د. محمد المصري - النجاح الإخباري - الأصوات النشاز التي صدرت بحق رئيس الوزراء الدكتور رامي الحمد الله على إثر تصريحاته التي طالب فيها بتوفير الأمن على المعابر حتى تعمل،     إنما هي أصوات تتجاوز الواقع ولا تقرأ مجريات الأحداث، بل يمكن القول: إن هذه الأصوات تتجاوز الأدب والبروتوكول الوطني عندما وصفت تصريحات رئيس الوزراء بأنها "تحمل أهدافاً مشبوهة"، هذه أصوات لم تعرف، أو لا تريد أن تعرف، أن رئيس الوزراء هو وزير الداخلية أيضاً، وهو المكلف بالأمن وتوفيره، ولهذا، فإن مطلبه هذا يقع في صلب مسئولياته، كما أن رئيس الوزراء جاء إلى منصبه بالتوافق، أي أنه انتخب فصائلياً وتوافقياً، وهو بذلك شخصية اجتماعية وطنية ومقبولة بخلفية أكاديمية وعدم انحيازه لفصيل أو لتيار، هذا أولاً، أما ثانياً، فإن رئيس الوزراء ووزير الداخلية عندما يطالب بالأمن على المعابر، فهو عملياً يطلب ذلك أن يكون قراراً فصائلياً اجتماعياً وتوافقياً، ليعمل على تنفيذه وتطبيقه، وبالتالي، فإن تصريحه هذا يأتي من باب التذكير والتثبيت ليكون ذلك على أجندة اجتماع القاهرة المقبل، وحتى يستطيع أن يترجم الاجتماع الوطني إلى برامج عمل وخطط يومية، إذ أن الدكتور رامي لم يحدد الأمن ولا نوعيته ولا كميته، بل ترك ذلك كله للفصائل، فالرجل يعرف دوره وحجمه والمربع الذي يعمل فيه، فهو وزير للداخلية يعرف أن مهمته هي بسط الأمن على المعابر وما حولها، ليحكم ويضبط ما يخرج وما يدخل إلى المناطق التي تحت سيادة السلطة الوطنية، لا يمكن أن تتواجد قواتنا الأمنية على المعابر دون أن تكون هذه القوات قادرة على بسط الأمن وتنفيذه، ولهذا، فإن الرجل لم يقل شيئاً شططاً، ولم يتجاوز أحداً، ولم تحمل كلماته أي شبه.
الدكتور رامي الحمد الله، رجل تقي، رجل ينفذ ما يتفق عليه الفلسطينيون، وعندما يطالب بالأمن، فهو الأمن لكل الفلسطينيين، فلماذا هذا التشكيك ولماذا هذا الغمز واللمز في تصريحه الذي يجب أن يؤخذ على محمل النية الحسنة التي تعمل من أجل خلق مزاج وفضاء جديدين للمصالحة.
إن الاتفاق على تمكين الأمن هو ضرورة ملحة حتى لا ينفجر الاتفاق وحتى لا نقع في المحظور وحتى لا نكرر أخطاء الماضي، وحتى نذهب إلى المصالحة بعيون مفتوحة وقلوب مفتوحة ووعي تام، إن تمكين الأمن والاتفاق على مفاصله ومقاصده وتطبيقاته مهمة جداً حتى لا نتورط جميعاً، الأمن المقصود هو السلاح، وهو قرار الحرب والسلام، وهو القانون، وهو المؤسسة الفلسطينية الشاملة والجامعة، الأمن هو الحافظ والحامي للاتفاق، ومن الخطأ أن نتفق على كل شيء دون أن نتفق على السلاح، الذي هو – بالمناسبة – ليس في يد حماس فقط، وإنما بيد جماعات كثيرة، ولا أحد يريد إطلاقاً أن تكون السلطة الوطنية في غزة وكأنها تحمي فوضى أو تحمي واقعاً لا تستطيع أن تكون شريكة فيه أو سيدة فيه أيضاً.
الأمن أيضاً – وبرأي الدكتور الحمد الله – هو الضامن للتنمية وانجاح المساعي الاقتصادية والإجراءات الحكومية لترميم اقتصاد غزة وبنيتها التحتية، فإعمار غزة وجباية الضرائب واستقبال المساعدات وإدماج أو دمج الموظفين القدامى والجدد (بما في ذلك التسويات الشاقة التي يبذلها رئيس الوزراء بالتعاون مع أطراف أخرى لتسوية أوضاع الموظفين)، وتوفير الماء والكهرباء وتجفيف البطالة والجريمة والازدحام، كل ذلك يحتاج إلى أمن حقيقي، ليس أمناً من قِبل الأطراف الإقليمية، بل من قِبل أهوائنا أو أطماعنا أو مخاوفنا، إن اتفاق الفصائل حول الأمن وطبيعته والمشاركين فيه والمتحكمين في استخدامه، يجب أن يزيل كل المخاوف والهواجس، وأن ينزع ذرائع المتربصين أو الأعداء أو أية أطراف أخرى من التدخل أو الاعتداء، حتى لا تتحول المصالحة إلى ورطة حقيقية لكل الأطراف الفلسطينية.
إن رئيس الوزراء الذي أرسل نائبه الدكتور زياد أبو عمرو، وهذا ما أعلنه، إنما يقوم بواجبه كرئيس للوزراء، وما وجود النائب أبو عمرو هناك إلا لمتابعة القضايا اليومية لقطاع غزة، من صحة وتمكين للوزارات وإنضاج الظروف، لترجمة اتفاق المصالحة إلى روتين يومي معيشي، وأعتقد أن الدكتور زياد أبو عمرو من القدرة والكفاءة والحيادية، بحيث يعالج كل الشوائب التي يمكن أن تعطل المصالحة، وهو يتحدث أيضاً باسم الرئيس أبو مازن.
لا يمكن اتهام رئيس الوزراء أنه يقصد مقاصد مشبوهة أو غيرها، وهو الذي يعمل من أجل مصالحة صالحة ومن أجل مصلحة المصالحة، وهذه توجيهات الرئيس أبو مازن، وبهذا، فإن أية أصوات نشاز تتهم أو تشكك أو تحبط أو تهدف إلى مصالحة تكتيكية، إنما تقوم بالصيد في الماء العكر، وتريد أن تبقى أجواء الشك والتوجس والريبة قائمة.
كان من الممكن – وما يزال ممكناً – أن يقوم أي فصيل بالنقاش العلني المباشر مع رئيس الوزراء وسؤاله عن موقفه، ولكن وقبل ذلك كله، على أصحاب هذه الأصوات النشاز أن يعرفوا أن الدكتور الحمد الله، إنما يقوم بخدمة الشعب الفلسطيني كما تُقرر قيادة هذا الشعب أن تفعل، وهذا يعني أن الدكتور الحمد الله هو الموظف العمومي الأول لهذا الشعب، وهو أكثر الناس عرضة للسؤال والمحاسبة، الأمر الذي يجعل من مسؤولياته أثقل المسؤوليات، وعلينا أن نعينه عليها لا أن نجعلها صعبة وثقيلة على كتيفيه.
وفي مقابل الأصوات النشاز، نستمع إلى تصريحات اللواء توفيق أبو نعيم، الذي قال: إن اللواء ماجد فرج يعمل بأجندات وطنية، وهذا تصريح مسؤول يصدر عن مسؤول، يريد منها تبديد أي غيوم أو ضباب أو غبش، اللواء أبو نعيم يتحدث من بيت النار، فيما يتحدث الآخرون من أماكن أخرى، وعلينا أن ننتبه لذلك تماماً، فما قاله اللواء أبو نعيم فيه رسائل كثيرة ومتعددة، كلها تصب في صالح المصالحة ومصلحتها.