه الحاكم وللإدارة الأميركية تحصيل حاصل، بتعبير دقيق "لا عودة لهم لديارهم وأراضيهم، التي طردوا منها عام النكبة" داخل إسرائيل. أضف إلى أن ما يطرحه المستعمر الفاسد نتنياهو لا يتضمن انسحاباً من كل أراضي الدولة الفلسطينية المحتلة في الخامس من حزيران 1967، بمعنى أن الاستعمار الإسرائيلي سيبقى في الأغوار وغيرها من الأراضي الفلسطينية ووفق "المصالح الأمنية" الإسرائيلية، بعد ذلك فليسم الفلسطينيون ما تبقى دولة او إمبراطورية أو ما شاءوا من الأسماء؟!

ما طرحه نتنياهو أوهام لا تقبل القسمة على التسوية السياسية المحددة والمعروفة، وعنوانها انسحاب إسرائيلي كامل من أراضي الدولة الفلسطينية المحتلة في الخامس من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، بسيادة كاملة على اراضيها وحدودها ومعابرها، وضمان حق العودة للاجئين على اساس القرار الدولي 194. دون ذلك لا مجال لأي تسوية سياسية. أضف إلى ان الرعاية الأميركية لم تعد قائمة شاء نتنياهو او لم يشأ ترامب، دون ان يلغي ذلك الوجود الأميركي في أية رعاية دولية يمكن ان تتبلور في المستقبل المنظور. غير ذلك يصبح الذهاب للدولة الواحدة الممر الإجباري لرئيس حكومة إسرائيل الاستعمارية وأركان ائتلافه، والفلسطينيون جاهزون لكل الخيارات. وعلى نتنياهو ان يختار إن بقي في الحكم.