د. سائد الكوني - النجاح الإخباري - بعد أن تأجَّل الموعد مرتين، بسبب أوضاعها الصحية، حظيت مُؤخراً بشرف لقائها وفق تكليفٍ من د. رامي حمد الله رئيس الوزراء، إنها مفخرة فلسطين السيدة فاطمة بريجية (أم حسن)، أول سيدة ريفية بعمرها ترأس مجلس قروي في فلسطين بعد أن تم اختيارها وثمانية أعضاء آخرين بالتزكية لمجلس قروي قرية المعصرة في الريف الجنوبي لمحافظة بيت لحم والتي يبلغ عدد سكانها 1200 نسمة، وذلك في الانتخابات التكميلية لمجالس الهيئات المحلية التي أُجريت في شهر أيار من هذا العام 2017، وحازت بريجية التي تبلغ من العمر 65 عاماً على رئاسة مجلسها القروي بإجماع أعضاء المجلس الفائزين.

الحاجة أم حسن كما تُحب أن يُنادى لها، تُمثل نموذجاً للمرأة الفلسطينية التي ترى بأن دورها في الحياة لا يقتصر فقط على تنشأة وتربية الأطفال وتدبير شؤون المنزل بل يتعداه لمحيطها الذي تعيش فيه حيث يمكنها أن تكون فاعلة وتترك بصمات مميزة في شتى مجالات العمل. عُرف عنها منذ نعومة أظفارها شغفها بالعمل التطوعي، فهي تعمل منذ ما يزيد عن 27 عاماً في شتى مجالات الخدمة المجتمعية ما جعلها تحظى بمحبة واحترام وثقة أهالي قريتها. بريجية عملت لـ 8 سنوات أمينة سر جمعية تعاونية لقرى جنوب بيت لحم، وهي عضو في الغرفة التجارية وكذلك لجنة صاحبات الأعمال في منطقتها، وتسعى حالياً إلى إنشاء مصنع لإعادة تدوير النفايات الصلبة للحفاظ على الطبيعة الخلابة لأراضي قريتها وفي نفس الوقت توفير فرص عمل لكثيرين من شباب القرية الباحثين عنها، بالإضافة لدعمها ومشاركتها في العديد من المشاريع الريادية التي تهدف عموماً إلى تعزيز دور الشباب في المجتمع وخصوصاً المرأة، وهي تدير مركزاً نسوياً بالمعصرة يُعنى ببناء القدرات الريادية والقيادية لنساء وفتيات القرية حتى يكونوا عنصر تنمية وبناء في محيطهم الاجتماعي والاقتصادي.

مجالات عمل واهتمامات الحاجة أم حسن كثيرة ومتنوعة إذا ما أردنا الكتابة عنها، ولكن نتوقف هنا عند أكثرها قُرباً لقلبها حسبما ذكرت، فهي تولي عناية خاصة لبرامج التنمية البشرية المتعلقة بالأطفال، وعنها بشغفٍ تقول أنها حصلت على عدة جوائز لمشاركتها الفاعلة والمؤثرة في خدمة مجتمعها المحلي، أحدثها جائزة "أفضل ريادية فلسطينية" مُنحت لها من قبل الاتحاد الأوروبي، ولكن أكثر تلك الجوائز أثراً على نفسها هي الفرحة التي تشاهدها يومياً في عيون الأطفال الذين تُساهم في رسم البسمة على وجوههم من خلال ما تقدمه لهم من برامج مختلفة تهتم بتعزيز دور الطفولة لأطفالٍ يعيشون تحت نير الإحتلال.

على صعيدً آخر بريجية تؤمن بأن المرأة الفلسطينية شريكة الرجل الفلسطيني ورفيقة دربه النضالي في الحفاظ على الهوية الوطنية والأرض الفلسطينية من براثن الاستيطان، وتُترجم هذا المُعتقد على أرض الواقع من خلال تصدرها للتظاهرات السلمية الأسبوعية التي تعمل على تنظيمها بالتعاون مع متضامنين أجانب وحركات سلام إسرائيلية كل يوم جمعة على أراضي قريتها المهددة بالضم من قبل جدار الفصل العنصري، وقد آتت هذه الفعاليات أُكلها في استرداد مئات الدونمات من المصادرة، وتعمل أم حسن جاهدة على توفير سبل العيش الآمن والكريم لمالكيها بغرض دعم صمودهم عليها، وترى في معترك العمل البلدي الذي دخلته حديثاً نافذة هامة لتحقيق ذلك من خلال السعي إلى تزويد تلك الأراضي بالبُنى التحتية اللازمة من خطوط مياه وكهرباء وشوارع وخلافه.

المُتحدث إلى الحاجة أم حسن يلمس لديها حالة فريدة من التماهي بين ذاتها وعشق الأرض الفلسطينية حيث تعتبر أن مصادرة أية ذرة تراب فلسطينية تشكل تعدي على ذاتها وممتلكاتها الخاصة، وشعارها الذي ترفعه خلال أنشطتها النضالية السلمية في الدفاع عن أراضي قريتها المهددة بالمصادرة هو "كل أرض فلسطين أرضي"، وقد أورثت هذا العشق لفلذات كبدها فمنهم من قدم روحه فداه ومن هم من جاد بحريته لأجله، حيث فقدت الحاجة أم حسن نجلها عالم الفيزياء عماد بريجية عام 1999 بمدينة بون الألمانية بفايروسٍ قاتل دُس بجسده ولم يمهله طويلاً حتى قضى شهيداً، بينما شقيقه الأصغر علي يقضى حكماً مدته 15 عاماً في السجون الإسرائيلية.

في العمر الذي يتقاعد فيه الكثيرون من أعمالهم ويحاولون قدر المستطاع الاستمتاع بما فاتهم من متاع الدنيا في سِنين عُمْرهم المتبقية، تتولى الحاجة أم حسن رئاسة مجلس قروي المعصرة متوجةً بذلك سنوات خدمتها الطويلة لمجتمعها ومواطنيها، وموجهةً لنا في ذلك الكثير من الدروس والعبر التي تستحق أن تُدرس لأجيالنا القادمة عن حب الأرض والإنتماء، والتضحية والفداء، أطال الله في عمرها ومدها بالصحة والعافية سنين طوال.