هاني حبيب - النجاح الإخباري - قد يكون من السهل قراءة سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب والداخلية خلال المائة يوم الأولى من بلوغه البيت الأبيض، باعتبار أن هذه السياسة قد تحققت بالفعل بالرغم مما أصابها من مراجعة مقارنة بشعاراته الانتخابية، غير أنه من العسير فعلاً قراءة اليوم التالي، وليس فقط المائة يوم الثانية من حكمه، بالنظر إلى تجربة المائة يوم الأولى التي سادها الكثير من المفاجآت والتحولات والاندفاعات والغموض، وأعتقد أن مراكز البحث العديدة لدى الدول الكبرى لا تزال عاجزة عن تصور تلك السياسات التي سينتهجها ترامب لدى تعاطي إدارته بالسياسة الخارجية لبلاده.


صحيفة "واشنطن بوست" اعتبرت أن المائة يوم الأولى لترامب كانت أقل مستوى من مثيلاتها لدى الرؤساء السابقين، ترامب نفسه يتناقض عندما رفض قياس سياسته بالأداء بالمائة يوم الأولى، ثم يقول إنها الأفضل في تاريخ أميركا، ترامب لا يريد المقارنة، مع أنه يقارن، وهذا دليل إضافي على مدى الإرباك الذي يحيط بطريقة تفكيره، في حين أن جوناثان التر الشهير برصد إنجازات رؤساء أميركا وإخفاقاتهم يقول: "إن ترامب لم يقترب ولو قليلاً من أي رئيس أميركي منذ روزفلت، مع ذلك فإن "لوس أنجلوس تايمز"، تعتبر أن المائة يوم من حكم ترامب كانت بالغة الأهمية، كونها أدت إلى جذب اهتمام العالم ومحاولة التوصل إلى طريقة لفهم سياسة الرئيس الأميركي في سنته الأولى على الأقل!


ويمكن الحديث مطوّلاً عن هذه الأيام في ولاية ترامب الأولى، فقد يقال إن الارتباك في سياسته الخارجية قد يؤدي إلى "إرباك" لدى الأطراف الأخرى في هذه السياسة غير المتوقعة، وهذا أمر جيد، غير أن لها نقيضها، إذ إن هذا الإرباك، من شأنه أن يشير الى أن طاقم الإدارة الأميركية، متناقض ومتعارض مع نفسه، ورأينا فعلاً تصريحات لا يمكن فهمها من قبل الرئيس ووزير خارجيته ووزير دفاعه حول العديد من أمور السياسة الخارجية، وعلى سبيل المثال لا الحصر، تقول سفيرة أميركا لدى المنظمة الدولية إنه لا يمكن تحقيق السلام في سورية في ظل بقاء الرئيس الأسد في سدة الحكم، وفي نفس اليوم، يقول وزير الخارجية ريك تيلرسون، إن مصير الأسد يقرره الشعب السوري!


الارتباك في السياسة الخارجية، لم يكن سياسة مقصودة لإرباك الأطراف الأخرى بقدر ما هي اختلال واضح لدى راسمي هذه السياسة، علماً أنه وحتى اليوم لم يتم ملء الشواغر الأولى والمهمة في وزارتي الدفاع والخارجية، ما يحول دون تقديم الاستشارات والخبرات لتوجيه السياسة الخارجية والدفاعية، وهذا التأخير بحدّ ذاته دليل آخر على الإرباك الداخلي لدى إدارة ترامب، الأمر الذي يؤدي إلى الارتجال عوضاً عن اتخاذ القرارات بعد دراسة وتدقيق ومسؤولية!


ومن الغريب والطريف معاً، أن نهاية اليوم المائة من حكم ترامب، يتزامن مع طلب ترامب ميزانية كافية لبناء الجدار مع المكسيك، حيث سيصوت الكونغرس ـ من المفترض، أمس السبت، وقبل نشر هذا المقال ـ ومن المفترض على نطاق واسع ألا تتم موافقة الكونغرس على الميزانية المتعلقة ببناء هذا الجدار.
ولعلّ من أهم إنجازات ترامب في أيامه الأولى المائة، اقتراب الصين من سياسته خاصة إزاء كوريا الشمالية، ونجاح ابتعاده عن تهمة التقارب مع روسيا، والأهم على الصعيد الداخلي توقف المظاهرات التي نادت برحيله، ثم إصداره 28 مرسوماً رئاسياً لإلغاء مراسيم إدارة أوباما السابقة!


ولم يكن من الغريب، أن الثابت الأساس، ودون أي إرباك، هو ما يتعلق بإسرائيل، مع شذرات من متغيرات لا تعني أي مراجعة حقيقية إزاء إسرائيل، ويبدو أن ترامب قد تبنّى الخطوط الرئيسية الواردة في تقرير "روس ـ ماكلوفسكي" المعنون: نحو صياغة جديدة لمعالجة الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي: استمرار البناء في المستوطنات والأحياء اليهودية في القدس الشرقية، ووقف بناء مستوطنات جديدة. وترحيل حل الدولتين إلى وقت لاحق والاستخدام الدائم لحق "الفيتو" لصالح إسرائيل ومقاومة كافة الضغوط على إسرائيل والضغط على السلطة الفلسطينية لوقف حملتها على التطبيع مع إسرائيل مع وقف مخصصات الأسرى وعائلات الشهداء، والدفع بدول عربية لبدء حوار علني "حول التحديات الأمنية في المنطقة" ولاحظنا في هذا السياق، تراجعاً عن إدراج نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، وكذلك الأمر إزاء مؤتمر إقليمي حول الصراع العربي ـ الإسرائيلي.. مع ذلك فإن ثبات الموقف الأميركي إزاء الدعم الكامل والشامل لإسرائيل يعتبر أهم "ثوابت" سياسة ترامب في هذا المجال والذي لم يخضع إلى أي إرباك أو غموض!