النجاح الإخباري - أن توقف الولايات المتحدة أكثر من مائتي مليون دولار كانت مخصصة لمشاريع في المناطق الفلسطينية فتلك من سخريات السياسة وتلك الأموال ليست جزء من مساعدات السلطة ولا تدخل في خزينة السلطة ولا تؤثر في موازنتها بشكل مباشر لكن الولايات المتحدة التي أشرفت على توقيع اتفاقيات أوسلو في حديقة البيت الأبيض قبل ربع قرن كانت تدرك أن تلك الاتفاقيات قد وضعت رقبة الاقتصاد الفلسطيني في يد الاسرائيلي ولا مجال للفلسطينيين لاستمرار الحياة دون مساعدات.

ربما يكون هذا خطأ الفلسطينيين التاريخي باقامة سلطة دون سيطرة على ممكنات الاقتصاد وتلك تجعلها رهينة وربما يصل الأمر للمقايضة على أثمان سياسية ويبدو أننا وصلنا ذروة ما كانت تخطط له اسرائيل التي كانت تضع كل بند في الاتفاقيات لتستله بعد أكثر من عشرين عاماً كما كانت نبوءة شامير نحن الآن يفصلنا ربع قرن عن الاتفاقيات وما بين السلوك الأميركي والضغط على الفلسطينيين وما بين قدرة الفلسطينيين على الاستمرار اذا ما قررت الولايات المتحدة ممارسة الضغط المالي حين تطلب من حلفاءها وقف تمويل السلطة يبدو الأمر مثير للقلق وهناك تجربة عندما أوقفت الدول العربية التمويل حين قررت واشنطن.

منذ تشكل الادارة الأميركية برئيس جديد قادم من عالم التجارة والأعمال بعيداً عن صراعات المنطقة وارثها التاريخي يبدو أن حسبة المصالح السريعة أقرب للمنطق الأميركي وهذه الادارة تصطف بشكل كلي الى جانب اسرائيل بعكس كل الادارات السابقة التي احتفظت بشيء من الكياسة السياسية الى الدرجة التي بدت فيها ادارة ترامب أكثر اندفاعاً ضد الفلسطينيين من اسرائيل نفسها بل وتبدو على مدار العام ونصف الماضيين أنها ليست أكثر من ذراع تنفيذي للحكومة الاسرائيلية فقد كنا نتهم الادارات السابقة التي لم تضغط على اسرائيل كراعية للتسوية بأنها كانت ساعي بريد للحكومات الاسرائيلية لكن هذه الادارة تجاوزت كل القيم والأعرف الأميركية حتى.

لا يمكن وصف ما تقوم به ادارة الرئيس ترامب سوى أنها لي للأذرع في معركة التصفية التي تعدها للقضية الفلسطينية في المطبخ الاسرائيلي فقد أزاحت قضية القدس عن الطاولة هكذا صرح الرئيس بلا خجل وبما لا يليق بدولة حاولت لسنوات طويلة أن تقدم نفسها كوسيطاً محايداً لكن ترامب أسقطها في الجيب الاسرائيلي وأسقط معها هيبة السياسة،  ثم انتقلت لملف اللاجئين لتعيد تصنيف اللاجيء وفقاً للمعايير الاسرائيلية التي كانت قد قدمتها حكومات اسرائيلية في تسعينات القرن الماضي بأن اللاجيء هو من خرج أثناء الحرب بين عامي 46 – 47 وليس أبناؤه أو أحفاده وبالتالي بحسبته الفهلوية يكون هناك نصف مليون لاجيء أصغرهم قد بدأ في العقد الثامن وبالتالي خلال عشر سنوات لن يبق أي لاجيء.

غطرسة القوة والمال التي تقف معاكسة للقوانين الدولية وحقوق الشعوب والحقيقة على الفلسطينيين أن يتوقعوا ذلك لأن حكومات أقل التصاقاً باسرائيل وأكثر اقتراباً من الفلسطينيين لم تمتلك الجرأة على توجيه ملاحظات نقدية لاسرائيل وكان الاستيطان يمر من تحت أعين كل تلك الادارات التي تعامت وتلك هي الحقيقة التي علينا رؤيتها لنتوقع سلوك ادارة موالية ونحن في ذروة انقسامنا وانهيار مصداتنا الداخلية ومشهدنا الذي أفقدنا جزء كبير من الهيبة أمام رئيس يحسب كل شيء بالمال.

بالعودة للمعضلة الرئيسية التي خلقت معادلة بالقطع في غير صالح الفلسطينيين والحقيقة التي أمامنا أن شعباً تحت الاحتلال وافق موقعاً على أن يضع قراره الاقتصادي في يد خصمه السياسي الذي سيتفاوض معه هذا إن قبل ذلك الخصم المفاوضات بل ذهب أبعد من ذلك فقد بات يستخدم تلك المعادلة للحصول على التزامات أقل شأناً من المفاوضات ،إذن نحن في معضلة كبيرة ليس أساسها الولايات المتحدة بل الفلسطيني الذي لم يراجع الاتفاقيات برغم كل القرارات التي اتخذت في اجتماعات أكثر من مجلس وطني انعقد خصيصاً لمناقشة تلك المسألة لكنه لم يتمكن من التنفيذ وهنا تتجلى الأزمة التي نفضل تجاهلها كما حدث خلال سنوات كنا نغرق فيها دون أن يستوقفنا المسار حتى أفقنا على الحقيقة وهي أن غياب الاقتصاد يفقدنا واحدة من ممكنات القوة وتلك واحدة من أسباب الانقسام والحجز على الغاز في بحر غزة لأن عائداته تغطي الفلسطينيين حينها يتمكنون من الصمود فهل يفهم الفلسطينيون أن الانقسام مثلاً يفقدهم القدرة على المواجهة ويأكل من رصيد المشروع الوطني ؟