اكرم عطا الله - النجاح الإخباري - ليس المهم هنا المشهد الكاريكاتوري المتباين للفلسطينيين في الضفة وغزَّة، وحجم الهوة التي تتسع بينهم، فالأمر بدا على درجة من التباعد، تظاهرت الضفة الغربية احتجاجًا على قانون التضامن الاجتماعي، في حين غزة كان تظاهرها تشييعًا لجثامين شهداء قضوا ضحية عملية التسلل الإسرائيلية، حسنًا، فلكل منطقة همومها وأولوياتها، رواية تستدعي نقاشاً آخر، أكثر هدوءًا من جماهير في الشوارع فلكلٍّ أسبابه.
قانون الضمان الاجتماعي استدعى هذا القدر من الجدل والحراك، ولازال، ولعلَّ الإيجابية الكبيرة لهذا القانون تكمن في أنَّه يعيد الحياة للنقابات من جديد، بعد أن ظهر كأنَّ الجسد الفلسطيني بمؤسساته ونقاباته على درجة من الخمول، وفقدان الشهية للعمل النقابي والاجتماعي، وتلك كانت ظاهرة مقلقة لأيّ مجتمع، وخاصة المجتمع الفلسطيني الذي اعتمد في تاريخ كفاحه الطويل على الاتحادات والنقابات كرافعة من رافعات العمل الوطني.
الحكومة أقرَّت القانون ووضعت له موعداً للتنفيذ وهو ما حظي بمعارضة شديدة من قبل عمال القطاع الخاص وأصحاب الشركات ورجال الأعمال، خاصة أنَّ القانون كأنَّه أُعد على عجل، وأُعلن عنه بسرعة فلم يأخذ بعين الاعتبار تحطّم غزَّة الاقتصادي والتي ينطبق عليها القانون ولم يأخذ حقه في النقاش من تكامل مفترض بين القطاعين العام والخاص.
ولأنَّ سلسلة القوانين وضعت لمسألتين، الأولى ضمان انتظام العلاقات بين أفراد المجتمع، والثانية تحقيق مصالح الأفراد وفق منظومة لا تأتي على حساب الآخرين، وعادة ما يتم ذلك بعد نقاشات مكتملة مع الفئات التي يستهدفها القانون عندما يكون خاصًّا، هذه المرَّة كأنَّ النقاش لم يأخذ حقه الطبيعي.
كتبنا قبل ذلك في هذه الصفحة عن ضرورة تأجيل تنفيذ القانون، مطالبين الحكومة بالتروي، وفتح نقاش أوسع فلا يضير الحكومة المزيد من التواصل والاتصال، بل يحسب لها ذلك لو فعلت، ولم نكن نريد أن يصل الأمر إلى مظاهرات بهذا الشكل من أجل قانون كان يمكن أن يحل في جولة، أو حتى عشر جولات حوار بين ممثلي العمال وبين الحكومة، لكن وزير العمل الذي تطالب التظاهرات بإقالته أسرع بإعلان القانون قبل أن يجري ما يكفي من النقاش.
ويطالب المتظاهرون بإقالة الأمين العام لاتحاد العمال، وكذلك وزير العمل، فالقانون حسب الفئة التي يطالها يحمل ما يكفي من العوار، إلا أنَّ قيمة هذه التظاهرات تكمن في أنَّها غير مُسيَّسة، فالناس تتحرك وفقًا لمصالحها، وهذا مهم للمجتمع، ويمكن حلّ الأزمة، فالقوانين توضع لخدمة البشر، والأمر ليس على هذه الدرجة من التعقيد، يمكن أن يكون للحكومة ووزير العمل رأى بأنَّه  قانون عادل من أفضل القوانين، ما لا يراه المواطنون، وهذا طبيعي لأنَّ سمة المجتمعات والأفراد والمؤسسات، تضارب المصالح، لكن ما تفعله الدول من خلال القوانين، هو إيجاد القوائم المشتركة لتحقيق مصالح الجميع، وعدم السماح لهذا التضارب أن يستقر ويأخذ شكلًا صداميًّا.
وفي الحوار نجاح للسلطة والحكومة والمؤسسات، التي قد تجد توافقات ذكية، تضمن مصالح الجميع، وهنا تقول التظاهرات إنَّ الحوار لم ينضج، وأنَّ  المسألة أُخذت على عجل، لذا فإنَّ الدعوة مرَّة أخرى لمزيد من الحوار هي الضرورة التي ينبغي أن تكون، ولن تسقط السماء إن أعلن وزير العمل تجميد القانون مؤقتًا، وفتح حوار مع الاتحادات والنقابات والشركات للوصول إلى حلول مرضية، لأنَّ الحقيقة القائمة تقول إنَّ الموظفين لديهم خشية ولا يشعرون أن هذا القانون يحقق مصالحهم أو يضمن لهم أمان مستقبلي عندما يصلون سن العجز، وهناك بعض النصوص التي أوردناها في مقال سابق تقف عند بعض البنود التي دعت لهذا الشعور وهي بحاجة إلى نقاش فعلي.
فهل يبدأ الحوار بعد هذه التظاهرات؟ الأمر الطبيعي أن يبدأ، ودون ذلك سنكون نشبه كغيرنا من الدول العربية، وأظن أنَّنا نريد أن نكون غير ذلك، أما اختلاف الاهتمامات وتباينها بين غزة والضفة فتلك قصة مختلفة !