حسن البطل - النجاح الإخباري - أُخضِعَ تصويت الجمعية العامة في 21 كانون الأول إلى ثلاث من عمليات الحساب الأربع: جمع، طرح.. وتقسيم لأصوات الدول الأعضاء الـ193.
هناك في إسرائيل من جمع أصوات الدول الممتنعة إلى الدول المغيّبة نسبة إلى المجموع، ورأى مثل صحيفة «إسرائيل اليوم» أن النتيجة ليست سيئة تماماً، أو أقلّ سوءاً من تصويت مجلس الأمن.
في فلسطين ومعظم الدول، هناك من طرح الدول الموافقة الـ128 (انضمت إليها لاحقا سان مورينو) من المجموع، ووجد أن التصويت كان بأغلبية الثلثين، علماً أن تصويت مجلس الأمن دفع المندوبة الأميركية للقول: هذه إهانة وصفعة لن ننساها.. فتلقت ركلة في الجمعية العامة.
بعد خطاب الاعتراف الأميركي، وقبل تصويت الجمعية العامة وبعده، قالت فلسطين: أميركا لم تعد وسيطاً، وفور التصويت زار رئيس السلطة باريس لشكرها، ومعظم أعضاء الاتحاد الأوروبي الأساسيين، على التصويت الإيجابي، كما زار مستشار العلاقات الخارجية، نبيل شعث موسكو وبكين.
كان الرئيس الفرنسي السابق، فرانسوا اولاند، قد قال إن بلاده ستعترف بدولة فلسطين في «الوقت المناسب»، وأضاف سلفه ماكرون إلى ذلك، أن الاعتراف الفرنسي بفلسطين لن يكون أحادي الجانب أوروبياً!
نبيل شعث بحث في موسكو وبكين عن البديل الدولي من وساطة احتكرتها أميركا، ووجد فيها تأييداً لفكرة مؤتمر دولي، كما كانت موسكو قد اقترحت منذ سنوات.
موشي آرنس، وزير دفاع إسرائيلي سابق، كتب أن أميركا لم تكن ولا يمكن أن تكون وسيطاً نزيهاً بين إسرائيل وفلسطين، لكل الأسباب التي نعرفها، ومنها أن وساطاتها السابقة كانت على المنوال الآتي: تعرض أميركا مقترحاً على إسرائيل، فإن قبلته هذه عرضته على الفلسطينيين ليرفضوه!
كان يمكن للرئيس ترامب أن يمرّ بين الألغام في خطاب «الاعتراف الواقعي» لو استخدم شيئاً في الاعتراف القانوني (نقل السفارة فعلياً) بالقول إن النقل سيكون بعد مفاوضات مباشرة حول القدس، أي غاب عنه استخدام شيء في قواعد اللغة العربية هو «أن المضمرة» التي تنصب فعل الاعتراف المضارع إما وجوباً غالباً أو جوازاً أحياناً.
السلطة تقول بقدس ذات عاصمتين لدولتين، وإسرائيل تقول (وتفعل) بأن القدس عاصمة موحَّدة لإسرائيل.. أي «كلها لي» كما يقول بذلك بعضهم أن كل أرض فلسطين تعود إلى إسرائيل.
الواقع، أن ما يدعى «صفقة العصر» هو اسم وتوصيف آخر لما يدعى «الحل الإقليمي» الذي سبق لإدارات أميركية أن قالت به، بما في ذلك إدارة أوباما، و»الحل الإقليمي» هو الترجمة الأميركية الشوهاء لمبادرة السلام العربية 2002، سوى أنها تضع العربة العربية (الاعتراف بإسرائيل) أمام الحصان الفلسطيني (الدولة الفلسطينية)، وجون كيري نفسه كان من مؤيدي «الحل الإقليمي» الذي فهمته إسرائيل بتحالف محور دول عربية سنية ضد إيران مع إسرائيل وأميركا!
السلطة رفضت دولة ذات حدود مؤقتة، وأصرّت على سلام قوامه دولة على حدود العام 1967، والقدس عاصمة دولتين، كما قالت الشرعية الدولية.
الواقع أن رفض السلطة الفوري لخطاب الاعتراف الأميركي جاء بعدما كان مقدمة للصفقة التي هي أقل من دولة، وأكثر من حكم ذاتي، على أن يكون قطاع غزة مركز الدولة، والضفة تخضع لتقاسم وظيفي، يشمل كياناً فلسطينياً على المنطقتين (أ) و (ب) وبعض المنطقة (ج) أي نصف الضفة.
صحيح، أن تصويت الجمعية العامة كان بغالبية الثلثين، وأن نتيجته هي تستند إلى البند السادس من ميثاق الأمم المتحدة، وهذا يستند بدوره إلى البند السابع، الذي يلغي «الفيتو»، لكن السؤال هو: ما هو البديل عن أميركا؟
أي ما قيمة البند السابع إذا رفضت واشنطن حضور مؤتمر دولي يكون بديلاً عن احتكارها دور الوسيط؟
سنلاحظ أن 129 دولة صوّتت في الجمعية العامة ضد إعلان اعتراف ترامب، وهي تقل عن عدد الدول المعترفة بفلسطين البالغة 138 دولة حتى الآن، ومن ثم فإن على فرنسا أن تقود دول الاتحاد الأوروبي، أو معظمها، إلى اعتراف بفلسطين، استطراداً لتصويت بريطانيا وفرنسا في مجلس الأمن ضد خطاب الاعتراف الأميركي، وصوّتت لصالح قرار الجمعية العامة.
منذ بعض الوقت، وقبل التصويت في مجلس الأمن والجمعية العامة، تفكر السلطة الفلسطينية في إعلان نفسها «دولة تحت الاحتلال»، وهذا يعني إلغاء اتفاقية أوسلو.
يمكن أن نقارن بين وضع فلسطين في خطاب عرفات 1974 في الجمعية العامة، ونتيجة التصويت فيها هذا العام، أو يمكن أن نقارن بين «لا نناطح أميركا» و»99% من أوراق الحل في يد أميركا» وبين مناطحة فلسطين لأميركا ومباطحتها، وجعل «صفقة العصر» في خطاب الاعتراف صفعتين للولايات المتحدة في مجلس الأمن والجمعية العامة.
لكن الولايات المتحدة وإسرائيل تحتاجان إلى صفعة ثالثة فلسطينية، هي إنجاز «معجزة» المصالحة وإنهاء الانقسام، وإعادة ترميم الشرعية الفلسطينية المتممة للشرعية الدولية والقانونية.
للتذكير: عضوية دولة إسرائيل في الأمم المتحدة مشروطة بقيام دولة عربية أخرى، هي فلسطين، وكذلك بالاعتراف بالقرار 191 الخاص بمبدأ حق العودة، وعلينا تذكير العالم بذلك.