حسن سليم - النجاح الإخباري - تعتبر حرية الرأي والتعبير، والحقوق والحريات العامة ومدى توفرها ومدى احترامها، مقياساً لديمقراطية وتقدم وتطور الدول، بل إن المساس بها، وعدم صيانتها يشكل إنذاراً مرعبا لمستقبل النظام السياسي، الأمر الذي جعل الأنظمة السياسية كافة تحرص على النص صراحة عليها في دساتيرها.

المشرع الفلسطيني وفي القانون الأساسي (الدستور المؤقت)، جاء واحداً من الأنظمة الحريصة على النص صراحة على كفالة الحقوق والحريات العامة في الباب الثاني، بأن "حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ملزمة وواجبة الاحترام، وان الحرية الشخصية حق طبيعي وهي مكفولة لا تمس"، غير أن الواقع العملي يشير الى أن حالها لم يكن كما أوجب نص القانون، بل محل اعتداء ومساس بها.

ولأن الحقوق والحريات العامة جاءت مكفولة بنص الدستور، فإن المتوقع في حال المساس بها أن تنهض المؤسسات ذات العلاقة بالدفاع عنها، سواء كانت سلطات الدولة القضائية وهي صاحبة الاختصاص بالفصل عند اللجوء اليها من المتضرر بالمساس بحقوقه وحريته، أو التشريعية والتي كان لغياب دورها الرقابي على الحقوق والحريات في ظل حالة الانقسام السياسي، أو مؤسسات المجتمع المدني والأجسام الشعبية والناشطين في مجال حقوق الإنسان، لتقوم بواجبها بالدفاع عنها، دون الالتفات للون أو لطبيعة الجهة الماسة بها.

لكن ما هو مفاجئ حقاً، استمرار اعتماد ازدواجية التعامل مع قضايا المساس بالحريات العامة، من قبل بعض المؤسسات الحقوقية، ومنظمات المجتمع المدني، ومؤسسات إعلامية، وحتى أحزاب سياسية، واعتمادها سياسة الكيل بمكيالين، كما حدث مع قضية الزميل فؤاد جرادة الذي قضى اكثر من شهرين في زنازين حماس، بتهمة التخابر(...!!) مع رام الله، لم نسمع من قبل تلك المؤسسات سوى صوت خجول وخافت للمطالبة بالإفراج عنه "رفع عتب"، وبين صراخ وصل حد التهديد باستدعاء المنظمات الدولية، والتلويح بمطالبتها بقطع المساعدات للسلطة الوطنية، رداً على اعتقال صحفيين اتهمتهم النيابة العامة بمخالفة قانون الجرائم الالكترونية.

نعم، على مؤسسات الدولة أن تلتزم القانون الضامن للحقوق والحريات، وعلى المؤسسات ذات الاختصاص ألا تنام سهراً لحماية تلك الحقوق دون مواربة أو نفاق أو توجس، على أن يكون الموقف شمولياً وليس انتقائياً، وبالمقابل فإن التزام الدولة بالحقوق والحريات العامة لا يعفي أبداً صاحبها من المسؤولية، وليس أخذ الأمر بأنه حق على إطلاقه دون ضوابط؟

وحتى لا يبقى اللغط بشأن الحريات العامة وتأطيرها قانونياً، يقوم السؤال إن كنا نحتاج لنقاش واسع يتجاوز حالة المناكفة، سعيا للاتفاق ولو بالحد الأدنى على مفهوم حرية الرأي والتعبير وفلسفته وأدواته، لعل ذلك يخرجنا من حالة الجدل بأن القانون الناظم للحريات يهدف الى تقييد الحريات، أم الى تنظيم ممارستها في إطار القانون، أم أن الأطر القانونية الموجودة كافية لحماية الحريات وتنظيمها، ويكفي الاعتماد على التقدير الذاتي سواء كانوا أفرادا أو صحفيين.

[email protected]