بشار دراغمة - النجاح الإخباري - سُئِلت رئيسة الوزراء الإسرائيلية السابقة جولدا مائير عن اسوأ يوم وأسعد يوم في حياتها فقالت: أسوأ يوم في حياتي يوم أن تم إحراق المسجد الأقصى، لأنني خشيت من ردة الفعل العربية والإسلامية، وأسعد يوم في حياتي هو اليوم التالي، لأنني رأيت العرب والمسلمين لم يحركوا ساكنا.

ومما يُنقل عن جولدا مائير قولها "عندما حُرق الأقصى لم أبت تلك الليلة، واعتقدت أن إسرائيل ستُسحق، لكن عندما حلَّ الصباح أدركت أن العرب في سبات عميق".

بعد إحراق المسجد الأقصى عام 1969 لجأ الاحتلال إلى إغلاقه، ولم يعد الكَرَة إلا يوم الجمعة الماضية، فقرر إغلاق الأقصى بعد عملية أدت لاستشهاد منفذيها الثلاثة ومقتل جنديين إسرائيليين.

قرار إغلاق الأقصى لا يمكن أن يُتخذ بسهولة من قبل الحكومة الإسرائيلية، فأركانها المجلس الوزراي المصغر "الكابينت"، يدركون حجم المغامرة التي يقدمون عليها، وفي التاريخ عبرة يا أولي الألباب، ومجرد اقتحام رئيس الوزراء الأسبق أرائيل شارون للأقصى اندلعت انتفاضة، وفي كتاب الراعي الذي يروى تفاصيل حياة شارون يتضح أن خطوة اقتحام الأقصى لم تكن عفوية وإنما ضمن خطة مدروسة هدف من خلالها شارون للوصول إلى كرسي رئاسة الحكومة حيث كان الأخير يستعد لخوض انتخابات صعبة ويريد حدثا أصعب لتحقيق مراده، فشارون أطلع حلقته القريبة عن نيته دخول باحات المسجد الأقصى وتحمس للخطوة نجله غلعاد، ومسؤول حملته الانتخابية آرثور فنكلشتاين الذي التقاه شارون في نيويورك قبل أيام من عملية الاقتحام والذي رأى أنه يجب وضع قضية القدس في صلب الحملة الانتخابية لشارون بينما  تحفظ إبنه عومري على الخطوة وحذر منها، ورأى أن والده يرتكب خطأً، بل غضب لأنه لم يسمع لنصيحته، واحتجاجاً لم يرافقه في عملية الاقتحام، وحدث أن اندلعت انتفاضة كاملة امتدت عقدا من الزمن ولم تغلق إسرائيل خلالها المسجد الأقصى.

يوم الجمعة كان قرار الإغلاق سريعا، لم يستغرق وقتا، ولم تمضِ إلا ساعات قليلة جدا حتى أعلن الاحتلال أن المسجد الأقصى مغلق في وجه المسلمين حتى يوم الأحد.

سهولة اتخاذ قرار الإغلاق يُبنى عليها الكثير من المخاطر القادمة بحق المسجد الأقصى، خاصة أن الاحتلال نال ما أراده من غياب ردات الفعل الحقيقية، فجماهيريا لم يتحرك الشارع الفلسطيني وكان غضبه على الإغلاق مقتصرا على صفحات الفيس بوك وكان الكل ينتقد الكل وبقيت ساحة الانتقاد في العالم الأزرق ولم تتجاوز حدوده إلا لوقفات محدودة في الميادين هناك وهناك.

أيضا ردات الفعل العربية الرسمية لم تكن بمستوى التوقعات، وإن حضرت فإنها تجسدت في بيانات "ركيكة" تطلب من الاحتلال إعادة فتح المسجد الأقصى، في الوقت الذي غابت فيها الجماهير العربية عن الحدث كليا.

فما الذي أوصلنا إلى هذه الحالة بعدما كان عدد الجماهير التي تخرج في مسيرات نصرة للأقصى في باكستان وحدها يتجاوز عدد سكان فلسطين، فحتى الدول الإسلامية غير العربية لم تعد على حالها من مسألة القدس واحتلالها وإغلاق مسجدها.

ما آلت إليه الحالة العربية اليوم والحروب الطاحنة التي يندلع لهيبها في عواصم العرب وما أفرزته ثورات "الخريف العربي" كلها عوامل أضعفت حضور قضية القدس في المشهدين العربي والإسلامي.

حالتنا الفلسطينية وتمزقنا وفرقتنا وانقسامنا، تشكل عاملا حاسما في تشجيع الاحتلال على اتخاذ قرار سريع وخطير بإغلاق المسجد الأقصى.

فما أكثر الأسباب التي تدفع الاحتلال اليوم للتصرف بكل هذه السهولة في مقدسات ظلت محاولة التفكير بالاقتراب منها بمثابة اقتراب من الجحيم.

من السهل على الاحتلال الآن أن يفعل ما يشاء في القدس بعدما أيقن أن ردات الفعل لن تتجاوز صفحات الفيس بوك، ولا غرابة إن صحونا ذات يوم على قدس بلا أقصى، ولا إسفلت نصلي عليه.