رجب أبو سرية - النجاح الإخباري - صحيح أن إدارة  الرئيس الأميركي الجمهوري دونالد ترامب قد أغلقت أبواب الربيع العربي، دون أن ينتج عن المغامرة الديمقراطية لسلفه سوى تدمير اقتصاد عدد من الدول العربية، وإلحاق الخسائر في أرواح مواطنيها، وتدمير الدولة في بعضها لدرجة تهديد وحدتها الداخلية، كما هو الحال في ليبيا وسورية، على نحو أكثر وضوحا، إلا أن الثابت أن الإدارة الجمهورية، تريد الإبقاء على الحريق الناجم عن أكثر من سبب، والذي بدأ اشتعاله قبل مغامرة الديمقراطي باراك اوباما، ونعني بذلك حريق الحروب الداخلية في الشرق الأوسط، والتي بدأت بشن أميركا الحرب على العراق وإسقاط نظام صدام حسين عام 2003 . 
بعد إسقاط ومن ثم إعدام صدام، انفتح الباب لمواجهة دامية أخذت شيئا فشيئا الطابع الطائفي خاصة بين السنة والشيعة، حين انتشرت العناصر القاعدية في الأنبار، ثم حين ظهرت بعد ذلك، ومع اندلاع الحرب الداخلية في سورية، داعش والنصرة، في الوقت الذي كانت تملأ الفراغ في كل من ليبيا واليمن، العناصر المتطرفة، لتقيم إماراتها في ولايات أو محافظات، حيث تم بفضلها قطع أواصر الدولة .
وحيث أن لكل دولة طابعا خاصا للتعامل الاستعماري معها، رغم وجود الخط العام، الدافع بتفتيتها وتدمير اقتصادها، ففي ليبيا يتداخل النفوذ الأميركي مع الغربي، خاصة الفرنسي، ولأن في ليبيا نفطا، فإن الرغبة في عدم توحيد البلاد مجدداً من قبل الغرب الاستعماري تبدو واضحة، أما في سورية، فقد تداخل النفوذ الدولي والإقليمي، لذا من الصعب أيضا الحديث عن عودة الوحدة للدولة مجددا، في ظل وجود مناطق نفوذ، خاصة للروس وإيران وتركيا. 
المهم، أن كل ما كان يقال عن أن حلفاء واشنطن أو الغرب بمنأى عن مخططاتهم التي تظهر فيها الأصابع الإسرائيلية واضحة وجلية، ذهب أدراج الرياح، فليس هناك حليف ثابت للغرب، إزاء جشعه وطمعه بالثروة والنفوذ، لذا فقد قاموا بالمساعدة على إسقاط زين الدين بن علي وحسني مبارك حليفيهما، وقاموا بقتل صدام والقذافي عدويهما، وأما بشار الأسد فعجزوا عن إسقاطه، وحتى أنهم يحافظون على الخلاف بين كل من الرباعي العربي، وقطر، حتى يحظى ترامب بالثروة من كلا الجانبين، ليس لأن واشنطن تقف على درجة واحدة من الطرفين، بل لأنها حتى لا تتقدم باتجاه حل المشكلة بينهما، أي أنها مستفيد أساسي من حدوث ذلك الخلاف.
ما تبقى من دول عربية لها نفوذ وتأثير إقليمي، مصر والسعودية فقط، حيث لم تنج الدولتان من العبث بهما، فقد وجدت السعودية نفسها متورطة بوحل اليمن، هي والأمارات ليتم استنزاف اقتصادهما، فيما مصر والتي هي مشكلتها اقتصادية بالدرجة الأولى تستنزف أمنيا في سيناء وغيرها، ولا يتم بنفس الوقت تغذية قطاع السياحة أحد أهم القطاعات التي يعتمد عليها اقتصادها. 
المهم انه لا يسمح بوجود حالة يتم فيها إطفاء الحريق، قبل أن يجهز الغرب وإسرائيل من تحت الطاولة على كل مراكز القوة الإقليمية، حيث يمكن حصر مراكز القوة الإقليمية، عدا إسرائيل أو إضافة لها، في كل من إيران وتركيا، ثم مصر والسعودية. 
إيران أيضا وبنتيجة الحروب الداخلية تم استنزافها اقتصاديا وامنيا، وتم _وهذا هو أمر مهم جدا_ صد جماهيريتها هي وحزب الله في صفوف ملايين السنة العرب وغيرهم من سنة العالم، فيما تركيا، تم قطع الطريق على طموحها بدخول العالم العربي عبر الأخوان المسلمين، وهكذا انكفأت تركيا ولم تعد تطمح بأكثر من منطقة نفوذ شمال غربي سورية لصد محاولة الكرد توسيع كيانهم المستقل ليشمل إضافة لكردستان العراق كردستان سورية، فيما إيران، اضطرت للاكتفاء بما هو قائم، أي نفوذها في سورية والعراق، وحزب الله في لبنان، وقد اضطرت للتضحية بطموحها في اليمن ومن قبلها البحرين. 
بعد دحر داعش، يبدو أن الحريق ذاهب إلى الانطفاء، لذا فان إسرائيل تسابق الوقت لإشعاله في مكان آخر، حيث بدأت منذ تولي ترامب بتوجيه النار مجددا وجديا نحو إيران، وكما كنا اشرنا في مقال سابق قبل وقت، فان الوسيلة المثلى هي محاربة إيران في مناطق نفوذها، وليس داخل بلادها، لذا فإن النار قد تتجه نحو الاشتعال في ساحة أخرى، قد تكون لبنان. 
التحضير لإشعال هذا الحريق يحتاج إطارا سياسيا وتحضيرا خاصا، وبسرعة، لذا كان الحديث عن صفقة العصر، لطي الملف الفلسطيني بحل يتم فيه تجاوز الحقوق الوطنية الفلسطينية، وقد بدأ التسخين له عبر إقدام رئيس الحكومة سعد الحريري على تقديم استقالته ومن ثم تعليقها، حتى يفتح باب المساومة مع الرئيس ميشيل عون.
استقالة الحريري كانت قد أرفقت بشن هجوم ناري على إيران وحزب الله، يتوافق مع التسخين السعودي الرسمي تجاه طهران، وكان المدخل هو أن حزب الله لم يلتزم بالسياسة الرسمية التي اتبعها لبنان إزاء الحرب في سورية، والقائمة على النأي بالنفس تجاه الفرقاء، ولكن هذا حدث منذ أكثر من خمس سنوات، انخرط خلالها حزب الله بالحرب إلى جانب نظام بشار الأسد، فلم كان الحديث عن هذا الأمر، الآن وحين بدأت الحرب تضع أوزارها؟ لأن الأمر له علاقة _برأينا_ بالوجهة القادمة للحرب، ولأن الحريري يريد كسب الموارنة أو على الأقل تأييدهم لحصر النفوذ الإيراني في لبنان، ومحاصرة حزب الله أحد أهم أذرعه الخارجية. 
كل الجماعات التي خرجت من سورية، قد تجد في لبنان ضالتها أو ملجأ لها، في حالة حدوث فراغ سياسي، كان قائما قبل وقت بوجود شاغر رئيس الجمهورية لأكثر من عام إلى أن عقد  الحريري الصفقة مع عون، الذي بدوره نكصها بإرساله سفيره لنظام بشار، قبل وقت قصير، في حال حدث الفراغ هذه المرة في مقعد رئيس الحكومة، حيث ستجد كل الجماعات السنية في لبنان وغيره أن حقوقها مهضومة وأن عليها أن تملأ الفراغ بقوة السلاح، فتشتعل الحرب مجدداً.
[email protected]