النجاح الإخباري - أكَّدت ورقة حقائق أصدرتها دائرة شؤون المفاوضات في منظّمة التحرير الفلسطينية، حول وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، أنَّ المجتمع الدولي مسؤول أخلاقياً عن إدامة الخدمات الحيوية كالتعليم والصحة للاجئي فلسطين إلى أن تتم تسوية الصراع السياسي.

وشدَّدت ورقة الحقائق، التي وزعت على الوفود الدولية والدول الأعضاء المشاركة في الدورة الثالثة والسبعين للجمعيّة العامّة للأمم المتحدة المنعقدة في نيويورك باللغتين العربية والانجليزية، على ضرورة استمرار دعم "الأونروا" وتمويلها من المجتمع الدولي، وتقديم الموقف الفلسطيني من محاولات تفكيكها وآثار ذلك ليس على فلسطين وإسرائيل فحسب بل على الاستقرار والأمن والظروف الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية في البلدان المضيفة في الشرق الأوسط والعالم بأكمله.

واعتبرت الورقة، التي تناولت خلفية قانونية وسياسية حول "الأونروا" وتفويضها، القرارات الأمريكية الأخيرة بشأن خفض المساعدات عن الشعب الفلسطيني ابتزازاً وعقاباً له لتمسكه بحقوقه غير القابلة للتصرف، ورفضه التخلي عن تلك الحقوق بما في ذلك حقه في عاصمته القدس الشرقية، وحقه في العودة وتقرير مصيره على أرضه.

وقالت: "إنَّ الهجوم على الأونروا هو هجوم على الأمم المتحدة ومؤسساتها الدولية، وبمثابة هجوم على النظام الدولي والتعددية الدولية".

وأكَّدت الورقة رفض الموقف الأمريكي الداعي لإعادة توجيه التمويل الذي يجب تقديمه إلى وكالة "الأونروا"، وقالت: إنَّ تقديم المساعدات ليست منّة وإنما واجب مستحق والتزام على المجتمع الدولي وفقاً للقانون الدولي الإنساني، ووفقاً لتجديد التأكيد المتواصل للجمعيّة العامّة للأمم المتحدة على تحمل الأمم المتحدة لمسؤوليتها الدائمة عن قضية فلسطين وحّل جميع جوانبها بما في ذلك حل عادل لمشكلة لاجئي فلسطين.

وطالبت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بالعمل بشكل جماعي وبذل جميع الجهود الممكنة لتمويل موازنة الوكالة بالكامل، والعمل مع الأشقاء في الدول المضيفة في الأردن وسورية ولبنان، ومع الهيئة الاستشارية للوكالة والدول المانحة في العالم وغيرها، لتوفير الدعم المالي والسياسي المطلوب، باعتباره مسألة ملحة للتعبير عن التزامهم بإعمال حقوق الشعب الفلسطيني بما في ذلك لاجئي فلسطين وإيجاد حل سلمي عادل ودائم على أساس قرارات الأمم المتّحدة ذات الصلة ومبادرة السلام العربية.

ودعت الورقة المجتمع الدولي إلى مضاعفة الجهد في هذا الوقت من الأزمة من أجل إنهاء الجذر الرئيس لجميع المشاكل الاقتصادية والإنسانية والبنيوية التي سبّبها استمرار الاحتلال الاستعماري لأكثر من نصف قرن، وإيجاد حل سياسي عادل ودائم لحل القضية الفلسطينية على أساس قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، والذي سيضع حداً للاحتلال العسكري الإسرائيلي الذي بدأ عام (1967) وضمان استقلال وسيادة دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية، وحريّة وحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف وضمان التوصل إلى عادل لقضية لاجئي فلسطين على أساس القرار الأممي (194).

وقالت: "ينبغي علينا عدم خذلان نصف مليون طالب، ولا يمكننا أن نشطب وجودهم. لقد قيل للاجئي فلسطين بأن يؤمنوا بعملية السلام إلى أن يتم التوصل إلى "حل عادل ودائم" لمحنتهم. وبعد عقود، فإنّهم لم يحظوا لا بعدالة ولا بحل دائم. إنّ المجتمع الدولي مسؤول أخلاقياً عن إدامة الخدمات الحيوية كالتعليم والصحة للاجئي فلسطين إلى أن تتم تسوية النزاع السياسي.

الإطار القانوني للأونروا:

شكلت "الأونروا" بموجب القرار (302) الصادر عن الجمعية العامّة للأمم المتحدة عام (1949)، وتمَّ تفويضها بتقديم الخدمات الأساسية للاجئي فلسطين، وتنفيذ برامج إغاثة وتشغيل مباشرة للاجئي فلسطين حتى إيجاد حل عادل لقضيتهم، الذي أكدت فيه الفقرة (11) على حقهم  في عودتهم إلى وطنهم والتعويض.

"الأونروا" وكالة موجودة، وتظلّ الحاجة إلى الدعم قائمة على وجه التحديد؛ لأنَّ قرار الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة (194) لم يتم تنفيذه، ما أدّى إلى عدم تجسيد حق العودة والتعويض، ولم يكن هناك حل سياسي عادل لمشكلة لاجئي فلسطين، والحل يبقى مركزياً من أجل التوصل إلى حل عادل ودائم لقضية فلسطين ككل.

"تشير الصلة بين قرار (194) وولاية "الأونروا" إلى أنَّ الوكالة هي أكثر من مجرد هيئة تنفيذية، والتي يجب أن تظل محايدة. وإنَّ لولاية الأونروا مضموناً سياسياً، يكمن في تسهيل عودة اللاجئين إلى الوطن والتعويض على أساس التزام المجتمع الدولي. ولذلك يتم تجديد ولاية الأونروا مراراً وتكراراً من قبل الجمعية العامة ريثما يتم التوصل إلى حل عادل.

أنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة لجنة التوفيق الدولية من أجل فلسطين، تمَّ تشكيلها من (فرنسا، وتركيا، والولايات المتحدة)، وشملت مهام اللجنة تسهيل عودة اللاجئين وإعادة توطينهم في وطنهم وتعزيز رفاههم وتأهيلهم اقتصادياً واجتماعياً على حدّ سواء. في الواقع، فإنّ قرار الجمعية العامة للأمم المتّحدة (302) يوجّه "الأونروا" ولجنة التوفيق الدولية إلى تنفيذ حق العودة والتعويض للاجئي فلسطين وفقاً للفقرة (11) من القرار (194).

وتعدُّ الوكالة مسؤولة أمام الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة بشكل رسمي، ويتم تجديد ولايتها كلّ ثلاث سنوات، والتي تتلقى منها توجهات واضحة، ويتم تجديد ولايتها بدعم ساحق من الجمعية العامة بشكل دوري منذ إنشائها.

تعتبر "الأونروا" اللاجئ من فلسطين بأنّه :  الشخص الذي "كانت فلسطين مكان إقامته الطبيعي خلال الفترة ما بين (1/ حزيران/ 1946 - 15/ أيار/ 1948) والذي فقد منزله ومورد رزقه نتيجة الصراع الذي دار عام (1948)".

وفقاً لهذه المعايير الدولية يعتبر أطفال وأحفاد اللاجئين الفلسطينيين لاجئين، ولا يمكن تجريدهم من وضعهم وحقوقهم كلاجئين، وفقاً للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، وبقائها سارية المفعول في انتظار حل عادل على أساس القرار (194).

وأكد ذلك مفوض عام الأونروا بيير كرينبول حديثاً عندما قال: "تعتبر مفوضية اللاجئين الدولية أطفال وأحفاد اللاجئين الذين فرّوا من أفغانستان عام 1979 لاجئين، وهذا لا يختلف بأي شكل من الأشكال عن لاجئي فلسطين واللاجئين الأفغان، أو اللاجئين من أنغولا أو بورما أو بوروندي أو السودان أو أي مكان آخر. وهو يرتكز على فكرة أن وحدة الأسرة ومبدأ وحدة الأسرة هي التي تجعل الأسر موحدة ومجتمعة كواحدة من المعايير الأساسية لإدارة أزمات اللاجئين".

عمل ومهام وكالة الأونروا:

كلفت الجمعية العامة للأمم المتحدة الأونروا "بتقديم الدعم والخدمات بما في ذلك الدعم في حالة الطوارئ،  وتقديم الحماية للاجئي فلسطين في مناطق ولايتها ليتمكنوا من تحقيق كامل إمكاناتهم في مجال التنمية البشرية وذلك إلى أن يتم التوصل لحل عادل ودائم لمحنتهم.

تقدم الأونروا الدعم لـ (5،4) مليون لاجئ فلسطيني في الأردن ولبنان وسورية والضفة الغربية وقطاع غزة.

وفق إحصائيات "الأونروا"، يعيش ثلث لاجئي فلسطين المسجلين لديها، أو ما يزيد عن (1,5) مليون لاجئ، في (58) مخيماً معترفاً به للاجئين في مناطق ولايتها.

تشكل "الأونروا" منذ سبعين عاماً شبكة أمان حيوية للاجئي فلسطين، وتقوم بتلبية خدمات التعليم والرعاية الصحية والاجتماعية والبنية التحتية وتحسين المخيمات والحماية والاقراض الصغير لحوالي (5.4) مليون لاجئ من فلسطين مسجلين لديها.

التمويل ووكالة الأونروا:

يتم تمويل الأونروا من قبل الدعم السخي من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والمنظمات الحكومية مثل الاتحاد الأوروبي ومنظمة التعاون الاسلامي، وتمثل هذه المصادر مجتمعة أكثر من 92 في المائة من المساهمات المالية للوكالة، ويلعب الأفراد دوراً كبيراً في الاستجابة لاحتياجات لاجئي فلسطين، خاصة في حالات الطوارئ.

تقدر موازنة "الأونروا" العادية بأكثر من مليار دولار سنوياً، حيث بلغت عام (2017) نحو (1.2) مليار دولار.

تعرضت الأونروا إلى أزمات مالية خلال تاريخ عملها، إلا أن التمويل بشكل عام لا يلبي الحاجات المتزايدة للاجئي فلسطين بسبب زيادة عدد اللاجئين المسجلين، وبسبب عدم الاستقرار والأزمات الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والصراعات التي يواجهونها في المنطقة، إضافة إلى هشاشة الأوضاع التي يعيشونها وفقرهم المتفاقم.

لكن الأزمة المالية التي تمر بها اليوم هي الأشد حرجاً على الإطلاق، حيث تعاني عجزاً حاداً بعد أن قررت الولايات المتحدة وقف مساعدات وصلت إلى (300) مليون دولار عام (2018) وحده، علماً أن الولايات المتحدة كانت من أكبر المانحين.

إضافة إلى المساهمات الطوعية، أطلقت "الأونروا" حملة عالمية لجمع التبرعات لمواجهة الفجوة التمويلية الحادة بعنوان "الكرامة لا تقدر بثمن" في كانون الثاني من عام (2018)، تهدف إلى فتح مسارات جديدة للتمويل وزيادة الوعي حيال محنة لاجئي فلسطين.

وجمعت الحملة (238) مليون دولار منذ بداية العام، إلا أنَّ الأونروا لا تزال بحاجة إلى (217) مليون دولار للإبقاء على مدارسها مفتوحة حتى نهاية العام، وتقديم الخدمات الأساسية الأخرى بما فيها الرعاية الصحية والمعونات الغذائية وغيرها.

محاولات تفكيك الأونروا ستدفع المنطقة لمزيد من التوتر وعدم الاستقرار:

من المؤسف أن تقرر الإدارة الأمريكية تسييس العمل العظيم، الذي تقوم به الوكالة، حيث قامت على نحو خطير بربط المساعدات الانسانية للشعب الفلسطيني بالرضوخ لإملاءاتها وشروطها المخالفة لقواعد القانون الدولي، متجاهلة حقوق شعب فلسطين وعدم احترامها. كما تجاهلت التأثيرات الخطيرة التي ستنتج عن تقليص الأموال والخدمات التي تقدمها "الأونروا" لملايين اللاجئين من فلسطين الذين يعتمدون على المساعدات الدولية في ظل غياب حل عادل لقضيتهم.

ويعكس هذا الموقف الأحادي غير الانساني التناقض الرئيسي بين التصرفات الامريكية تجاه "الأونروا" ومزاعمها بذل الجهود من أجل تنفيذ مشاريع انسانية لضمان "رخاء وسعادة سكان قطاع غزة".

إن تقليص تمويل وخدمات الأونروا والضغط على اللاجئ الفلسطيني سواء الذي يعيش في ظل الاحتلال أو في المنافي لإيجاد بدائل سياسية وإنسانية سيدمر كل إمكانيات الوصول إلى تسوية سياسية، وسيكون له تداعيات سلبية جدا بما فيها:

- إلغاء الخدمات الهامة مثل الصحة النفسية لمجتمع اللاجئين، وغياب المساعدات الإغاثية وخطر عدم دفع الرواتب للموظفين في حال عدم تلقي الأموال في الموقت المناسب، وفصل نحو (113) شخصاً من أعمالهم للمرحلة الحالية فقط، وتحويل (500) شخص إلى الدوام الجزئي، ووقف (325) ألف قرض بقيمة (368) مليون دولار للمساعدة في إقامة مشاريع انتاجية للشباب والمرأة.

- توقف (685) مدرسة تابعة للأونروا في سورية ولبنان والأردن وقطاع غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وتسرب أكثر من (515) ألف طالب وطالبة من المدارس، وتوقف (22) ألف موظف في حقل التعليم عن العمل.

- إغلاق نحو  (145) عيادة تقريباً بشكل عام، وايقاف أكثر من (3300) موظفاً في القطاع الصحي، وتوقف الخدمات الصحية عن (3.1) مليون لاجئ/ة فلسطيني/ة،

- حرمان (255،024) لاجئ/ة من دعم شبكة الأمان الاجتماعي وحرمان (5،15) مليون لاجئ/ة من التمتع بالحماية الدولية الموكلة للأونروا.

- توقف (267) مدرسة و(21) مؤسسة صحية عن العمل في قطاع غزة لوحده الذي يعتمد فيه ثلثي سكانه اللاجئين على المساعدات والخدمات التي تقدمها الأونروا.

لن تؤدي هذه التطورات إلا لتعميق وتفاقم مشكلة لاجئي فلسطين، وسيزيد من عرقلة الجهود للتوصل إلى حل عادل، كما سيزيد من شعور اللاجئ الفلسطيني بالظلم وعدم الانتصاف لحقوقه وتحقيق العدالة، وسيتعين حينها على المجتمع الدولي التعامل مع حقيقة اندلاع اضطراب اجتماعي واقتصادي وانساني يولد اليأس الذي سيولّد بدوره العنف ويعيد انتاجه، الأمر الذي سيؤثر سلباً في زيادة التوتر ليس على فلسطين وإسرائيل فحسب، بل سيؤثر على الاستقرار والأمن والظروف الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية في البلدان المضيفة في الشرق الأوسط والعالم بأكمله.

الكرامة لا تقدر بثمن:

كشفت الأزمة الأخيرة التي واجهتها "الأونروا" عن عمق الأزمة التي يواجهها شعب فلسطين في ظل غياب أفق سياسي، ومحاولات تصفية وجوده وحقوقه من جهة، وكشفت من جهة أخرى عن تضامن قوي وفعال من المجتمع الدولي والدول المانحة والمانحين الجدد وأفراد عديدين في العالم ممن اصطفوا إلى جانب الحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني والعدل والانسانية. وإن جميع أبناء الشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجدهم في الوطن والمنافي ومخيمات اللجوء يعربون عن شكرهم وتقديرهم العميقين إلى:

مفوض عام الأونروا، الذي وقف بصلابة لا سابق لها في حماية الأونروا وتفويضها واستمرارها في تقديم خدماتها حتى عودة لاجئي فلسطين إلى ديارهم.

والدول المانحة من جميع دول العالم التي تبرعت بسخاء، واحترمت التزاماتها وفقاً لقرارات الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي وحقوق الانسان والقيم المشتركة.

والأغلبية الساحقة من الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة التي اضطلعت بمسؤولياتها السياسية والقانونية في حماية حق العودة واستمرار عمل الأونروا المكفول في الشرعية الدولية إلى أن يتم التوصل إلى حل عادل ودائم.