عبد الغني سلامة - النجاح الإخباري - في ثانوية "بيت سيرا" للبنين، سألتُ الطلبة سؤالاً محدداً: من هو أكثر معلم/ة تحبونه؟ فأجابوا بما يشبه الإجماع، إنها مس هند.. وعن السبب قالوا: إنها هي التي علمتنا الإنجليزية بعد أن كنا نجهلها تماما.. وفي حديثي مع المعلمة "هند" حول تجربتها المميزة تلك، قالت إنها أتت للصفوف الثانوية، فوجدت أغلبية الطلبة لا يعرفون شيئا عن الإنجليزية، وبالكاد يفكون الحرف، ولا يستطيعون تكوين جملة من ثلاث كلمات.. وأمامهم سنوات قليلة جداً حتى يصلوا للتوجيهي، ومن ثم الجامعة.. ما يعني أن فرص نجاحهم ستكون ضئيلة جداً، أو معدومة.. وأضافت إنها أصيبت حينها بالإحباط، وأدركت أنها أمام مهمة شبه مستحيلة.. لكنها صممت على خوض التجربة بعزيمة قوية، وبأسلوب فريد، وبدعم وتشجيع وتعاون من مدير المدرسة الأستاذ أبو عبيدة
في البداية ركزت على بناء علاقات مع الطلبة تقوم على المحبة والتفاهم والثقة، والتقرب من قلوبهم قبل أدمغتهم.. ولما كان لها ذلك، بدأت الخطوة التالية، وهي تبسيط المادة، وتقديمها بأسلوب محبب ولطيف حتى يتقبلها الطلبة؛ أي تفكيك عقد الخوف والكراهية تجاهها.. وهكذا بدأت معهم من الصفر؛ من تعلم الأحرف وحفظ المفردات الأساسية.. وباستخدام وسائل الإيضاح، ودمج اللعب بالتعليم، وخلط المزاح بالجد، ودروس التقوية، وبتشجيعهم على مشاهدة الأفلام وسماع الأغاني الأجنبية بدؤوا يحبون الإنجليزية.. واستغرق ذلك ما يقرب الفصل، حينها كان الطلبة قد وصلوا لمرحلة يمكن البناء عليها، وبالتشجيع والثناء والمثابرة هم الآن بمستويات جيدة، بل وممتازة.. 
"جابر قصراوي".. أستاذ الكيمياء في ثانوية بيتونيا، قصة تميز فريدة.. إضافة إلى براعته في الكيمياء، وأسلوبه المقنع والسلس في التدريس، يخصص كل وقته للطلبة؛ حصصاً إضافية قبل ونهاية الدوام، دون مقابل.. يجيب عن أي سؤال للطلبة في أوقات الاستراحة، وإذا شعر بأن طلبته لم يستوعبوا موضوعا ما بالشكل الكافي يجلبهم إلى مركزه التعليمي وسط المدينة ويعطيهم حصصاً إضافية بالمجان.. أعدَّ الكثير من النشرات والشروحات والكتب المساعدة، بوسعه أن يحقق من ورائها أرباحا طائلة، لكنه يوزعها على الطلبة بسعر التكلفة فقط.. متفانٍ ومخلص في عمله، يقدم جهده ووقته ولا ينتظر مكافأة.. يزور أي طالب تراجع أو ظهر منه ما يدل على إهماله؛ يزوره في منزله، ويقضي معه ساعات في تشجيعه وإعادة الثقة لنفسه.. الأمر نفسه يفعله مدير المدرسة الأستاذ "نبيل سمارة".. الذي يبدو في ظاهره الشدة على الطلبة، بيد أنه ليس كذلك.. حيث يحس الطلبة منه شعور الأب الحاني، الذي يراقبهم بقلق، ويفرح لنجاحهم
"زياد خداش"، الكاتب والأديب المعروف، وأستاذ المدرسة؛ أشهر من أن يُعرف، قصصه وأساليبه المختلفة باتت تُدرس في نطاق تجارب التعليم التحرري والحديث في فلسطين والعالم العربي.. ما يفعله زياد وبأساليب مبتكرة، بسيط، ومدهش في آن معاً: تحرير الطلبة من الخوف، حثهم على عدم التسليم بالبديهيات، تحريضهم على التفكير الحر، طرح الأسئلة بشجاعة، إطلاق العنان لخيالاتهم، تدريبهم على تذوق الجمال، تشريبهم معنى الحرية، تشجيعهم على التصدي لمحاولات إخضاعهم وخنق تمردهم، تعريفهم على المعاني المتعددة للإبداع، وكيفية تحقيقه، إخراج أفضل ما لديهم من مواهب وقدرات.. في كل مرة يجترح أسلوبا مختلفا؛ يهرب مع تلاميذه من أسوار المدرسة، يطلب منهم إدارة ظهورهم للسبورة، لتلقينها درسا لن تنساه، يرقص ويغني ويصرخ معهم لإطلاق ما في دواخلهم.. 
لا أشك لحظة بوجود عشرات الحالات المميزة والفريدة الأخرى، التي تستحق التكريم والإشادة لدى قطاع المعلمين.. ولا أقلل من جهد وعطاء وكفاءة كل المعلمين والمعلمات.. لكني هنا أحاول تسليط الضوء على قصص نجاح وتجارب وحالات مميزة أعرفها شخصيا.. وأتمنى تعميمها.. 
من السهل أن نزايد على المعلمين، أو نتهمهم بالتقصير، أو نحملهم جانبا من المسؤولية، أو نطالبهم ببذل المزيد.. ذلك لأننا لم نمارس مهنة التدريس، وربما لا نستطيع تخيل حجم التعب والمعاناة التي يتحملها المدرس، أو حتى الإحساس بمشاكله وهمومه وحقوقه المنقوصة، ولكنا ومع ذلك نرى تمايزا واضحا بين مدرس وآخر في الأداء والإبداع والأسلوب.. 
وما لمسته من الطلبة خلال تجربة قصيرة ومحدودة جدا في التعليم، أنهم أذكياء جدا، ولديهم قابلية عالية للتعلم.. رغم ما يظهر منهم أحيانا من بلادة، أو من جهل محبط بمعلومات أساسية، أو عدم اكتراث، أو ضعف الشغف والفضول.. وما نعتقده عنهم أنهم تائهون.. فقد بينت الأحداث أنهم أظهروا صلابة وطنية غير متوقعة، وبرهنوا على انتمائهم، واستعدادهم للبذل.. وبرزت منهم حالات تميز وقصص نجاح عديدة.. 
ما ينقص شبابنا هو التوجيه، أن يجدوا المثل الأعلى والنموذج.. والمؤسسة التي تستوعبهم.. 
ما ينقص طلبتنا في المدارس هو علاقة الصداقة مع مدرسيهم.. ما ينقصهم هو ذلك الشيء الذي يجعلهم يحبون مدرستهم، ويأتونها فرحين متحمسين..