موفق مطر - النجاح الإخباري - لم نعرف بعد أسباب اختيار الطفلة فاطمة أبو ميالة ذات الـ 14 ربيعا، حاجز جيش الاحتلال الاسرائيلي يوم 27 أيلول الماضي، لكن ما نعرفه أن الطفلة قررت الهروب من جحيم وظلم الموروث الاجتماعي، فألقت بنفسها في دائرة نار كان من الممكن تأكل روحها بلا ثمن وارخص مما كانت عليها عند سماسرة زواج القاصرات، وسلاطين الأعراف والعادات الاجتماعية  الظالمة المتخلفة. 

لقد فتحت فاطمة جرحا كان نازفا ذهبنا في اعتقاد انه قد اندمل، فاذا بهذه الطفلة البريئة من تهمة حيازة السكين لطعن جنود الاحتلال عند الحرم الابراهيمي، قد اشعلت بوجه مسيرة تحررنا الاجتماعي والوطني  والثقافي الضوء الأحمر، قبل ان تقول لنا بالفعل وليس بالقول، انا ذاهبة الى الذي اغتصب ارض وطني حتى لو قتلني، ولا أرضى بالعيش معكم فيما روحي تغتصب كل يوم، فأرضي قد استعيدها  واطهرها، اما روحي ونفسي المغتصبة فإنها لعنتي على مفاهيمكم وقوانينكم واعرافكم الظالمة الى الأبد.

زوجوا الطفلة فاطمة قسرا، واستتروا بلحاف الزواج العرفي، لكن الفتاة ابت بيع روحها وجسدها كما اراد لها جشع اولي الأمر وسماسرة  الزواج العرفي، فاجتازت الخطوط الحمراء، ووضعت روحها على كفها، وكلفة تشهير قد تلحق باسمها، لتعلمنا بفظاعة الخطيئة التي نرتكبها بحق بناتنا وأجيالنا، ولتقول لنا لا تئدوا أرواحنا ونفوسنا وأجسادنا كما كان الجاهليون يفعلون، قالت وهي التي عجزت عن نطق اسم عائلة زوجها، وجهلت اسمه الرباعي!!.

يهرب المهووسون بفكرة امتلاك جسد انثى بأي ثمن تحت يافطة الزواج العرفي لتبرير خطيئتهم، وشرعنتها في اروقة مجتمعهم، دونما اكتراث لمصير الروح الانسانية المستهدفة وحقوقها، ودون ادنى اعتبار لمستوى اهليتها لهذه النقلة النوعية في حياتها من حيث النضوج المعرفي، والتكوين النفسي قبل التكوين الجسدي، وقبل كل امر قدرتها على قول (نعم) بحرية، أو (لا) دون أن يسارع المجتمع بدوائره المتعددة من الإطباق عليها واغتصاب مشيئتها، بدءا من الدائرة الأصغر التي قد تكون الأب او الأم وانتهاء بدوائر التشريعات والقوانين التي لم تعدل حتى الآن، حتى باتت بمثابة حائط ارتكاز للباحث عن تلبية شهواته وغرائزه  وانحرافاته الجنسية بالزواج من انثى حتى لو كانت في تصنيف القانون طفلة!.

قد لا نصدق أن طفلة بعمر 13 عاما انجبت مولودا مما يسمونه زواجا عرفيا، ما يعني انها قد سبيت وسيقت الى بيت الجريمة وهي في سن الـ 12 عاما، ولا يمكننا توصيف ما يحدث لطفلة في هذا العمر او لما يحدث لفتاة دون السن القانونية الا بعملية سبي، وخطيئة تعادل جريمة خطف انسان وتعذيبه حتى لو كان الخطاء قد شنشلها بالذهب، او رقدها في جرن عسل!!... لا نصدق، لكن بما ان الكلام جاء على لسان رئيس نيابة الأحوال الشخصية في ديوان قاضي القضاة السيدة صمود الضميري.

يحدث هذا في بلادنا، فيما نحن نرفع شعارات التحرر والحقوق، ونسابق الدول في الانضمام للمنظمات الدولية المعنية بحقوق المرأة والطفل، وفيما خبراء القانون الفلسطينيون يصيغون التشريعات الأحدث المنسجمة مع المواثيق الدولية، لكننا نبدو كمن يخشى الاقتراب من نيران الموروث والعرف الباطل شرعا وقانونا، وهو يعلم ان النار واصلة اليه حتما، لكنه كغيره ينتظر مفاجآت القدر، أو التغييرات القسرية.

 يحدث هذا في بلادنا رغم توجيهات الرئيس محمود عباس ابو مازن في كل مناسبة بضرورة مراجعة قوانين الاحوال الشخصية، وتلك المتعلقة بالزواج، والعمل على تهيئة قوانين فلسطين لتنسجم مع قوانين ومبادئ حقوق الانسان المقررة في المؤسسات الأممية وشرعة حقوق الانسان  ومواثيقها.

يلجأ الراغبون بتعدد الزوجات، وارتكاب خطيئة الزواج من قاصر الى مظلة مجتمعنا حيث القوانين الرخوة، التي تمكنهم من ارضاء نفوسهم ومتطلبات غرائزهم، ذلك ان القانون الاسرائيلي يمنع التعدد، وانشاء عقود زواج لمن لم يبلغ السن القانونية 18 عاما، فيما محاكمنا الشرعية ما زالت تتعامل بمعيار العام الهجري، وتعتبر السن المحدد للزواج على اساس قوانينها 15 عاما هجرية اي ما يعادل 14 عاما ميلاديا وستة شهور تقريبا وزد عليهما 21 يوما، وهذا مخالف صراحة لقانون الأحوال الشخصية الذي حدد سن الرشد  والاهلية القانونية أمام القضاء بـ 18 عاما، وكذلك لقانون العقوبات الساري، حيث يعاقب كل من ساهم أو شارك بإجراء العقد بالسجن والغرامة دون استثناء الأب والشهود.

نحتاج الى تفعيل القدرات والطاقات البشرية الكامنة لدى القوى الحية، سياسية كانت او اجتماعية او ثقافية، أو حقوقية وتسخيرها في مهمة متابعة وتقصي الوقائع، والاستعلام عن قضايا تعيش الضحية فيها في زنزانة الخوف من البوح بما يعتريها من آلام وعذاب نفسي وجسدي، وتمتين الصلة والتواصل مع المؤسسات القانونية، لوضع اليد على ملفاتها، بالتوازي مع توفير الحماية اللازمة للضحايا مهما كلف الأمر، وفي تقديرنا أن ذلك خير تعبير عن قيمنا التحررية  ومبادئنا التي نكاد نجعلها كتسونامي من كثرة فيض الحديث عنها وفيها!... فلا تسامحينا يا فاطمة حتى نحررك ونحرر قوانين محاكمنا، ونمنعها من أن تكون متكأ للظالمين.