هاني حبيب - النجاح الإخباري - تسلسل زمني يبدو أنه قد يكون مفيداً في تقييم التحول الأميركي إزاء الساحة السورية، الرئيس الأميركي يعلن قبل أيام، وكذلك كبار معاونيه، أن إدارته ستركز اهتمامها على الحرب على الإرهاب و»داعش» تحديداً، وأن إدارته غير معنية بإقصاء الأسد..، بعد يومين تقع جريمة ذهب ضحيتها عشرات الأطفال والنساء والشيوخ والرجال من المدنيين بعد انتشار قذائف كيماوية على ريف ادلب، وسائل الإعلام لم تدخر وقتاً أو جهداً لنشر هذه الفظائع على أوسع نطاق، يقال عبر أكثر من مصدر أميركي، استمعت إلى بعضهم خلال أحاديث في إذاعة «بي. بي. سي»، ان ترامب المولع بمشاهدة التلفزيون أكثر من قراءة الصحف، أبدى تعاطفاً هائلاً ورد فعل فوريا إزاء ما تضمنته المشاهد من بشاعة، خاصة فيما يتعلق بصور الأطفال، حينها اتخذ ترامب قراره برد فعل فوري، ودون العودة إلى الكونغرس، وهكذا تم توجيه 59 صاروخ توما هوك من إحدى قطع البحرية الأميركية شرق المتوسط إلى مطار الشعيرات، يقال إن هذا المطار كان ميداناً لعناوين الأخبار قبل أسابيع قليلة، عندما استخدمت سورية المضادات الصاروخية ضد طائرات إسرائيلية غازية، هذه المضادات انطلقت من مطار الشعيرات الذي عاد إلى عناوين الأخبار إثر الضربة التي تلقاها من قبل الصواريخ الأميركية، باعتبار أنه أيضاً، كان ميدان انطلاق الطائرات السورية التي قيل إنها أطلقت قذائفها الكيماوية على ريف ادلب، هذا يعني أن مخازن هذه القذائف الكيماوية موجودة في هذا المطار، حيث تم تزويد الطائرات السورية بها لضرب ريف ادلب! إلاّ أن الغريب أن 59 صاروخاً من نوع «توماهوك»، هائل التدمير، لم تؤد إلى تفجير مخازن القذائف الكيماوية، وإلاّ لانتشر تأثيرها على المنطقة، حيث يوجد عدد ليس بالقليل من الجنود الروس، حسب المصادر الأميركية وباختصار، ووفق هذا التسلسل، فإن الأمر يستدعي ملاحظتين: الأولى، تتعلق بوقوع المجزرة الكيماوية بعد موقف ترامب من الأسد، وهو موقف إيجابي عموماً، والثانية، تتعلق بعدم وجود مخزن للأسلحة الكيماوية في مطار الشعيرات حيث قيل إن الطائرات السورية تزودت بها لضرب ريف ادلب، بدليل عدم تفجيرها بعد أن تلقى المطار 59 قذيفة صاروخية !
وحيث لم تنجح صواريخ «توماهوك» في العثور على مخزن الأسلحة الكيماوية المزعوم فإنها نجحت تماماً في تفجير التحالفات المختلفة والمعقدة على الساحة السورية، ونجحت في تغيير المشهد من خلال رسائلها المتعددة إلى كافة الأطراف والجهات، وضربت في العمق كافة السيناريوهات والمؤثرات التي كانت سائدة قبل إطلاقها، كما تغيرت مواقع الأطراف على الجانبين العسكري والسياسي بشكل كامل تقريباً.
لم يعد هناك انفراد روسي مقرر على الساحة السورية، تعود أميركا لتلعب دوراً لا يقل تأثيراً مدعومة من التحالف الغربي، والتحالف العربي، مستندة إلى توافق أميركي داخلي يؤيد عودة أميركا للعب هذا الدور، هذا يعني احتمالات كبيرة بتلاشي التحالف الذي تقوده روسيا، خاصة بالنسبة لتركيا، أردوغان اصطدم مع إدارة أوباما السابقة، ورغم توتر الأجواء مع روسيا إلاّ أنه انضم إليها في تحالف لعب دوراً كبيراً في تأكيد الدورين الروسي والتركي، إلاّ أن أردوغان يجد الآن في ترامب القوة الصاعدة الأكثر تأثيراً وتجاوباً مع الاستهدافات التركية، خاصة فيما يتعلق بالمناطق العازلة على حدود سورية الشمالية، حيث يقال إن إدارة ترامب بدأت بدراسة إقامة مثل هذه المناطق في أكثر من موقع، والواقع أن الدور التركي لم يكن أبداً منسجماً مع أي تحالف، سوى مع الولايات المتحدة، الأمر يتعلق بالمبادئ والمصالح ذات الأبعاد الاستراتيجية، أما التحالف مع روسيا فكان تحالفاً تكتيكياً لفترة وأهداف محددة قصيرة الأمد، وهذا هو الأمر الطبيعي للدور التركي الذي يجد في الولايات المتحدة، حليفها الاستراتيجي.
ولا بد من ملاحظة هنا، أن تحالف تركيا مع روسيا، كان على حساب الدور الإيراني في هذا التحالف، لذلك من المنتظر أن تستعيد طهران دورها المركزي في التحالف الذي تقوده روسيا على الساحة السورية.
الحديث عن مناطق عازلة، يزداد شيئاً فشيئاً، الأردن يعلن عن نواياه في إقامة مناطق عازلة على حدوده، بهدف إقامة اللاجئين السوريين، كما يزعم، إسرائيل بدورها تعلن عن أنها ستقيم مناطق عازلة على حدودها مع سورية، ومع الأردن (!) الدولة العبرية ستناقش في اجتماع «الكابنيت» اليوم الأحد، إمكانية تدخلها السافر والمعلن في الساحة السورية، الحديث عن المحور السنّي الذي يشمل إسرائيل، أصبح يتخذ جدية أكثر من أي وقت مضى.