طلال عوكل - النجاح الإخباري - لا يسر صديقا ولا يكيد عدوا، الوضع الفلسطيني، كما يكثفه مشهد الأحداث خلال الأيام القليلة الماضية. ينعقد المجلس المركزي الفلسطيني المنبثق عن المجلس الوطني، ليناقش جدول أعمال حافل بالقضايا المفصلية والمصيرية الخطيرة، ولكن في غياب عدد من فصائل العمل الوطني، وبعض المستقلين. لا يمكن الاستهانة بمتطلبات اتخاذ قرارات مصيرية من قبل المجلس المركزي، في ظل انقسام لم يعد حصرا على حماس وفتح، بل إنه يمتد ليشمل فصائل رئيسية في صلب منظمة التحرير الفلسطينية. هذا الغياب فضلا عن الغياب المعروف لحركتي حماس والجهاد الإسلامي، يضع علامة استفهام حول آليات اتخاذ القرار، وحول أدوات الفعل الوطني التي عليها أن تخوض المجابهة، مع الحلف الأمريكي الإسرائيلي، الذي يتوهم إمكانية تصفية القضية الفلسطينية. وبموازاة انعقاد الدورة التاسعة والعشرين للمجلس المركزي، تعقد الفصائل الفلسطينية والعديد من الجماعات المنسوبة للمقاومة، جلسات حوار في القاهرة حول إمكانية تحقيق تفاهمات مع إسرائيل بوساطة مصرية وأممية، تؤدي إلى تهدئة من شأنها ان تخفف الحصار المفروض على قطاع غزة من ما يقرب اثني عشر عاما. حوارات القاهرة التي يقال أنها تقترب من التوصل إلى تفاهمات التهدئة تتم بدون وجود حركة فتح، وبدون السلطة الوطنية الفلسطينية، الأمر الذي يفاقم الانقسام من ناحية، وربما يؤدي إلى إفساد أو تأجيل الإعلان عن تلك التفاهمات. وعلى جبهة أخرى تتمادى إسرائيل في عدوانها على المسجد الأقصى والمصلين وأهل القدس، وكأنها تفتح من جديد معركة المسجد الأقصى بعد أن فشلت في معركة البوابات الالكترونية. الصلف الإسرائيلي يبلغ مدى كبيرا من الخطورة، حين يتم الإعلان عن نية الحكومة الإسرائيلية بناء عشرين ألف وحدة سكنية في القدس. معركة الخان الأحمر التي تنطوي على مؤشرات خطيرة، هي الأخرى مفتوحة، ومفتوحة على أوسع مدى وكل الوقت المعركة ضد قانون أساس القومية، الذي يدمغ إسرائيل بهوية العنصرية التي تليق بها وبالمشروع الصهيوني من أساسه.

تتكالب المؤامرات ومحاولات تصفية الحقوق الوطنية الفلسطينية، فيما الفلسطينيون على حالهم من الانقسام والتشرذم والخلاف، وسيادة منطق الحسابات الخاصة، على حساب المصالح الوطنية العليا، الأمر الذي يضعف الفلسطينيين المتفقين جميعا على رفض ومجابهة " صفعة القرن". المواطن الفلسطيني الذي يئن تحت وطأة الحصار وآثار الانقسام والعدوانات الإسرائيلية، ما يزال لا يصدق أن جزءا من المسؤولية عن معانياته تعود إلى الانقسام الفلسطيني. تتعاظم المعانيات بالنسبة لسكان قطاع غزة الذين تطفح شبكة التواصل الاجتماعي بصراخهم ومناشداتهم، لحل أزمة السفر عبر معبر رفح، والتي تعيدنا مجرياتها ومعانياتها إلى زمن الحجيج على الجمال ولكن بدون أن يسمع أحد صراخهم أو يستجيب لشكواهم المرة.

لا مجال لحصر الأزمات والمخاطر التي تواجه الشعب والقضية والحقوق، الناجمة عن سياسة الاحتلال أولا، والتي تفاقمها الانقسامات الفلسطينية التي تبدو وكأنها مستعصية على الحل. في المحصلة فإن الحلول الإنسانية وغير الإنسانية، والأخرى المتعلقة بغزة والضفة، لا يمكن أن تقود لتغيير الاوضاع، بدون تحقيق المصالحة، وفي غيابها ستظل إسرائيل هي المستفيد الوحيد من استمرار تشرذم الحركة الوطنية الفلسطينية. سيكتشف الفلسطينيون أنهم في ظل مثل هذه الأوضاع، يتحملون جزءا من المسؤولية عن المصائب التي تسقط فوق رؤوسهم. تبدو الإرادة الفلسطينية على المجابهة ضعيفة إلى حد كبير في ضوء الإرادة الحازمة التي تبديها الولايات المتحدة وإسرائيل، لمصادرة كل الحقوق الفلسطينية، وتمكين إسرائيل العنصرية من التوسع في المنطقة.

لقد حان الوقت بل تأخر الوقت على الصحوة الفلسطينية المطلوبة، الأمر الذي يستدعي تجاوز الحسابات الخاصة والاشتراطات التي تحول دون تحقيق الوحدة. إن من يخسر على طاولة الحوار الوطني من أجل الوحدة، سيكسب على طاولة المصالح الوطنية العليا، ومن يتمسك بالانتصار على الآخر الوطني سيخسر على طاولة التاريخ وإرادة الشعب.