بشار دراغمة - النجاح الإخباري -
وبعد أن أغلقت صناديق الاقتراع أبوابها، وأعلنت لجنة الانتخابات المركزية نتائج الانتخابات المحلية  راجت جملة من التحليلات حول النتائج تارة، وحول نسبة الاقتراع تارة أخرى، والكثير من الجدل طفا على السطح.
عمليًّا لم يكن هناك خاسر في الانتخابات المحلية، وبمجرد إجرائها الكل فاز بممارسة الديمقراطية التي تأخرت قليلًا، وبطبيعة الحال لا يمكن أن تفوز كل الكتل في أي انتخابات، واحتمال الخسارة وارد قبل الفوز، لكن لا بد من الوقوف عند جملة من الأمور بهذا الشأن.

* الخاسر الأكبر في هذه الانتخابات هو قطاع غزة، الذي حرمته حركة حماس من ممارسة الديمقراطية، واكتفت الحركة بالمشاركة تصويتًا إلى حدٍ كبير في الضفة الغربية، فيما شاركت ترشيحًا بصورة أقل تحت إطار قوائم مستقلة ولو لم تعلن عن ذلك بشكل صريح، إلا أنَّ نظرة سريعة على طبيعة القوائم خاصة في المدن الرئيسة تظهر وجود شخصيات "حمساوية" من ضمن مجموعة من القوائم، الأمر الذي يفتح الباب أمام تساؤلات كثيرة، لماذا منعت "حماس" الانتخابات في غزة، وأصرَّت على حضورها فيها ولو بشكل غير رسمي في الضفة؟
أعتقد أن الأمر هو محاولة من حماس لقياس مدى شعبيتها في الضفة أو لنقل مجرد "جس نبض" وعلى ضوء ذلك يمكن للحركة أن تبني  خطواتها المستقبلية وصولًا إلى قياس الأمور في حال كان هناك حديث مستقبلي عن المصالحة وإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية.

أما منع الانتخابات في غزة فيعود إلى أمرين اثنين، الأول يدخل في إطار المناكفات السياسية وتأكيد حماس على أنَّها "الآمر والناهي" في قطاع غزة، والأمر الثاني ربما يتعلق بوجود حالة قلق من نتائج مفاجئة في صناديق الاقتراع ربما تشكل إحراجًا للحركة في حال فوز قوائم حركة فتح، وهو ما سيقلب الطاولة على حماس في حال حدوث هذا الاحتمال.
بجميع الأحوال أهالي غزة هم من خسروا ممارسة حقهم الديمقراطي وكانوا ضحية لقرار حركة حماس التي يهمها بالدرجة الأولى مصلحة الحركة وليس أهالي القطاع، وربما كانت حماس ستكسب الكثير لو سمحت بإجراء الانتخابات، لكنها قررت الصعود إلى الشجرة بشكل غريب دون أن يكون لديها قرار مسبق بكيفية النزول لاحقًا.

*    النقطة الأخرى التي يمكن الحديث فيها بشأن الانتخابات هي إصرار حكومة الوفاق الوطني على إجراء الانتخابات بعد أن تمَّ تأجيلها سابقًا بقرار قضائي، وهنا تسجل الحكومة لنفسها إصرارها على ممارسة الشعب حقه في الانتخابات، رغم بعض المطالبات بتأجيلها مجددًا بسبب تزامنها مع إضراب الأسرى الذين يخوضون معركة الكرامة، لكن الحكومة اعتبرت أنَّ المسارات الصحيحة لا يمكن أن تؤثر سلبًا على مسيرة صحيحة، وبالفعل تمَّ إجراء الانتخابات وفي الوقت نفسه حافظت قضية الأسرى على زخمها، وحصلت الحكومة بذلك شهادة ثقة شعبية بقراراتها وإصرارها على السير قدمًا نحو تعزيز التجارب الديمقراطية في فلسطين.

*    النقطة التالية التي يمكن طرقها هي نسبة الاقتراع، وعمليًّا فإنَّ النسبة كانت مرتفعة ومعقولة جدًا بتسجيلها (53%)  وهي مقاربة لانتخابات عام (2012) إلا أنَّ الفارق الآن هو أن النسبة كانت منخفضة في المدن ومرتفعة في الريف، ولو كانت نسبة المدن مثلما كانت في (2012) لتجاوزت النسبة الإجمالية (60%). 
ما حدث يعود إلى مجموعة أسبابا ومنها، ارتباط القوائم في الريف بالمد العائلي بينما كانت القوائم في المدن ذات طابع مختلف، وحتى أنَّها لم تكن قوائم حزبية بشكل صريح، وبالتالي خسرت الدعم الحزبي الجماهيري لها، ولم تتحصن بالمد العائلي.
ولا يمكن اعتبار قضية الأسرى وإضرابهم سببًا في تدني نسبة الاقتراع في المدن والدليل أنَّ النسب في الريف كانت مرتفعة ولو كان لقضية الأسرى أن تؤثر لتركت أثرها في كل المواقع.
وربما تكون هناك عوامل أخرى أضعف نسبة المشاركة في المدن ومن بينها نظام القوائم وعدم وجود خيار أمام المواطن لانتخاب اشخاص بعينهم بدلًا من اختيار قائمة واحدة بكل من فيها، وفي ظل فقدان المد العائلي والحزبي فإنَّ المواطن لا يجد نفسه متحمِّسًا للتوجه إلى صناديق الاقتراع.
عامل آخر قد يُضاف إلى ما سبق، هو عدم تحقيق المجالس البلدية طفرات تدفع المواطنين للبحث عن إنجاز جديد، وهنا عاش المواطن حالة لا مبالاة تجاه المجالس البلدية.
كل انتخابات وأنتم بخير.