عمر حلمي الغول - النجاح الإخباري -  

منذ خطواته الأولى، خطى عام 2017 ثقيلا على النفس مع إشهاره سيف الموت اللعين مختطفا فرسانا من المناضلين والمبدعين، فلم يمض شهر إلا واختطف صديقا عزيزا، عشية رأس السنة وانبلاج فجر ايامه الأولى انقض على روح الصديق محمد غضية، ثم بعد شهر هاجم الصديق القائد جميل حسن شحادة، وبعده الصديق فتحي شاهين (سفيان)، وتلاه الشاعر الكبير الصديق احمد دحبور، وأمس الإثنين صباحا إختطف الصديق والأخ محمود ابو هنطش في الدنمارك حيث يقيم مع عائلته. كما اختطف أمس صباحا سفيرنا العزيز عزمي الدقة، الذي تشرفت بمعرفته لبعض الوقت. وغيرهم من الرجال، الذين ترجلوا رغما عنهم عن مشهد الحياة والعطاء.

ولصديقي محمود رفيق ابو هنطش، مكانة خاصة عندي، حيث ربطتنا صداقة عميقة منذ ان تعرفنا في ميادين النضال وداخل صفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في اوائل السبعينيات من القرن الماضي. وابو سامر الرجل الجميل والمعطاء والمحب لإصدقائه ولرفاقه حتى، وهو خارج صفوف "الشعبية"، صاحب باع طويل في النضال الوطني والقومي. فانتمى لحركة القوميين العرب وهو شاب يافع في مدرسة الحسين الثانوية في العاصمة الأردنية عمان، عام 1964، وتابع طريق الثورة منذ انطلاقة شرارتها الأولى في صفوف الجبهة الشعبية 1967 بالعمل مباشرة مع الرفيق جورج حبش، الأمين العام للجبهة، وكان مرافقا وسكرتيرا له حتى اواسط السبعينيات، ثم انتقل للعمل في الساحة اللبنانية، وتسلم مهمة مسؤولها العسكري، كما تسلم مهام قيادية مؤقتة في حزب العمل الإشتراكي العربي، وكان نائب رئيس الدائرة العسكرية حتى مغادرته صفوف الجبهة الشعبية في مطلع التسعينيات من القرن الماضي.

كان الصديق محمود مناضلا وفارسا من فرسان الجبهة والثورة. لم يتخلف يوما عن الميدان، واكب رحلة الثورة معركة معركة، ويوما تلو الآخر. كنت تجده في وسط المعارك في عمان والأحراش وفي سوريا ولبنان، الذي مشطه شبرا شبرا من أقصاه إلى أقصاه، من بيروت إلى البقاع والجبل والشمال والهرمل وعكار والجنوب بكل قطاعاته الغربي والأوسط والشرقي. ورغم كل العقبات والعراقيل، التي وضعت في طريقه، إلا انه كان يتغلب عليها بشجاعة وفتوة وإصرار.

صقل ابو سامر تجربته الثورية العسكرية والفكرية من خلال الحصول على العديد من الدورات والكورسات في الصين وموسكو وبلغاريا. واحتل موقعه في اللجنة المركزية العامة للجبهة بامتياز واقتدار ومنذ المؤتمر الثالث في عام 1972. وكان القائد محمود منحازا للتيار اليساري العقلاني، لم يهادن، ولم يسقط في تيار الصبيانية اليسارية. وكانت تربطه برفاقه وأصدقائه داخل الجبهة وفي فصائل العمل الوطني علاقات وطيدة، حيث تميز بالتواضع ومحبة الآخر، وكان وحدويا، وحريصا على وحدة القضية والشعب ومنظمة التحرير الفلسطينية حتى في لحظات الإفتراق والاختلاف مع القيادة الشرعية. وكان عضوا في المجلسين المركزي والوطني للمنظمة، وكان في القيادة العسكرية الموحدة لفصائل العمل الوطني، وفي القيادة العسكرية المشتركة للقوات الفلسطينية اللبنانية. ومع انه غادر صفوف الجبهة والثورة، إلا انه بقي مسكونا بفلسطين والدفاع عن السياسات الوطنية دون تردد، حتى آخر رمق من حياته، وهو يصارع المرض العضال اللعين، الذي استنزف قوته وارادته الصلبة.

ورغم إننا افترقنا جغرافيا بعد ان لجأ إلى الدنمارك لأسباب خاصة به، ونتيجة الصراعات الداخلية، غير ان ابو سامر بقي وفيا ومخلصا لصداقاته، لم يبخل يوما بمحبته وتواصله مع جميع أصدقائه وأنا منهم. وكان دائما يعيش الهم الفلسطيني حدثا تلو الآخر، يتابع أدق التفاصيل، ويسأل ويعاتب، وينتقد ويلعن ويرضى عندما يتفهم الموقف.

محمود كان أخا عزيزا لم تنجبه أمي. كان دافئا حنونا وكريم المعشر. وكان رب أسرة مميزا، ووفيا لإخوته ولوالدته، التي رحمها الله منذ زمن غير بعيد، التي ارتبط معها بعلاقة خاصة ميزته عن إخوته، لأنه كان جديرا بتلك الخاصية.

غادرنا ابن قرية قاقون من محافظة طولكرم جسدا، لكنه باق ما بقي في العمر من زمن، وباق بكفاحه ونضالاته وإسهاماته المختلفة في ميادين العمل داخل الجبهة وفي نطاق العمل الوطني العام. غادر محمود الحياة بعد رحلة قصيرة لم تتجاوز الثمانية وستين عاما. فكل العزاء لزوجته الأخت ام سامر ولأبنائه الأحبة سامر وخالد وباسل وناهي، ولإخوته وعائلته في عمان/ مخيم الوحدات والأشرافية وللأصدقاء جميعا، الذين احبوه وبقي جسر المودة يجمعهم وإياه.