كمال بالهادي - النجاح الإخباري -  

منذ أن أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الاعتراف بالقدس عاصمة لدويلة إسرائيل، وحكومة الاحتلال تعمل جاهدة على تغيير القوانين الداخلية حتى تكون منسجمة مع الوضعية الجديدة. فكان تصويت حزب «الليكود» على قرار ضم «يهودا» و«السامرة» (الضفة الغربية) إلى أراضي الاحتلال، وتصويت الكنيست على قانون القدس الموحدة، يهدف إلى القيام بخطوتين عمليتين، هما: وأد فكرة الدولتين، والضم النهائي للقدس الموحدة عاصمة للدولة اليهودية..

القرار الإسرائيلي الجديد، جاء في صيغة استفزازية غير غريبة في واقع الأمر عن سياسات الاحتلال منذ سبعين عاماً، وشكل صفعة قوية، للمتمسكين بعملية السلام، بما أن القرار ينهي عملياً أي فرصة للسلام في المستقبل؛ حيث جاء في القرار «في الذكرى الخمسين لتحرير «يهودا» و«السامرة»، بما فيها القدس، عاصمتنا الأبدية، تدعو اللجنة المركزية لليكود قيادات الليكود المنتخبة إلى العمل؛ من أجل السماح بالبناء الحر، وإحلال قوانين إسرائيل وسيادتها على مجمل المجال الاستيطاني المحرر في يهودا والسامرة».

رئيس الكنيست، يولي ادلشتاين وهو (عضو في حزب الليكود) قال في اجتماع للحزب الحاكم، مساء الأحد الماضي، «إن إعلان الرئيس ترامب فتح عهداً جديداً لدولة إسرائيل في القدس والضفة الغربية». وأضاف: «لقد حان الوقت لفرض السيادة، والآن كل شيء يعتمد علينا، والخطوة الأولى لإعلان ترامب سيتم ضم مستوطنة معاليه أدوميم إلى القدس». وكان الحزب قد صوت بالأغلبية المطلقة على قرار يلزم ممثلي الليكود في الكنيست والحكومة على سن تشريعات؛ لضم القدس والمستوطنات في الضفة الغربية إلى دولة الاحتلال، وقد يمتد هذا القرار مستقبلاً حتى تتمّ إعادة السيطرة على قطاع غزة. حلفاء الليكود في الكنيست أعلنوا مساندتهم المطلقة للقرار؛ حيث عبّر حزب «إسرائيل بيتنا» بزعامة أفيغدور ليبرمان، وحزب «البيت اليهودي» بزعامة نفتالي بينت، عن دعمهما القرار أثناء التصويت عليه في الكنيست.

وبعد ساعات من قرار حزب الليكود الحاكم، اجتمع الكنيست؛ للتصويت على قانون القدس الموحدة، الذي يسمح بسلخ وعزل الأحياء في القدس الشرقية خارج الجدار الفاصل لمصلحة سلطة بلدية للاحتلال. ويمنع التنازل عن أي أجزاء من المدينة في حال أي تسوية مستقبلية، ويفرض أنّ أي مقترح لتقسيم القدس مستقبلاً يتطلب موافقة 80 عضواً من أعضاء الكنيست، أي ضمان موافقة لثلثي الأعضاء.

عملياً يهدف القانون الجديد إلى عرقلة نقل الأراضي من القدس المحتلة إلى السلطة الفلسطينية في أي اتفاق مستقبلي، وهو في الوقت ذاته يمثل تراجعاً عن الاتفاقات السابقة، التي وقعتها حكومات الاحتلال، وأفضت إلى منح السلطة الفلسطينية، السيطرة على أجزاء واسعة من الضفة الغربية، وتجميد الاستيطان، وهو ما لم تلتزم به حكومات الاحتلال بتاتاً.

منذ إعلان ترامب، رد محمود عباس بأن «وعد ترامب» هو «وعد بلفور» جديد، ينهي عملية السلام، ويخرج واشنطن من دائرة رعاة مفاوضات السلام؛ لكن العرب تمسكوا بمسار السلام خياراً لا بديل عنه. توجهوا إلى الأمم المتحدة وحصلوا على قرار بأغلبية الأصوات يرفض تهويد القدس؛ لكن من يتحكم في الأرض الآن ويغير هويتها؟ وهل يمكن لقرارات الأمم المتحدة، أن تمنع قرار الليكود أو الكنيست؟ 120 عضواً في الكنيست يهزمون عملياً 128 دولة صوتت لمصلحة رفض قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. هذا هو الواقع، الذي نخشى مواجهته كعرب، وهذه هي الحقيقة المرة، التي تصدعنا صباحاً مساء وفي نهاية سنة مضت.

القدس الموحدة هي عاصمة الكيان، هكذا ردت حكومة الاحتلال على العالم في السويعات الأخيرة من سنة 2017، حين كانت الأنظار متجهة للاحتفال بحلول العام الجديد. هي رسالة نهاية سنة إدارية؛ لكنها إعلان منهج عمل للسنة الجديدة، التي تم افتتاحها صباح الاثنين غرة يناير/كانون الثاني بتصويت الكنيست على قانون القدس. إنها هدية حكومة الاحتلال، التي أعلنت أن عدد سكان إسرائيل قد بلغ في نهاية 2017، 8.5 مليون نسمة أي ما يعادل ضعف الشعب الفلسطيني في كلّ فلسطين.

دروس التاريخ علمتنا أن الشعوب المحتلَّة لم تكن يوماً أقوى عسكرياً من مستعمريها؛ لكنها كانت دوماً أكثر قوة معنوياً؛ لأنها صاحبة الأرض والحق، لذلك انتصرت الإرادة على قوة السلاح، وهذه القاعدة لم تتغير قوانينها إلى اليوم.