عبد المجيد سويلم - النجاح الإخباري - الجواب: على هذا السؤال هو: نعم.
بل يمكن القول بأن تفادي هذه الحروب والانفجارات ـ إن تمّ فعلاً ـ سيكون أقرب إلى الصدفة منه إلى مقتضيات الواقع.
أقصد أن عناصر وعوامل ومصادفات يجب أن تلتقي جميعها في معادلة مواتية لتفادي انزلاق كامل منطقة الإقليم الشرق أوسطي إلى تلك الحروب.
لنبدأ من المسألة الكردية.
إذا تمّ الاستفتاء ـ وأغلب الظن أنه سيتم ـ فإن نتيجته معروفة سلفاً. وحتى لو تم تأجيل مفعول هذا الاستفتاء لمرحلة قادمة ـ فأغلب الظن أنها ستكون قريبة ـ فإن قيام كيان كردي منفصل في شمال العراق سيتحول من دائرة الحق المبدئي ليدخل في دائرة توقيت التحقق على الأرض.
كل الدلائل والمؤشرات تقول إن الولايات المتحدة ستدعم قيام هذا الكيان شريطة تنسيق موعد قيامه معها وبما لا يؤثر على قدرتها على الإمساك بالأوراق والخيوط الخاصة بمعركة الإرهاب ومجابهة المدّ الإيراني كما تسميه.
فإذا كان الأمر كذلك فإن بلداً كتركيا ستعتبر هذا الأمر بمثابة تهديد قومي مباشر لها، وكذلك الأمر سيكون عليه الموقف العراقي والإيراني.
كما سيفتح مثل هذا الأمر (إقرار قيام كيان كردي مستقل في شمال العراق) الأبواب واسعة أمام طروحات كردية في سورية، وربما سيشعل فتيل انتفاضات شعبية في تركيا وفي إيران للمطالبة بإعادة النظر بواقع كل المسألة الكردية في عموم الإقليم.
لا أحد في هذا العالم يمكنه أن يخبرنا الكيفية التي ستدير بها الولايات المتحدة هذا الكم وهذا الكيف من التناقضات؟
ولا أحد لديه خطة حقيقية لمنعه، إلاّ إذا دخلت تركيا على الخط عسكرياً مدعومة من إيران ومن العراق وهو الأمر الذي يؤشر بوضوح إلى أن منطقة الإقليم الشرق أوسطي على حافة انفجار كبير من هذه الزاوية الكردية تحديداً.
الإمكانية الوحيدة لتفادي هذا الانفجار الكبير هي منع الاستفتاء أو تأجيله، وهي مسألة مشكوك في قدرة الولايات المتحدة عليها لفترة طويلة، ونحن هنا نتحدث عن عدة شهور ليس إلاّ، وليس عن سنوات، وعوامل الانفجار تظل موجودة حتى لو تم التأجيل.
إسرائيل صاحبة مصلحة كبيرة في قيام هذا الكيان لأسبابها الخاصة، وهي ستعمل على تأجيج هذا الصراع، وهذه مسألة لا يمكن التقليل من شأنها في قراءة المعادلة الخاصة بالمسألة الكردية.
أما إذا حاولنا استقراء مشهد الإقليم ـ بعد معارك الرقة والموصل ـ فإن كل الدلائل تشير إلى قيام خط برّي «آمن» بين طهران فالعراق مروراً بدمشق وحتى جنوب لبنان.
من زاوية معيّنة فإن قيام هذا الخط يعني نجاح إيران على هذا المستوى يُعتبر انتصاراً استراتيجياً، خصوصاً وأنه يتزامن ويترافق مع تقدم القوات السورية النظامية على جبهة الجنوب والبادية، إضافة إلى «تطهير» المحيط الدمشقي، وحصر قوات المعارضة (بما فيها النصرة) في جيب ادلب.
لم يعد أمام الولايات المتحدة والحالة هذه سوى الذهاب إلى نوع من التقسيم «المؤقت» في سورية وإلى تقسيم آخر في العراق ـ عبر كردستان العراق ـ أو إشعال حرب كبيرة قبل «استحكام» إيران في تأمين ذلك الخط.
وهنا، أيضاً، نحن أمام أُحجية لا يبدو أن لها حلاً ممكنا في الأفق المرئي...!!
إذن مرحلة ما بعد داعش (جغرافياً) ليست مرحلة الاستقرار والأمن والبحث عن وحدة وسيادة الدولة السورية أو العراقية، بل هي ليست مرحلة استقرار الوضع التركي نفسه مما يعني أن الانفجار وارد وبصورة أشمل مما تبدو عليه الأمور من على سطح المشهد السياسي.
هل سترد كل من إيران وتركيا على الولايات المتحدة في جبهة الخليج؟ وكيف ستتصرف كل منهما حيال التلويح الضمني للتقسيم في كل من سورية والعراق؟
هنا يمكننا أن نستقرئ المشهد الإقليمي بصورة أعمق مما تبدو عليه الأحداث في الخليج.
ما زالت أزمة الخليج محصورة في الجوانب السياسية والاقتصادية، وهي لم تكن أصلاً ذات أبعاد عسكرية، وليس في نيّة العربية السعودية ومصر تحويلها إلى هذا الجانب ولا تحت أية ظروف مرئية حتى الآن.. ولكن إذا أصرت قطر على مواقفها، وانزلقت أكثر نحو إقامة «تحالف» إيراني تركي قطري، اعتقاداً منها أن هذا التحالف يمكن أن «يتصدى» للمحور السعودي المصري المدعوم من بلدان عربية وإسلامية كثيرة فإن الولايات المتحدة والغرب سيتخلون عن لهجتهم المزدوجة إزاء أزمة الخليج، وسينخرطون أكثر فأكثر في دعم المحور السعودي المصري، ما ينذر في أية لحظة بانفجارات كبيرة قد تكون أخطر بكثير مما تبدو عليه الأمور حالياً.
صحيح أن الذهاب إلى تلك المساحة والانفجار هنا مسألة أصعب بكثير من الانفجارات والحروب التي أشرنا إليها في سياق المسألة الكردية وفي سياق مرحلة ما بعد داعش الجغرافية... إلاّ أن هذه التناقضات (السريالية) من حيث طبيعة المكوّنات والتناقضات والتداخلات قد تجد لها طريقاً للحرب في عهد الرئيس ترامب بالذات، وذلك بالنظر والتدقيق في النهج الذي يمثله.
أما إسرائيل فإنها لن تتردد بالذهاب إلى حرب على قطاع غزة وإلى حرب في لبنان إذا استشعرت أن الأمور ستخرج عن دائرة السيطرة، وإذا ما اختلطت الأوراق أمامها إلى درجة المجهول السياسي.
وأهم أمر هنا فإنها (أي إسرائيل) لن تتردد في خوض هذه الحروب إذا شعرت أن «التسوية» القادمة ستعني تخليها عن احتلال الضفة والتحكم بالقطاع، وهي صاحبة مصلحة حقيقية في خلط الأوراق بنفسها قبل أن تخلط الأوراق دون المشاركة في خلطها.
لهذا كله فإن الإقليم هو اليوم أبعد من أيّ وقت مضى عن الاستقرار، وهو أقرب إلى الحروب والانفجارات أكثر من أي وقت مضى، وكان الله في عون الشعب الفلسطيني الذي يدفع دائماً فواتير الحروب في هذا الإقليم العجيب.
المرحلة القادمة مرحلة صعبة وقدرة الشعب الفلسطيني على الصمود فيها تتطلب قبل كل شيء وحدته وتماسك نظامه السياسي، وحنكة قيادته وتحملها لمسؤولية الوصول به إلى برّ الأمان بأقل الخسائر تمهيداً لرسوّ الإقليم على جغرافيته الجديدة وعلى مستقبله القادم الذي يبدو فيه الحاضر هو العاصفة التي تسبق الهدوء وليس الهدوء الذي يسبق العاصفة.
ولعلّ أهم ما في الأمر هنا هو أن نتمكن من منع بعضنا من النطنطة بين المحاور والتحالفات ذلك أن الموقف المتزن بات أحد أهم متطلبات الصمود والبقاء وعبور هذه العاصفة.