بشار دراغمة - النجاح الإخباري - شكَّلت زيارة الرئيس محمود عباس إلى البيت الأبيض ولقاء نظيره الأميركي "دونالد ترامب" محور اهتمام إعلامي عالمي، كون الزيارة تأتي بعد أيام من وصول "بنيامين نتانياهو" إلى ذات المكان ولقاء "ترامب"، وحينها كان الظن أنَّ الرئيس الأمريكي منح "نتانياهو" كل شئ، وسبق ذلك الحديث عن نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، وقد خفت هذا الحديث مؤخرًا، وجاءت زيارة أبو مازن لتضع الكثير من النقاط على الحروف. 
ولا زالت أصداء الزيارة تتردد في الإعلام الإسرائيلي وكتب الصحفي "شلومو شامير" في صحيفة معاريف: "أن عبارة أبو مازن ليس شريكًا في السلام"، وهي العبارة المحببة للمسؤولين الإسرائيليين أبطلها ترامب بشكل كامل باستقباله الرئيس الفلسطيني، وقالت ذات   الصحيفة:  "إنَّ الزيارة أتت برياح مهمة للقيادة الفلسطينية، رغم المطالب التي وضعت أمام الرئيس أبو مازن من قبل البيت الأبيض".

بالتأكيد لم يكن الهدف من الزيارة استئناف مباشر للمفاوضات مع الإسرائيليين ولا حتى تحديد جدول زمني لذلك، لكنها كانت كفيلة بتوضيح وجهة النظر الفلسطينية بعد أن عملت الدبلوماسية الإسرائيلية على محاولة تشويه صورة الفلسطيني لدى الإدارة الأمريكية، وصوَّرت القيادة الفلسطينية على أنَّها عدو للسلام، فكانت أجوبة الرئيس أبو مازن واضحة، وغيرت الكثير من الأفكار عمّا روجته إسرائيل.

ولم تكن القيادة الفلسطينية ضعيفة في اللقاء مع "ترامب"، بل وفي الترتيبات التي سبقت اللقاء، و الوقت الذي كانت فيه إسرائيل تطالب "ترامب" بالضغط على الرئيس الفلسطيني لوقف مخصصات الأسرى وعائلات الشهداء، كان رئيس الوزراء الدكتور "رامي الحمدالله" يزور خيمة التضامن مع الأسرى في مدينة الخليل، وبعث رسائل واضحة من هناك، وهو ما يشير إلى أنَّ القيادة الفلسطينية ترتب خطواتها بشكل مدروس للغاية، والرد على المطالب الإسرائيلية كان يتم بالأفعال على الأرض، وكان الدكتور "الحمدالله" يرسل يوميًا رسائل تضامنية مع الأسرى المضربين عن الطعام، بل إنَّه تطرق إلى ذلك حتى قبل أن يدخل إضراب الكرامة حيز التنفيذ.

إذًا الدبلوماسية الفلسطينية اخترقت البيت الأبيض، والشروط الإسرائيلية التي تحولت في لحظة ما إلى مطالب أمريكية تمَّ رفضها بذكاء.
وتستثمر القيادة الفلسطينية في الوقت الحالي الكثير من المتغيرات على الساحة الدوليَّة وتصرُّ على عدم تقديم أيّ تنازلات فيما يتعلق بأيٍّ من القضايا الفلسطينية الجوهرية، ولضمان العمل بشكل أكثر قوَّة تأتي الأولويَّة الآن لدى القيادة في حشد التأييد الإقليمي وتحقيق اختراق جديد مع تركيا التي كانت موالية دومًا لجماعة الإخوان المسلمين بمن فيهم حركة حماس، وقررت على ما يبدو تغيير طريقة تعاملها مع القضية الفلسطينية وفي تحول جديد قررت أنقرة دعم ميزانية السلطة بعشرة ملايين دولار، ورغم رمزية المبلغ إلا أنَّه يعطي رسائل حول التوجه التركي الجديد، فيما تشير المعلومات إلى أنَّ الدكتور "رامي الحمدالله" سيكون يوم الأحد في اسطنبول للمشاركة في مؤتمر حول المقدَّسات الإسلامية، ومن المتوقع أن يلتقي مع الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان".

التقارب الجديد مع أنقرة وفي ظلِّ المتغيرات على الساحة الداخلية الفلسطينية خاصة فيما يتعلق بخطوات الرئيس في قطاع غزة، يعني أنَّ تركيا سلكت مسارًا مختلفًا عن طريقها السابق ، وبالتالي الأمور ستكون مغايرة تمامًا للمشهد الحالي في فلسطين على صعيد علاقة القيادة مع حركة حماس من ناحية، وعلى صعيد إعادة تصدير القضية الفلسطينية للمجتمع الدولي بعد أن ضعف حضورها في ظلّ ما تشهده المنطقة العربية من أزمات احتلت مشهد الصدارة.

ويبدو أن الخطوات  كلّها تسير في نهاية المطاف في ذات الطريق رغم اختلاف القضايا التي يتمُّ الحديث عنها، وهي حماس، وغزة، والقضية الفلسطينية، وعملية السلام.
وفي ظل فشل كل المحاولات السابقة لإنهاء حالة الانقسام، لجأت القيادة الفلسطينية إلى خيار إضعاف نفوذ حماس في غزة، وقررت السلطة أن لا تحكم حماس القطاع بأموال الحكومة، وهذا من شأنه إجبار الحركة في النهاية على تسليم غزة للسلطة تمهيدًا لإجراء انتخابات رئاسيَّة وتشريعيَّة، ومن ثمَّ تصدير القضية الفلسطينية مجددًا للمجتمع الدولي والطلب منه تحمل مسؤولياته تجاهها، وهذا الأمر وارد جدًا إذا ما أخذ مباركة تركيا، كون حماس ستشعر بالضعف وستكون مجبرة على الاستجابة متأثرة بسياسة "الأمر الواقع".