بشار دراغمة - النجاح الإخباري - الرئيس محمود عباس لم يقدم خطابا أمام قمة المؤتمر الإسلامي في تركيا، فلغة الخطابات عادة ما تكون ذات بعد عاطفي وتخلو من القرارات، وما قدمه الرئيس أبو مازن أكبر من مجرد خطاب ووصل الأمر إلى سلسلة إجراءات واضحة وخطة استراتيجية مستقبلية، وانتقل من مرحلة التشخصيص إلى خطوات سيتم تنفيذها على أرض الواقع.

أولى قرارات الرئيس كانت أن الولايات المتحدة لم تعد من الآن راعيا للعملية السلمية، ووصل الأمر إلى منع التواصل مع القنصل الأمريكي في القدس وأعلن الرئيس ذلك صراحة، وقرار آخر بالتوجه إلى مجلس الأمن لتجريم أمريكا على فعلتها بشأن القدس، بالإضافة للتلويح بعدم الالتزام بالاتفاقات التي رعتها الولايات المتحدة.

كان لغة الرفض عالية في خطاب الرئيس والأعلى نبرة التحدي للولايات المتحدة، والكل يدرك حجم واشنطن ودورها في المنطقة، والتاريخ العربي ليس حافلا بمواقف رافضة للسياسات الأمريكية بحكم القوة والأمر الواقع والعربي دوما "مغلوب" على أمره.

وخطاب الرئيس كشف عن التوجه الجديد للقيادة الفلسطينية وآلية العمل المستقبلية بشأن العملية السلمية، وبات مؤكدا أن الولايات المتحدة لن تكون طرفا في أي مفاوضات، وعلى ترامب أن يبحث عن مهمة أخرى لصهره كوشنر وكذلك جيسون غرينبلات المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي لعملية السلام، ومن الواضح أن التوجه الفلسطيني لن يكون اتجاه دولة بعينها لرعاية عملية السلام إنما نقل الملف بأكمله إلى الأمم المتحدة، وربما يحتم الوضع الدولي القائم التوجه إلى هذا الخيار، فالاتحاد الأوروبي لا يمكن أن يكون راعيا لعملية السلام لأنه لا يستطيع ان يقف في وجه الولايات المتحدة، ويفضل الاتحاد لعب دور ناعم واقتصار حضوره على موضوع المساعدات للفلسطينيين، كما أن دولا كبرى أخرى مثل الصين غير معنية بممارسة دور سياسي في المنطقة وكل اهتماماتها تنصب الآن على الاستثمارات الاقتصادية، والدولة ليست ذات خبرة في هذا المجال، أما روسيا فهي خيار مستبعد لأن الولايات المتحدة نفسها لن تقبل أن تمارس موسكو مثل هذا الدور وستضغط على إسرائيل لرفض وساطتها، وعليه الخيار الفلسطيني هو الأمم المتحدة، والانضمام للمزيد من المنظمات الدولية الأخرى واللجوء إلى البعد القانوني ومحاولة مقضاة إسرائيل وملاحقتها في الجنايات الدولية.

لم يكن الرئيس محمود عباس مرتجلا أو مترددا في خطابه، وكان واضحا في كل كلمة ومفسرا لبعض الجمل، وتجاوز مجرد انتقاد الولايات المتحدة إلى حد اتهامها بتغذية الصراع الديني والمشاركة في نشر الإرهاب في العالم وتغذية النظام العنصري "الابارتهاد" الذي تمارسه إسرائيل.
إذا خطاب الرئيس يمثل الاستراتيجية الوطنية الجديدة التي سيتم السير عليها من الآن فصاعدا على المستويات القانونية والدبلوماسية والسياسية، بالإضافة لكونه يطلق يد المقاومة الشعبية في كل انحاء فلسطين، وهو أيضا ما أيدته الحكومة في جلستها قبل يوم واحد من القمة الإسلامية، حيث حيّت الحكومة بشكل صريح كل من "هبوا دفاعاً عن عروبة القدس، ولبوا نداء المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، وصرخة الكرامة العربية" وهي إشادة مباشرة بالمقاومة الشعبية ودعوة صريحة لاستمرارها.

 وكان بيان الحكومة منسجما مع ما أعلنه الرئيس لاحقا بشان التوجه إلى الأمم المتحدة حيث دعم الحكومة أكبر هيئة دولية إلى تحمل مسؤولياتها التاريخية وتنفيذ قراراتها والتزاماتها القانونية والأخلاقية، وإجبار إسرائيل ومن يقف خلف إسرائيل على إنهاء الاحتلال والاستيطان، ووقف انتهاكات القوانين والاتفاقيات والمواثيق الدولية، وتأمين الحماية الدولية لشعبنا ومقدساتنا، والمساهمة في تحقيق السلام العادل على أساس قواعد الشرعية الدولية وحل الدولتين".

وهو ما يؤكد أن الخطاب كان مدروسا ومتفقا عليه من أركان القيادة "الرئاسة والحكومة" وبدا كل شيء منسجا وواضحا في التوجهات القادمة.

وكما أكد بيان الحكومة على قضية الوحدة الوطنية، تطرق أيضا خطاب الرئيس لذات النقطة وأكد مجلس الوزراء أن القيادة الفلسطينية مصممة على إنهاء الانقسام، وأشار إلى أن هذه الجهود تكتسب أهمية كبرى في ظل التحديات الجديدة والمتسارعة التي تعصف بقضيتنا.

وبدا الانسجام واضحا كذلك في خطاب الرئيس وبيان الحكومة بشأن تقدير خطورة المرحلة القادمة والمكان الذي تقف فيه القضية الفلسطينية. وأقرت الحكومة كما الرئيس أننا نقف اليوم جميعا على أعتاب منعطف تاريخي ومفصلي.

في هذا الوقت تحاول إسرائيل تغيير المسار ونسف الانسجام الفلسطيني من خلال حرف الأنظار عن قضية القدس ومحاولة الاستفراد في قطاع غزة ومحاولة التصعيد هناك واستدراج بعض الفصائل لموجة تصعيد لن تكون نهايتها بسيطة.