صالح القلاب - النجاح الإخباري - ليس ضروريا، لا بل هو خطأ فادح، أن يكون هناك تدخلٌّ عربي رسمي في الأوضاع الداخلية الفلسطينية ولعل ما يكفي الرئيس محمود عباس (أبو مازن) ويزيد أنه يكابد مشقة مواجهة ما يفعله الإسرائيليون وبخاصة في عهد هذه الحكومة التي على رأسها بنيامين نتنياهو التي غدت تسعى سعياًّ حثيثاً، في ظل كل هذه المستجدات العربية التي لا أسوأ منها على مدى هذا التاريخ المعاصر كله إلى شطب الرقم الفلسطيني من المعادلة الشرق أوسطية.

من المفترض أن يزداد التمسك بمنظمة التحرير التي اعترف بها العرب قبل ثلاثة وأربعين عاماً بأنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني فهذا "التبعثر" الذي يثير ألف سؤال وسؤال، حيث لا شك في أن الذين يدعمونه ويتبنون رموزه يخدمون إسرائيل وتوجهاتها وخططها وما تفعله هذه الحكومة الإسرائيلية وسواء يعرفون هذا أولا يعرفونه فـ"شطب" الممثل الشرعي والوحيد وفي اللحظة التاريخية الحرجة يعني تقديم دعم للإسرائيليين الذين يدعون بأنهم لا يجدون الطرف الفلسطيني الذي بإمكانهم مفاوضاته.

كان كل هذا الذي يواجهه (أبو مازن) الآن من إسْنادٍ لهذا التشرذم في الحالة الفلسطينية قد واجهه الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، رحمه الله، وكانت البدايات مع الضابط الفلسطيني في الجيش السوري (جيش التحرير الفلسطيني) يوسف عرابي الذي وُضع في وجه «فتح» والثورة الفلسطينية المنطلقة توا ثم بعد ذلك بقيت المحاولات الانشقاقية تظهر عند كل منعطف من منعطفات الوضع الفلسطيني ففي العراق ظاهرة (أبو نضال) وفي سورية ظاهرة (أحمد جبريل) وغيره حدث ولا حرج وظاهرة (أبو خالد العملة وأبو موسى)، أي «فتح» الانتفاضة، وهكذا إلى أن استفاق الإخوان المسلمون بعد غيبوبة طويلة وأطلقوا حركة «حماس» في عام 1987 وفي لحظة كانت تتطلب المزيد من التمسك بوحدانية منظمة التحرير.

ما الذي من الممكن أن يفعله (أبو مازن) يا ترى في ظل كل هذه الظروف والأوضاع العربية والدولية المأساوية عندما يطلب منه وبنوايا طيبة إنهاء "الانقسام الفلسطيني"؟ وعندما يطلب منه وبنوايا طيبة أيضاً الاتفاق على رؤية موحدة لاستئناف مسار عملية السلام؟؟ كل هذا وبينما المعروف أن هناك مبادرة السلام العربية التي أقُرت في قمة بيروت وأن هناك مقررات قمة "فاس" الثانية في عام 1982.. وأن هناك اتفاقيات أوسلو التي أنجبت «السلطة الوطنية» وأصبحت بعد ذلك «عاقراً».. ما الذي من الممكن أن يفعله محمود عباس أكثر من هذا الذي يفعله الآن عندما يصبح أفق عملية السلام في الشرق الأوسط مغلقاً وعلى هذا النحو؟؟ وعندما يصبح العالم منشغلاً بالإرهاب ويصبح العرب يكابدون كل هذا الذي يكابدونه.. في سورية والعراق وليبيا واليمن ولبنان وفي كل مكان ويصبح بنيامين نتنياهو وكأنه يلعب في الميدان الشرق أوسطي وحده؟!

إن هذا الانقسام في الساحة الفلسطينية غير مسؤول عنه (أبو مازن) لا من قريب ولا من بعيد فـ"الأجندة" التي أظهرت "حماس" معروفة و"الأجندات" التي تقف وراء هذه "الانفلاتات" الفردية معروفة.. وكل هذا والإنصاف ولو في حدوده الدنيا يفرض ضرورة الاعتراف بأن الأداء الرسمي الفلسطيني في الساحة الدولية قد حقق إنجازات لا يمكن إنكارها.. وأن المزيد من هذه الإنجازات يقتضي ضغطاً جدياًّ لإلغاء دولة غزة ويقتضي إيقاف كل هذا الإسناد لهذا "الطفح الجلدي" في الساحة الفلسطينية.. ويقتضي أيضاً المزيد من التمسك بمنظمة التحرير ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني.