هيفاء صفوق - النجاح الإخباري - مرض الانفصام من الأمراض الدائمة التي تعانق المصابين بها طوال العمر، كما تتفاوت «حدّيته» بين الانخفاض والارتفاع متى ما توافرت العوامل المسببة لذلك. مريض الانفصام خطر على نفسه وعلى من حوله، لذا يحتاج إلى الرعاية والاهتمام الدائم وعدم إهماله أو تركه، مرضى الانفصام يعانون الاضطرابات النفسية والسلوكيات المنفصلة عن الواقع، كما يعانون اضطرابات فكرية مشوشة تجعلهم كالغرباء لأنفسهم وأيضاً غرباء للآخرين، مما يشكل لديهم الرغبة في العزلة الاجتماعية والنفسية عن الآخرين، ويعانون أيضاً من الهلاوس السمعية والبصرية، فيتوهمون حدوث الأشياء والتهديدات ضدهم، مما يجعلهم في رد فعل انفعالي خارج عن السيطرة، وهنا تكمن الخطورة لا قدر الله في حدوث مشكلة أكبر.

ولا يخفي على أحد أن من يعاني بصمت مع مرضى الانفصام هم الأهل الذين يلازمون المصاب أغلب الوقت، وأحياناً لا يستطيعون السيطرة عليه، خصوصاً في تناول الأدوية أو في محاولة إقناعه في زيارة الطبيب بصورة دائمة، إذ إن بعض الأمهات هن المسؤولات عن أبنائهم، لكنهن لا يستطعن السيطرة على ابن أضخم منهن، فلا تستطيع الأم أن تجعل ابنها أحياناً أن ينتظم بأخذ أدويته. البعض يتأزم الوضع عليهم، خصوصاً إذا كان مريض الانفصام في حال هيجانه وانفعاله فاقد السيطرة، كما أن بعض المرضى يهدد بالقتل واستخدام أحد الوسائل لذلك مثل السكين أو مادة حادة، وهنا تتوقف وتتعطل كل السبل في التبليغ عن حالته للجهة المسؤولة التي أحياناً تأتي مسرعة لإنقاذ الأمر، وأحياناً يتم تجاهل التبليغ، وللأسف ننتظر إلى أن تحصل جريمة يذهب ضحيتها أحد أفراد الأسرة.

مريض الانفصام وقت انفعاله لا يدرك الواقع، فقط يدرك ما يسمعه من أفكار أو هلاوس تأمره وتجبره أن يفعل شيئاً ما، فهو مسلوب الإرادة مع عدم قدرته على التفكير بالمنطق منفصل عن حقائق الواقع، من هنا تتشكل الخطورة التي تحتاج إلى مختصين وجهات مسؤولة تتابع الوضع عن قرب، خصوصاً للحالات الشديدة التي تهدد حياة الآخرين.

وكتبت في مقالة سابقة ضرورة عمل زيارات منزلية دورية منظمة ومنتظمة للأسر التي يعاني أحد أفرادها الانفصام، لاسيما عندما تكون حالة شديدة فاقدة للسيطرة وترفض الذهاب إلى المستشفى، لا بد أن تكون هناك جهة طبية رقابية مسؤولة بين المستشفى والأهل، جهة رقابية لملفات وحالات المرضى الانفصامين الخطرين، تتحمل هذه الجهة المسؤولية في زيارة منزلية شهرية ومتابعة المرضى، وما مدى استمرارهم بأخذ الأدوية التي تعتبر جداً مهمة في صنع التوازن النفسي وعدم تأزمه أو إفلات الأمر منه، وهنا نشير إلى ضرورة أخذ الأدوية بصورة دائمة مع مراعاة الانخفاض والارتفاع، وما مدى حالة المريض إذا استدعى الأمر التنويم في المستشفى في حال التهيج وعدم قدرة الأهل على السيطرة.

الزيارات المنزلية مهمة جداً في معاينة المريض بين فترة وأخرى، وعمل الجلسات العلاجية والتحدث مع المريض لمتابعته نفسياً وجسدياً لا تتعدى الساعة مثلاً، لكن هنا استطعنا إنقاذ عائلة كاملة ومساندتها، فهؤلاء يعانون الأمرين، أولاً وجود مريض بينهم واستنزاف لطاقتهم النفسية والمعنوية، وثانياً قلة الحيلة وعدم إمكان القدرة على السيطرة.

عندما نتحدث مع الأسر التي يعيش معها مريض الانفصام تندهش لحالهم والضغط الذي يشعرون به والمسؤولية التي على أكتافهم، لذا ضرورة إيجاد جهة رقابية طبية نفسية لهؤلاء تقوم بالزيارات والمتابعة لوضع المريض وسط أسرته، خصوصاً لمن يرفض الذهاب إلى المستشفى، لأننا هنا نتعامل مع مريض لا يمتلك إدارة ذاته ومنفصل عن الواقع، كما أن بعض الأسر لا تستطيع إجبار ابنها المريض بالذهاب إلى المستشفى، خصوصاً بعض الأمهات كبيرات في السن وليس لها عائل أو مساند يساعدها، أو لا تمتلك حتى المواصلات لتذهب به، هذا من واجبنا كمسؤولية اجتماعية وأمانة إنسانية ألا نترك هؤلاء للضعف والألم والضغوط التي تكون أكبر منهم أحياناً.

سمعت عن حالة لأم لديها ابنين مصابَين بالانفصام، الأول أدخل المستشفى لمرضه وأيضاً لزيادة الوزن المفرطة، والآن تعاني من الابن الثاني الذي بدأت حاله تسوء لدرجة أنه أصبح يهدد بالقتل، وحاولت مرات عدة التحدث مع المستشفى لأنها لا تستطيع إقناعه بالذهاب، لذا من الضرورة إيجاد جهة مسؤولة تقوم في ذلك، وكم من الحالات يعانون الموقف نفسه والظروف نفسها ولا تستطيعون أن يفعلوا شيئاً.

وهنا لا نقصد حالة واحدة، بل لفت النظر إلى ضرورة تطبيق الزيارات المنزلية لمرضى الانفصام وتفعيل دورها أينما كانوا، وليست حالة واحدة مستثناة.