ماجد هديب - النجاح الإخباري - كان الفلسطينيون وما زالوا أكثر انفصالا عن واقعهم ،وأكثر بُعدا أيضا عن استخلاص الدروس والعبر مما مروا به من أزمات واحداث على امتداد مسيرة نضالهم الطويل ،وهذا ما نقوله دوما ويجب ان نعترف به ،وذلك منذ الاحتلال البريطاني لفلسطين ،حيث غالبا ما تكون ردات فعل الفلسطينيين لمناهضة كل ما يهدد ارضهم ومستقبل وجودهم هي ردات اعتباطية لا خطط لها او برامج ،ولعل المطالبات الأخيرة بعسكرة التحرك لمواجهة صفقة نتنياهو - ترامب هي المثال الأبرز لهذا الانفصال عن الواقع، فعن أي انتفاضة مسلحة يتحدث البعض في الوقت الذي ما زلنا ندفع فيه ثمن انعكاسات الانتفاضة الثانية رغم ما قدمناه خلال هذه الانتفاضة من ملاحم البطولة والتضحية والفداء ،وذلك بسبب غياب الخطط والبرامج والاستراتيجيات ،ثم غياب الوحدة والتنسيق ما بين كافة قوى وفصائل العمل الوطني والتي أدت الى ما نعيشه اليوم من صدام وانقسام ،فما  هي الاستراتيجية  التي يستند اليها هؤلاء في مطالباتهم بعسكرة المواجهات الشعبية مع الاحتلال ،وهل يمكن لهذه  الاستراتيجية ان تحقق أهدافها دون اتفاق في ظل الانقسام وانعدام الوئام ؟.

ان المتتبع لتفاصيل الحالة الفلسطينية يدرك  تماما ،ومنذ  الوهلة الأولى لإطلاق البعض دعوات عسكرة المواجهات مع الاحتلال وتصعيدها وصولا الى الانتفاضة المسلحة  في ظل الانقسام ،هي دعوة حق تريد حركة حماس منها  باطل الخلاص على اخر ما تبقى للشعب الفلسطيني  من معالم دولة وطنية لا تومن  بمفاهيمها ،ولذلك كانت دعوة حركة حماس  الصريحة لإعلان الانتفاضة المسلحة بالضفة دون غزة  وفقا لما صدر عن قادتها  من بيانات وتصريحات ،فاذا ما كانت الانتفاضة الثانية قد أدت الى تصاعد قوة حركة حماس ثم سيطرتها على غزة  ،فان في دعوتها الى الانتفاضة الثالثة مع دفع السلطة لتبني فعالياتها  سيؤدي ووفقا لاعتقادهم  الى تعزيز وجودهم في اطار صراعهم مع السلطة على شرعية التمثيل ،وخاصة في ظل غضب الأنظمة العربية على قادة هده السلطة لرفضهم صفقة ترامب والتصميم على الشروع  بإجراءات عملية لإفشال كل ما جاء فيها بمساندة دولية.

كانت حركة حماس وما زالت ومنذ انطلاقتها تعمل على تقوية وجودها وامتداد نفوذها على قاعدة عدائها مع منظمة التحرير الفلسطينية من خلال استغلال المنعطفات الصعبة التي تمر بها القضية الفلسطينية ،وفي ظل اشتداد الهجمة على الشعب الفلسطيني وقيادته أيضا من الاحتلال واعوانه ، حيث تعتبر قيادة هذه الحركة  ان الحفاظ علي حماس والعمل على تنامي وجودها ونفوذها هي أولوية مقدمة على مصالح الشعب الفلسطيني ،ولذلك فان تساوق البعض مع اطروحات هؤلاء ودعواتهم  لعسكرة المواجهة في  الضفة دون غزة هي بمثابة دفع الشعب ،  ليس إلى الاندحار او الانتحار بفعل التصادم  مع استراتيجياتهم  فقط ،وانما مع انفسهم أيضا ،فالانتفاضة الثانية ما زالت في الذاكرة, وما زلنا نعاني أثار اعقابها  حتى اليوم ,اقل هذه الاثار كان الصدام والانقسام .

ليدرك أصحاب الدعوة لعسكرة المواجهات مع الاحتلال  بالضفة دون غزة بدعوى ضرورة العمل على اسقاط تنفيذ صفقة ترامب ،انهم ومهما فعلوا  فلن  يكونوا بمأمن عن الملاحقة والاغتيال ، وليدرك هؤلاء انفسهم بان  غزة ومهما حاولوا العمل على تحييدها  من خلال التفاهمات المطروحة بذريعة حماية المقاومة  فيها من اجل الاعداد والتجهيز وبناء التوازن مع الاحتلال  فلن تكون هي الاخرى بمعزل عن مؤامرة التدمير والتهجير ،وليدرك هؤلاء  أيضا بان قوة الحجر والمقلاع والسكين بيد شبل وزهرة ،وبيد شاب وعجوز وصبية وفقا للاستراتيجية وبرامج متفق عليها وطنيا  في اطار منظمة التحرير والسلطة وصولا الى الدولة المستقلة  لهي أقوى من كل الصواريخ في ظل الانقسام ،وهي أجدى أيضا من كل العمليات العسكرية التي يدعو البعض لها في ظل انعدام الوئام ، ولنا في الانتفاضة الثانية بعد عسكرتها  دروس يجب ان نستخلص العبر منها حتى لا  نكون أكثر انفصالا عن واقعنا ،واكثر بعدا  أيضا عن  تاريخنا ،فهل وصلت الرسالة؟.