طلال عوكل - النجاح الإخباري - تتعدى الأحداث التي تقع في منطقة الشرق الأوسط، حدود السياسات الموضعية، التي وقعت مؤخرا، وأدت إلى اغتيال قاسم سليماني كشخصية محورية، في السياسة الإيرانية، وما تبع ذلك من رد إيراني بقصف صاروخي على قاعدتين أمريكيتين في العراق.

التصريحات التي رافقت تلك العمليات، سواء من الولايات المتحدة، أو من إيران رفعت سقف التوقعات، وتركت لدى عديد عواصم المنطقة والعالم مخاوف حول إمكانية أن تتدحرج الأحداث، نحو حرب لن تقف حدودها وأطرافها على البلدين. في الواقع فإن أحداث الربيع العربي، التي اندلعت نهاية العام 2010، فتحت المنطقة العربية ومعها الشرق الأوسط على استراتيجيات متضاربة، وفتحت شهية قوى إقليمية ودولية على صراع نفوذ ومصالح، في منطقة استراتيجية وغنية بالثروات وطرق مواصلات التجارة الدولية. القوى الدولية والإقليمية الطامعة في الحصول على حصص مهمة، على حساب المصالح العربية، وجدت الفرصة سانحة للتدخل العسكري وغير العسكري المباشر وغير المباشر، في ظل تفكك وضعف الجماعة العربية. القوى الدولية اتبعت سياسة قديمة تقوم على مبدأ فرق تسد، لكي تعيد تفكيك النظام القومي وإعادة تركيبه على أسس طائفية وعرقية تسهل السيطرة عليها وابتلاع ثرواتها، وقد انخرطت دول عربية في انجاح المخططات الأجنبية، اشتغلت كأدوات وساهمت في توفير غطاءات لتلك التدخلات. وبدلا من أن تعتمد الدول الوطنية العربية على كتلة قومية متماسكة للدفاع عن الذات، التجأت إلى الأجنبي ظنا منها أن ذلك هو السبيل المضمون لبقاء تلك الأنظمة، التي كانت قد خسرت معركة الديمقراطية والتنمية واللحاق بركب التقدم والتطور. تشكو الآن الدول العربية من أطماع وتدخلات قوى دولية نافذة ومن أطماع وتدخلات قوى إقليمية، هي الأخرى تتصارع لنيل حصتها من الكعكة العربية، قبل أن تبتلعها كلها قوى دولية على رأسها الولايات المتحدة بالإضافة لإسرائيل. السباق الإقليمي حثيث بين إسرائيل، التي تسعى للتمدد في طول المنطقة وعرضها، وبين تركيا التي تسعى لاستعادة إرث الدولة العثمانية، وأيضا إيران التي تسعى لاستعادة أمجاد الامبراطورية الفارسية. لكل طرف أدواته وتحالفه وذرائعه وأهدافه، الأمر الذي يترك المنطقة مفتوحة على الزمن، وعلى المزيد من الحروب والصراعات. ما جرى ويجري بين الولايات المتحدة وإيران، ليس سوى وقائع تعطي مؤشرات لا تذهب إلى صدام حربي واسع بقدر ما أنها تكشف عن استراتيجيات تقوم على اتباع سياسة الاستنزاف، ذلك أن حربا واسعة ومباشرة، من شأنها أن توفر ظروف اندلاع حرب عالمية ثالثة. أخضع العرب كل العرب كنظام وطني وكنظام جماعي حين انساقوا خلف أولويات فرضتها إسرائيل، ولحقت بها الولايات المتحدة في زمن ترامب، مما يدل على قصور في الوعي، إزاء أولوية وأهمية القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي الذي يشكل جوهر الصراع في المنطقة برمتها. لقد اخترقت كل القوى الطامعة كل المجتمعات العربية وازداد دور تلك القوى في التأثير السلبي على مخرجات الربيع العربي وضاعفت من أثمان التغيير المنشود من قبل المجتمعات العربية، ورفعت فوق عملية التغيير علامات شك كبيرة.

إسرائيل هي أكبر المستفيدين من هذه الفوضى العارمة، فهي بغطاء ودعم أمريكي مباشر وصريح، تنفذ سياسة تجفيف ومصادرة الحقوق الفلسطينية والعربية، و تتوسع في علاقاتها مع دول عربية كثيرة بدون أن تدفع أي ثمن مقابل ذلك. لقد نجحت السياسة الإسرائيلية في توظيف السياسة الأمريكية وسياسات القوى الإقليمية والعربية، لتحقيق انجازات كبرى بدون أن يقف أمامها رادع حتى من قبل ما يعرف بمحور المقاومة، الذي يتمسك بخطاب جذري ضد الدولة العبرية. كثيرون بدئوا يشككون في مصداقية الخطاب الجذري الذي تتمسك به ايران، بشأن موقفها وسياساتها تجاه إسرائيل التي لم تتوقف عن القيام بعدوانات متكررة على سوريا والعراق ولبنان والأراضي المحتلة بدون أن تتلقى جوابا رادعا او مقنعا. والحال أن أطراف هذا المحور تكون قد كررت الخطيئة العربية، إن هي تجاهلت بالقول والفعل أولوية القضية الفلسطينية، والصراع العربية والإسلامي الإسرائيلي. لا ينطوي ذلك على استخفاف بخطاب العداء الجذري لإسرائيل بما له من تداعيات ثقافية وتعبوية ونفسية، غير انه في ظل احتدام الصراعات يصبح من الضروري إضفاء مصداقية عملية على ذلك الخطاب، حتى لا يترك آثارا عكسية. كل المعارك مفتوحة فلماذا يتم تأجيل فتح المعركة مع الاحتلال.