رجب أبو سرية - النجاح الإخباري - قبل عقود من الزمن، وفي ظل حالة الحرب التي كانت بين مصر وإسرائيل، حدثت مجازر وجرائم حرب، إن كان في مدرسة بحر البقر أو أدفو، أو خلال حرب الخامس من حزيران حيث امتلأت شبه جزيرة سيناء بجثث آلاف الجنود المصرين، وذلك وفق منطق الحروب التي تندلع عادة بين الدول المتحاربة، والتي لفظتها البشرية على أي حال، بعد الحرب العالمية الثانية التي شهدت سقوط عشرات ملايين الضحايا.

مع ذلك، فإن الحروب بين الدول عادة ما تحصد ضحاياها من بين عساكر الجيوش المتحاربة، وحتى أن لها أخلاقها التي تحرّم استهداف المدنيين، لذا فإن من يرتكب جرائم بحقهم إن كان خلال الحرب أو بعدها، يلاحق بتهم جرائم الحرب، والتي يعد من ضمنها قتل الأسرى من الجنود العسكريين أو المسلحين، حيث يعد قتل أي مدني أو حتى عسكري بعد تجريده من سلاحه أو نفاذ ذخيرته أو استسلامه برفع الراية البيضاء أو اليدين فوق الرأس، كل هذا يعد جرائم حرب، يحرمها القانون الدولي، ولا تقبل بها الأخلاق العامة، ولا بأي شكل ولا في أي ظرف من الظروف.

لكن في الوقت الذي بدأ فيه العالم، يتداخل ويعتبر الشكل العنيف من إدارة الصراعات السياسية مظهراً من الماضي، خاصة أن الحرب الباردة علّمت العالم أن يخوض صراعاته ويدير خلافاته التي لم تنته ولا يمكن أن تنتهي ولا في أي يوم من الأيام، باستخدام كل أشكال الصراع السياسي بأدواته السلمية، إن كان على الصعيد الاقتصادي أو السياسي، القانوني، الأخلاقي، وما إلى ذلك، في وقت ما بعد الحرب الباردة، وحيث كان لا بد من فتح مجتمعات منغلقة جداً على ذاتها، إلى درجة الانطواء، وبالتحديد مجتمعات الشرق الأوسط، وما إن بدء بفتح تلك المجتمعات حتى خرج منها كل ما هو قميء ومتوحش ومستهجن في القرن الحادي والعشرين.

لا بد من الاعتراف قبل كل شيء، بل ورغم كل شيء بأن المجتمعات العربية ما هي إلا مجتمعات متخلفة، منغلقة، وهي مجتمعات غير منتجة بالمطلق، استهلاكية لدرجة مقيتة، يستورد العرب كل شيء بما في ذلك الطعام، رغم أن الله قد منحهم ثروات طبيعية عديدة وكثيرة، إلا أنهم لم يستخدموا الثروة في التنمية أو التقدم الاقتصادي/ الاجتماعي، وظلت المجتمعات العربية  وحدها تقريباً بعد سقوط الأنظمة الشمولية التي كانت تحكم المعسكر الاشتراكي أو الشرقي، محكومة بأنظمة الاستبداد والدكتاتورية، ويكاد يكون المجتمع العربي وحده ينتج نظام الاستبداد من البيت والمدرسة إلى القصر الملكي أو الجمهوري.

وربما أن أسوأ مظاهر النظام المجتمعي العربي، هو علاقة الأكثرية مع الأقليات، العرقية، الدينية، الثقافية والسياسية، حيث تتجلى مظاهر القهر والاستبداد باعتبارها أخلاقاً عامة وباعتبارها ثقافة عامة، والمجتمعات العربية أكثر مجتمعات منغلقة على ذاتها على وجه الأرض حالياً فهي ما زالت تضع الحواجز والحدود وتتشدد في إجراءات التنقل والإقامة، حتى فيما بينها، فإضافة إلى عدم العمل بنظام "الشنغن العربي" كما هو الحال في أوروبا مثلاً، فإن الدول العربية تفرض على كل مواطن عربي يريد أن ينتقل من بلده إلى البلد الشقيق أن يحصل على تأشيرة مسبقة، والاستثناء يؤكد القاعدة، فبعض الدول تستثني مواطني دول الخليج لدوافع سياحية، من شرط الحصول على الفيزا المسبقة، والدول العربية والتي معظمها فقير وليس فيه ما يغري للإقامة والحصول على المواطنة فيه، لا يمنح الحقوق المدنية لمن يقيم فيه عشرات السنين، ولا حتى لأبناء ولا لزوج المرأة المواطنة، أي أن دساتير وقوانين الدول العربية، هي دساتير وقوانين جندرية تفرق في الحقوق بين الرجل والمرأة.

حَدِّث ولا حرج عما تواجهه الأقليات من تمييز وقهر واضطهاد، حيث لا حقوق مدنية أو ثقافية للأقليات، لذا فما إن تم فتح بعض المجتمعات العربية حتى ظهرت جلية "كل أو جل أو معظم تلك الأوساخ الداخلية" التي كانت مخفية أو مختبئة بحكم إغلاق تلك المجتمعات، والعرب الذين يتجولون سياحاً في كل دول العالم، تراهم في الخارج يخلعون جلودهم حين يسافرون إلى خارج أوطانهم، لكن حين يعودون لها فإنهم يعودون لممارسة كل ذكورتهم وفحولتهم الشرقية بحق زوجاتهم وبناتهم، بل هم لا يقابلون من يزور بلادهم كسياح من الخارج، المعاملة بالمثل أو كما يعاملهم به أولئك في بلادهم.

يفرح ويبتهج الجمهور العربي / المسلم حين يسمع أن مواطناً غربياً قام بتغيير دينه، ويعامل الغرب على أنه ديمقراطي يستغرب منه أي سلوك فيه تمييز من نمط تحريم لبس الحجاب أو النقاب، لكنه ونقصد هنا المجتمع وليس الدولة يمكنه أن يقتل وبشكل جماعي مواطناً لو أنه أعلن تغيير دينه أو أنه أعلن إلحاده، ولا نهاية للأمثلة والأدلة التي كلها أشكال ومظاهر تخلف وانغلاق المجتمع العربي / المسلم.

لا أحد يمكنه أن ينكر أن القاعدة بكل تفاصيلها، من ابن لادن إلى الزرقاوي، ثم "داعش"، فجر الإسلام، النصرة، وحتى الحشد الشعبي، كلها دوال على طبيعة الجمهور، وصولاً إلى الحكام أنفسهم، فكل حكامنا وكل أحزابنا وجماعاتنا، تشكل بمجموعها مجتمعاتنا، لذا فإن كل ما ينتج عن كل هؤلاء يعبر عنا بالجملة، أما بالمفرق فهناك فروق بالطبع، نحن الذين علينا أن نظهر تلك الفروق، فإن كنا نريد أن ننزع عنا تهمة الإرهاب والتوحش والاستبداد فبأيدينا لا بيد عمرو، وقد كشفت عمليات التفجير في كنيستي مار جرس بطنطا ومار مرقص بالإسكندرية أن بيننا أناسا منحطين جداً، أسوأ من الحيوانات المتوحشة التي لا تفترس إلا حينما تكون جائعة، فهؤلاء يستهدفون قتل المدنيين المسالمين وهم في حالة صلاة، بالطبع هناك أياد تريد إسقاط الضلع الثالث الذي بقي صامداً، من مثلث القوة العربية، بدس الإسفين الطائفي بين مسلم وقبطي بعد أن نجحت في دقه في العراق وسورية بين سني وشيعي، لكن يبقى على الشعوب العربية نفسها أن تدافع عن مستقبلها، بنزع أردية التخلف والانطواء، بالانفتاح على العصر والعالم، وبالأخص على المختلف.