بشار دراغمة - النجاح الإخباري - في جامعة النجاح تتلون الذكريات، هي بداية الحكاية، وفي أروقتها تشكلت تفاصيل تحقيق الحلم، الأمور تمر سريعًا، وعقارب الساعة لا تكاد تفترق حتى تتعانق من جديد، وكأنَّها تشحن ذاتها بطاقة إضافية استعدادًا للقاء جديد يشبه إلى حد ما موعدًا غراميًّا ظن العاشقان أنَّه طال انتظاره رغم افتراقهما قبل لحظات، هكذا هي حكاية الارتباط بجامعة النجاح.

مع بدء توافد الطلبة للتسجيل في الجامعة الأحد الماضي، عادت الذكريات سريعًا (19) عامًا إلى الوراء، المشهد يحضر كاملًا، والأحداث تتكرر كشريط سينمائي تمَّ توثيقه بعدسة فائقة الجودة.

عقدان من الزمن ولا زلت أجهل سر الارتباط الوثيق بجامعة النجاح، لم يحدث أن ارتبطت بمكان مثلما هو الحال مع "النجاح"، لكن ما خلصت إليه أنَّ "توليفة سرية" تتشكل خلال تواجدك في هذا الصرح، تشكل لك معادلة كيميائية، وتنتج مركبًا تجعل تفكك عناصره أمرًا مستحيلًا.. لم التقِ شخصًا من ذات الجيل إلا وسارع إلى سرد الذكريات وكأنَّها أحداث الأمس.. فجأة التقيت بصديق دراسة، عبر عن اشتياقه للمكان بشكل لا تصفه الكلمات، تحدَّث عن الأشخاص متناسيًا عوامل الزمن التي أثَّرت في أشكالهم وربما طباعهم، لا زال مثلي تمامًا يستذكر كل شئ وكأنَّ ذات العدسة فائقة الجودة ترافقنا معًا.

زرت أماكنَ كثيرة، تجولت في جامعات عدَّة، كلها شعرت فيها بغربة وكأن المكان يرفضك، تمامًا عكس الجاذبية التي أجدها في جامعة النجاح والتي تجعلك لا تطيق في كثير من الأحيان أيام الإجازة الأسبوعية، تنتظر أن يمر يوما العطلة سريعًا لتعود إلى ذات المكان والأشخاص، تفرح عندما يخبرك محاضر بوجود تعويض في يوم عطلة، لا زلت أذكر عندما حدد لنا محاضر مساق اللغة الإنجليزية (100) موعد امتحان في يوم الجمعة، لا يصدقك أهلك أنَّ لديك امتحان في الجامعة في هذا اليوم، وأنت بدورك لا تعارض المدرس بتحديد هكذا موعد بل تفرح لأنَّك ستذهب إلى الجامعة يومًا إضافيًّا تدرك فيه أنَّ تأمين المواصلات لن يكون أمرًا سهلًا.

في تلك الأيام لم تكن الأمور سهلة، اشتعلت الانتفاضة الثانية، وحاصر الاحتلال نابلس، وأغلق طرقاتها، وأصبح الوصول إلى الجامعة رحلةً يوميةً شاقة ربما تستغرق ثماني ساعات، مما دفعنا لاحقًا للسكن في نابلس، ورغم كل الظروف الصعبة لا زال التعلق في الجامعة على حاله بل يزداد أكثر وأكثر والمعادلة الكيميائية لا زالت بذات الفاعلية ولم تتأثر عناصرها بكل هذا الحصار.

كانت "النجاح" صغيرة في مبانيها، كبيرة بعطائها، واليوم تواصل العطاء وازداد أكثر، وتوسعت المباني لتصبح مدينة جامعية وليست مجرد أماكن متناثرة.

رغم كل السعادة التي عشناها أيام دراستنا والفائدة العلمية المكتسبة، إلا أنني أحسد طلبة اليوم من مختلف التخصصات، على الإمكانيات المتاحة لهم، لم نعرف عصر كاميرا الديجتال وما بعدها، كنا ندخل إلى مختبر التصوير، لـ"تحميض" صور التقطناها بكاميرا بالأبيض والأسود، مساحة المختبر لم تكن تتعدى عشرة أمتار مربعة  أو زد عليها قليلًا، نجتمع فيها أكثر من (15) طالبًا، ويسعنا المكان ونغطيه بفرحنا وضحكنا وتعلمنا، بينما تصيبك الدهشة اليوم بالتطور الهائل في مختلف الكليات والأقسام لتجد نفسك أمام قاعدة علمية وتكنولوجية فريدة من نوعها تضمن لك مستقبلك الذي انتظرت البدء بتحقيقه بعد (12) عامًا على مقاعد المدرسة، ويحيطك الزمن والمكان بألفة ستعجز أي جامعة في العالم عن منحك إيَّاها لغياب المعادلة الكيميائية الغريبة والفريدة.