نبيل عمرو - النجاح الإخباري - تابعت غزة الحدث الأهم بخروج كثيف الى الشوارع ومتابعة شاملة على الشاشات،

كان المشهد عاطفيا بامتياز، ذلك ان الذين خرجوا الى الشوارع وتسمروا أمام الشاشات، كانوا يلبون نداء رهاناتهم ويسعون وراء احتمال تحقق ما لم يتحقق من قبل وهو الحصول على ابسط مقومات الحياة من ماء نظيف او يخلو من الملح والرمل، ومأوىً بسيط يقي حر الصيف وبرد الشتاء، وكهرباء تمتد زياراتها للبيوت عدة ساعات وعلاج يتوفر لمستحقيه، وسفر الى ما وراء الحاجزين.

من اجل هذا نزل الغزيون الى الشوارع وليس من اجل سبب آخر.

السياسيون بالغوا في اظهار يقينهم بأن مأساة الانقسام قد انتهت، وان معاناة الغزيين قد تلاشت، وان القضية الفلسطينية قد استعادت زخمها، وكأن الانقسام الذي دام عشر سنوات إستبدل بوحدة وطنية راسخة ودائمة.

في المشهد العاطفي تبدو الامنيات قريبة المنال، الا إن الأمر يبدو مختلفا حين ندقق في الرهانات والاجندات، ولنتحدث في هذا الامر ببعض التحديد:

أولا: الرهان المصري، منذ بداية الانقسام ومصر تتعامل معه كما لو انه جرح غائر في جسدها، كان رهانها وما يزال، ان تكون غزة ظهيراً وعمقاً آمنا ترتاح اليه ولا تخشى على امنها القومي منه.. عوامل عديدة لم تمكن الإدارة المصرية من النجاح، الا انها أخيراً وبقراءة دقيقة للتطورات، وجدت مداخل كافية لفرصة أوفر لنجاح ممكن، وها هي تبدأ العمل بيدها وعلى ارض الازمة، وفي رصيدها كدولة إقليمية عظمى وجار وحيد لغزة، ما يكفي للنجاح بل وإبعاد عوامل الفشل او تحييدها.

ثانيا: الرئيس محمود عباس، وقد أفصح عن رهانه في ذات اللحظة التي توجهت فيها مواكب وزراءه الى غزة، سلطة حقيقية بذات القدر في غزة كما الضفة.. سلاح واحد قانون واحد إدارة واحدة، ومن اجل مزيد من التوضيح، فلا مجال لحالة حزب الله في لبنان ان تستنسخ بأي شكل في فلسطين.

ثالثا: السنوار، وهذا الرجل يتلقى فيضا من الاعجاب بواقعيته وقدراته القيادية وجرأته في جعل ما كان محرما ممكنا وضروريا. هذا الرجل ومن معه يسعى للتحلل من أثقال لا قبل لجهاز حماس ونظامها في غزة على تحملها، فلتأخذ شرعية الضفة نصيبها من الحمولة ولتتفرغ حماس لذاتها وشعاراتها وبرامجها.

رابعا.. أمريكا.. وليسامحني أصدقائي الذي عرضوا وتبنوا فكرة رفع الفيتو الأمريكي وحتى الإسرائيلي عن المصالحة، حين أقول انها أكثر فكرة ساذجة قيلت في هذا الموسم السياسي، فأمريكا وإسرائيل وحتى الرباعية التي تدور في فلكها، ليس لديها فيتو على المصالحة ولكن لها شروط على حماس، فإن لبت حماس هذه الشروط فمرحبا بها في رحلة آمنة من معبر ايريز حتى البيت الأبيض، ولكي لا يذهب الشطط بعيداً فقد اعلن جرينبلات الذي يصدق عليه وصف وزير خارجية ترامب للشرق الأوسط، عن موقف الإدارة مما يجري فهم يدعمون الجهد المصري وسيتعاملون مع نتائجه وفق تلبية حماس للشروط وهي ثلاثة على الأقل أكثرها وضوحا وفداحة بالنسبة لحماس هو الاعتراف بإسرائيل ونبذ العنف والتوجه الى المفاوضات.

خامسا: إسرائيل، ولها فوق الشروط الامريكية شروط إضافية، لم تفصح عنها تفصيلا في الأيام الأولى لاحتفالات المصالحة، الا ان صمتها لا يعني تغيير المواقف والتراجع عن الشروط وملخصها ان ترى غزة مثل رام الله في كل شيء.

سادسا: اما العالم الصديق او الموضوعي فيريد حقا رؤية ما يعلنه الرئيس محمود عباس ويسعى اليه .. سلطة واحدة من كل النواحي ودون استثناءات.

هذه باختصار شديد رهانات اللاعبين على ساحة غزة واجنداتهم، وحين تُقرأ جيدا من قبل الفلسطينيين أولا، فلن يكون مستحيلا عليهم صياغة اجندة مشتركة لهم مستفيدين من مصر وما لديها من إمكانيات ذاتية وتحالفية، تدخل الفلسطينيين الموحدين حقا الى المعادلات القادمة التي هي بالفعل قيد الاعداد والانضاج.

ان الحالة الفلسطينية دخلت ممرا ضيقاً ولكنه الزامي، ومن اجل عبوره باقل قدر من الخسائر فلا بد من ان تتفوق الحسابات على الشعارات، ولا بد وان يدرك المتخاصمون الذين يتصالحون الان من ان المتغيرات المتسارعة من حولهم تحتم عليهم ان يتغيروا، او ان يغيروا رهاناتهم خصوصا تلك التي لم تنفع على مدى السنوات العشر التي اضرت بالقضية المركزية واهلكت الزرع والضرع في غزة، والتردد في هذا الامر سيضيف سنوات عجاف جديدة لا لزوم لها.

لقد وضعت حماس رجلها على اول طريق الواقعية حين أعلنت وثيقتها الجديدة وكان ذلك تطورا إيجابيا تأخرت حماس كثيرا في الاقدام عليه، وربما تكون ترددت في تسويقه او قصّرت، وها هي فرصة جديدة تتاح لتدارك ما لم يفعل من قبل.

المكان المناسب لممارسة سياسة كهذه هو منظمة التحرير، والجهة القادرة على ترشيدها وتسويقها دون الاخلال بأهدافها هي مصر، والاثنان متاحان وفي متناول اليد، فما تم حتى الان هو مجرد مصافحة وما ينبغي ان يتم قد يأخذنا الى مصالحة.