بمشاركة منال الزعبي - النجاح الإخباري - عندما تتحول النعمة نقمة على صاحبها، وعندما يتحول الجمال لضربة جزاء تدفع الفتاة فيها الثمن، (ي.ف) البالغة من العمر( 26) عامًا تروي قصتها: 
 كثيرًا ما فرحت بعبارات المدح والإطراء كلما رأتني الجارات والقريبات وأيا كان حتى أصابني الغرور، أنا هي الفتاة الجميلة، عيون خضراء وشعر أشقر منسدل وبشرة بيضاء ناصعة وهدوء يتخلّله مرح أحبَّه الجميع،  لم تقتنع أمي عندما عدت اليها من المدرسة أخبرها أنني لا أرى بوضوح ومستواي الدراسي في تدني حتى زار فريق من أطباء العيون مدرستي واتّضح أنني أعاني من مشكلة بصرية وبحاجة ماسّة لنظارة، أمي القاسية بطباعها والجارحة بكلامها والتي تظن أنَّ القسوة هي الوسيلة الأجدى في ضبط البنات تحديدًا،  قالت مقولتها المشهورة "عنين كبار وخراب ديار"، و"حلف زين ما كمل"، كنت في الثانية عشرة من عمري حينها. 


أمّا والدي الحنون كان في  صفي دائمًا  لكن العين بصيرة واليد قصيرة وكومة لحم بحاجة إلى نفقات،  قال بصوت حنون: "معلش يابا أكم يوم وأحلى نظارة  كرمال عيونك".
حتى جاء ذلك اليوم الملعون واتصل والدي الذي. كان يعمل في جنين وقال لأمي: جهزي آية رح يمر ابن عمي يجيبها عندي عشان أعملها نظارة"، فرحت ولبست أجمل ماعندي وظفرت أمي شعري ورصعتني بكلماتها الموجعة: " هاد الي ما كان ع البال ولا ع الخاطر، هم مخفي" وقد جهلت أمي الهم الأعظم الذي ينتظرني، وماهي إلا دقائق وجاء ابن عم والدي وهو شاب بآخر العشرين ركبت ولوحت لأمي بفرح طفولي.. وعلى ايقاع الموسيقى الصاخبة قال لي ذلك الشاب: " سلامتهم أحلى عيون، بتعرفي إنك بتجنني نيال الي بدو يوخدك" .. شعرت بالخجل، ظلَّ يتحدث وأنا صامتة ثمَّ لمس خدي وقال مداعبًا يسعدها الخجلانة بدأ الخوف يسيطر علي إذ كان يفترسني بنظراته ثمَّ بدأ يستدرجني بكلام الحب والغزل تبدل حالي وزاد خوفي، ثمَّ طلبت منه بصوت راجف أن يعيدني إلى المنزل فضحك قائلًا: قربنا نوصل بس قبل لا نوصل بدك تعطيني .. وامتدت يده تفسّر ما يريد من جسدي الصغير وروحي تختلج خوفًا ورهبًة ورغم صغر سني فهمت ما يلمّح إليه.


شعرت  الموت يقترب مني وبلا وعي فتحت الباب وقفزت من السيارة لم أدر ما حصل إلا بعد شهر فتحت عيوني لأجد أمي وأبي وأخواتي حولي في المستشفى وعرفت أنني كنت في غيبوبة إثر ارتطام رأسي بحجر وقد نزفت كثيرًا .. كانت الآلام تسيطر على كلّ جسدي وبالكاد أستطيع رؤية من حولي تتسلل إليّ كلماتهم كأني داخل بئر وهم على بابه سرني صوت أمي لأوّل مرّة أشعر بحنانها عبارات حسرة " شو الي صار لهالبنت عين وصابتها" .. تذكّرت كل ما حدث وكيف حاول ذلك الشاب الاعتداء عليّ، لكنني لا أقوى على الكلام فنفسي مكسورة والخوف مجدّدًا يسيطر علي هل سيصدقون ماحدث؟ ترى ماذا قال لهم ذلك الماكر؟
مرَّ اسبوع وتعافيت وبدأت أتكلم فأخبرت والدي بكل شيء. جن جنونه وثار غضبًا وحلف أن ينهيه برصاصة وحلَّت لعنتي على العائلة،كرهتني أمي إثر هذه المشكلة التي لا ذنب لي بها وصارت تراني عارًا متنقلًا وتردد جملة لا أنساها ما حييت: "ريتها ماتت وخلصنا منها".
في بيت عمي المجاور لبيتنا كنت أجد راحتي وأشعر بالحب المصطنع من زوجة عمي التي لم تنجب الا الذكور وتطلب مساعدتي دائمًا، وحب حقيقي تسلل إلى قلبي الصغير من ابن عمي الذي يكبرني بثمان سنوات،أحبني حبًا شديدًاوتعلقت به دون علم أحد، إلا أنّه سافر للعمل.. وعدني أن يعود قريبًا وطلب مني أن أظل على العهد..ولكن..  


عبارة أمي "العيون مفتحة عليها"، جعلتني أكبر  قبل أواني بعقل فتاة صغيرة أدركتُ  فحوى هذه الألغاز الاجتماعية الحمقاء لأجد نفسي حبيسة الجدران لا أخرج إلا للمدرسة و إلى بيت عمي مفري الوحيد من نق أمي، لم تمضِ سنة حتى قرّر والدي وعمي قرارهما المفاجئ بعد سهرة وسمر إذ قال:  (ي) لأحمد وتمتموا بالفاتحة.. لماذا يقرأون الفاتحة هل مات أحد؟!

لا انتظروا لا تشيعوني قبل أواني.. لم يسمع أحد رأيي، ما دروا أنَّ أخاه في قلبي، رفضت بشدّة .. وما إن عرف الحبيب الغائب حتى عاد أدراجه مسرعًا وليتهم سمعوني قبل أن تقع تلك المشكلة الكبيرة في بيت عمي بين الأخيين ما جعل زوجة عمي تنهال على أمي بقبيح الكلام وتصفني بأبشع الصفات، وانقسم العرب عربين، صراخ وشجار وسكاكين أوصلت أبي وعمي وأولاده لمركز الشرطة .. هناك قال والدي مهددًا عمي: " والله الا أجوزها لأول واحد بتقدملها حتى لو شحاد!" وفعلًا كان في المركز شاب سمع أطراف الحديث  وكان يعرفنّا فسارع لأبي وقال: " أنا بشرفني أطلب بنتك"، ووسط عصبية أبي وانفعاله وليحسم الموقف قال: " أجتك".
حرمت طفولتي، وحرمت دراستي، وحرمت الفرح الذي تنتظره كل فتاة مع شريك تحبه ويحبها، جردوني من كل شيء ورموني بأحضان رجل فقير المال والأخلاق، آواني في بيت لا يصلح للحياة بدّلت كسور أبوابه وجدرانه برسوماتي الطفولية محاولة ترميمة قدر الإمكان.. عشت أسوأ تجربة يمكن أن تعاش، عندما ضربني لأول مرة لجأت لأهلي لكن عاداتهم وتقاليدهم تقول: "البنت مالهاش الا بيت جوزها، والي بصبر بنول، والبنت ما بتنعطى عين".. عادات بالية ضيعتني فقرَّرت أن أعتمد على نفسي ولم أعد أشعر بألم الضرب كلما سَكِر ذلك الفاسد، نزلت للعمل منعني في البداية لكن لما رأى المال وافق وصار يدفعني إليه.


العمل علّمني الكثير، علمني كيف أعتمد على نفسي، وألا أبيع كرامتي فما أكثر الذين يعرضون المال مقابل الجسد، لكن شعاري دائمًا كان: تجوع الحرّة ولا تأكل بأثدائها، كلما زاد إصراري على الحياة زادت الصعوبات، وفي كل مرّة أصبح أفضل وأقوى بالتحدي، أقرأ الكثير من الكتب التي تقويني ولا أحرم نفسي من أي شيء رزقت بثلاثة أبناء هم كل حياتي وها أنا أكافح لأثبت أنَّ الضعف وحده يردينا.. لكنَّنا نحيا بالقوة والإصرار حتى لو واجهت الدنيا وحدي سأفوز"، سألتها عن أصعب شعور كابدته، فقالت: " أصعب شعور تموت وتبقى على قيد الحياة، أن تكون جثة تمشي على الأرض، لكن أنا مصرّة على أن أبث فييّ الروح".


لم تمنع آية نفسها من البكاء الذي زرع الغصة في حلقي، كانت تنتحب إلا أنَّ قوتها تستحق أن تكون درسًا لكل فتاة بل لكل من يأكله الضعف والاستسلام.