عمر حلمي الغول - النجاح الإخباري - مازلنا في حضرة عيد العمال العالمي، الذي حل أمس، وتحتفل دول وشعوب من قارات العالم الخمس بهذا اليوم، تقديرا منها لدور العمال، وعرفانا لجهودهم العظيمة في عملية البناء والتنمية والتطور للمجتمعات البشرية عموما، والتجمعات، التي تعيش بين ظهرانيها.

ولا يمكن للبشرية ان تتنكر لدور العمال في النهضة، التي شهدتها البشرية خلال الحقب التاريخية السابقة. غير أني ومن موقعي الفكري والسياسي الوطني والقومي الديمقراطي الجديد، المتعافي من الجمود العقائدي للمدرسة الفكرية السابقة، دون ان اسقط للحظة الأهمية التاريخية للمنهجية الجدلية والتاريخية في قراءة صيرورة الأحداث والتطورات في العالم. لكني أعتقد جازما ومن خلال التجربة التاريخية، التي عايشتها، وعبر إعمال العقل في تجربة الحركة الشيوعية العالمية وقوى اليسار، إن المقولات الشيوعية عن الدور القيادي للطبقة العاملة للمجتمعات القومية والبشرية عبر مرحلة ديكتاتورية البروليتاريا، هي مقولات متصادمة مع الواقع. ولم يثبت التاريخ نجاعتها ومصداقيتها. والدليل الفشل الذريع لتجربة النظام الاشتراكي الدولاني عشية وفي اعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي نهاية الثمانينيات ومطلع تسعينيات القرن الماضي، وحتى التجارب الباقية في الصين وكوريا الشمالية وكوبا، لا تمنح المقولات الشيوعية المصداقية، والبرهان ماثل في التحولات الهائلة، التي شهدتها في منظومتها الاقتصادية.

الاستنتاج آنف الذكر، لا يسقط، ولا يلغي او يهمش دور الطبقة العاملة وعموم الفقراء والمسحوقين من ابناء المجتمع البشري هنا او هناك. لأن دورهم لا تؤكده او تنفيه مكانتهم في رأس السلطة السياسية، بل من خلال تعاظم دورهم المركزي في الإنتاج وإعادة الإنتاج للاقتصاد القومي والعالمي بمختلف قطاعاته الصناعية والزراعية والتكنولوجية.

وبالتالي يمكن تمثيل العمال في قيادة هذا المجتمع او ذاك من خلال وجود قوى سياسية تمثل مصالحهم بالتلازم مع مصالح طبقات وشرائح اجتماعية وطبقية أخرى، دون فرضية لينين، القائلة بضرورة العبور الإجباري للمجتمعات البشرية بمرحلة انتقالية، عنوانها "ديكتاتورية البروليتاريا. اضف إلى ان التجربة التاريخية، أكدت فشل المقولة اللينينية القائلة" أن الديمقراطية الاشتراكية أوسع وأعظم من الديمقراطية الرأسمالية". لأن التجربة أظهرت العكس تماما.

ما تقدم لايعني بحال من الأحوال القبول بمرتكزات النظام الرأسمالي، الذي لا يبحث إلا عن الربح الاحتكاري دون معايير وضوابط الديمقراطية، التي نادت وتنادي بها البرجوازية منذ عصر النهضة مع مطلع القرن السادس عشر حتى يوم الدنيا هذا.

والرفض للنظام الرأسمالي ليس امتدادا لمقولات الفكر الماركسي اللينيني، على اهمية ماطرحه على هذا الصعيد. إنما لأن وقائع التاريخ وتجارب النظام الرأسمالي، وغياب العدالة الاجتماعية، وتعاظم الحروب بهدف تقاسم النفوذ في اصقاع الأرض، وتوحش وسائله واساليبه في نهب ثروات وخيرات الشعوب الضعيفة، وتغول عولمته، التي فرضتها الولايات المتحدة في اعقاب انهيار المنظومة الاشتراكية، واستمرت حتى الربع الأخير من عام 2008، حيث يمكن الافتراض ان الأزمة الكارثية، التي حلت بأميركا آنذاك شكلت المحطة الفاصلة لسقوط العولمة، بالإضافة للعديد من العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، من ابرزها التناقض، الذي حملته هذه العولمة في ثناياها، فهي بقدر ما جعلت من العالم برمته قرية صغيرة، وقربت المسافات بين الشعوب والأمم، وفتحت ابواب التجارة والمال على مصاريعها، بقدر ما حطمت ركائز المجتمعات البشرية، وعملت على تفتيتها، ودفعت الشعوب للارتداد للخلف عميقا في التاريخ، عندما جعلتها تغوص في وحل الهويات القزمية الدينية والطائفية والمذهبية والإثنية. ومازالت تترك بصماتها على البشرية حتى الآن.

 مما تقدم، يمكن الجزم ان العالم بحاجة إلى منظومة سياسية جديدة، تقوم على بناء ركائز عولمة أكثر تسامحا وتعاونا وتكاملا بين بني الإنسان. عولمة تقوم على العدالة الاجتماعية والحرية والشراكة في الاستثمار الأمثل للثروات الطبيعية، وحماية البيئة من التلوث، وتفكيك الأسلحة النووية، وتصفية بؤر الاستعمار بكل مسمياتها وعناوينها وفي المقدمة منها: الاستعمار الإسرائيلي الأخطر والأخير في عالم الأمس واليوم، وبناء دولة المواطنة لكل مواطنيها. وهذه العولمة بالضرورة ستحمل وترفع مكانة العمال في المجتمعات البشرية، وستؤمن لهم العدالة في توزيع الثروات القومية والأممية بما يصون مصالحهم الطبقية والاجتماعية. وكل عام والطبقة العاملة بخير في بقاع الأرض وخاصة في فلسطين.