النجاح الإخباري - يستعد أهالي قرية "صندلة "، في الداخل الفلسطيني، هذه الايام، لإحياء الذكرى السنوية الستين، للمجزرة الأليمة التي وقعت في 17-9-1957، جراء انفجار جسم مشبوه، يتهم بعض الأهالي الاحتلال الاسرائيلي بزرعها على الطريق الذي يمر منه طلاب القرية يومياً، وأدى لاستشهاد 15 شخصاً من عائلة "العمري" بينهم 3 أشقاء، وإصابة 3 أطفال آخرين نجوا من الموت بأعجوبة، لكنّهم دفعوا الثمن غالياً وما زال أحدهم يعاني من الإعاقة حتى اليوم.

لن ننسى...

ورغم مرور السنوات، يعتبر هذا التاريخ مؤلماً وصعباً لأهالي قرية "صندلة " خاصة، والمجتمع العربي عامة، الذي لم ينسى تفاصيل ووقائع المجزرة المروعة، كما يقول المربي المتقاعد والناشط الثمانيني، مصطفى أحمد عمري، الذي يعتبر من منسقي الفعاليات، ويضيف: "رغم مرور السنوات وتوالي الاحداث، ما زال جرحنا ينزف ووجعنا كبير، فكيف ننسى أطفالنا الابرياء الذين فقدناهم في لحظة وهم في عمر الزهور دون ذنب أو سبب"، ويتابع: "استغل الحكم العسكري الاسرائيلي الاوضاع والظروف في تلك الفترة لإغلاق ملف المجزرة وكتم الحقيقية، ولكن توجهنا من خلال لجنة المتابعة وكافة الفعاليات في الداخل وأهالي قرية صندلة لإحياء المناسبة، تؤكد حقنا المشروع في التحقيق وكشف الحقيقة الكاملة عمن يقف وراء الجريمة التي قتل فيها أطفالنا دون ذنب أو سبب".

من الذاكرة...

الأطفال الضحايا، كانوا طلاباً في مدرسة تقع في قرية "مقيبلة"، والتي كانت كما يروي الناشط العمري "مشتركة ومختلطة للطلاب من الجنسين من قريتي صندلة ومقيبلة وللوصول إليها كان طلاب صندلة المرور عبر طريق ترابية تمتد على مسافة 2 كيلو متر، وبسبب عدم توفر المواصلات في تلك الحقبة، يضطر الطلاب رغم صغر سنهم، للمرور في كل المواسم صيفاً وشتاءً عبر الطريق التي تضم حقولاً مزروعة"، ويضيف: "هذه الارض، كانت بالأصل تابعة لقرية الجلمة، لكن بعد نكبة عام 1948، استولت عليها اسرائيل وضمتها، ومنحتها للوكالة اليهودية التي كانت تزرعها، ولخصوبة وتميز اراضيها كانت تزرع وتجري فيها الحصيدة في كل المواسم، وفي الفترة التي وقعت فيها المجزرة، زرعت الارض بالذرة الحمراء".

من المسؤول؟

حتى اليوم، لم يتمكن أحد من حل لغز الطريقة التي وصلت فيها "القذيفة " للموقع الذي لم يكن يمتلك فيه أحد القنابل والألغام سوى الجيش الاسرائيلي، الذي كان يتواجد في المنطقة بشكل دائم، ضمن الحراسة والمتابعة المستمرة لاراضي المناطق الحدودية القريبة من خط الهدنة، مثل الجلمة وصندلة ومقيبلة وغيرها، لذلك لا يستبعد الكثيرون أن يكون الجيش هو من وضع القنبلة في المنطقة، يقول الناشط العمري: "من أولوياتنا معرفة الحقيقة، ورغم رفض التحقيق فيها، لن تتوقف جهودنا حتى الوصول للحقيقة وتحديد المسؤول عن ايصال وزرع القنبلة في طريق الطلاب، فالجميع كان يعرف أنهم يمرون يومياً من تلك الطريق، وتجارب التاريخ تعلمنا انه مهما طال الزمن سيأتي يوم وتتكشف فيه الحقائق بشكل واضح".

اليوم الأسود...

كعادتهم، بعد انتهاء الدوام الدراسي في يوم 17-9-1957، غادر طلبة صندلة الذين تتراوح أعمارهم بين 8-13 عاماً، مدرستهم في مقيبلة، لكن حتى في أسوا كوابيس العمر لم يتوقع أحد النكسة الجديدة، ويتحدث الناشط العمري: "في الطريق، عثر الأطفال على جسم مثير موضوع على قارعة الشارع، مما أثار انتباهم، وعندما اقتربوا منه ولمسوه ولم يحدث شيء، تحول للعبة كأنه كرة قدم، قاموا بركله بأقدامهم"، ويروي قائلا: "بعض الطلاب عادوا لمدارسهم، لكن فريقاً آخر وعندما لم يحدث شيء، ازداد عددهم، فبدأوا بدق الجسم بالحجارة، ومر الوقت بين مغادرة مجموعة بعد أن تعبوا من اللعب، وانضمام طلاب آخرين قاموا بدق الجسم بقوة كبيرة".

الانفجار المروع...

عمّت أجواء الذعر والرعب لدى أهالي قرية "صندلة " عندما سمعوا صوت انفجار قوي ومدوٍ، لكن هول المنظر عندما وصلوا للموقع كان أصعب وأقسى مما يحتمله بشر، ويقول الناشط العمري: "المنطقة التي كان يلعب فيها الاطفال، أرض مفتوحة ومستوية ولا يوجد فيها بنايات او مصانع وأي شيء يحجب الصوت، لذلك عندما انفجر الجسم المشبوه بالأطفال اهتزت المنطقة، ووصل صداه لمسافات وأماكن بعيدة، وروّع المواطنين الذين كانوا قريبين من المنطقة بعدما شاهدوا أشلاء أطفالنا تتطاير في السماء"، ويضيف: "سارعنا جميعاً للتوجه إلى المنطقة، الجميع غادر منزله أو متجره أو مزرعته وكان يركض مذهولاً، النساء والشيوخ والشبان وحتى الاطفال والاهالي الذين كانوا يعملون في حقولهم، وعاش الجميع الصدمة المروعة".

ويتابع: "القنبلة أدت لتحويل جثت الاطفال لأشلاء متناثرة، وتطاير كل جزء واختلطت الدماء بالارض، وانهار الجميع وسط العويل والصراخ والدموع، لا يمكن نسيان فاجعة وحزن الامهات اللواتي نثرن التراب فوق رؤسهن، كل الكلمات تعجز عن وصف مشهد المجزرة الأليمة".

لحظات قاسية...

لم يغمض جفن لأحد من سكان القرية، وعمّت أجواء الحزن والألم من هول الفاجعة، ويتذكر الناشط العمري أن القرية التي كانت تخضع لحكم الاحتلال العسكري فرض عليها الحصار، بعدما استنفرت الشرطة والجيش الاسرائيلي، لكن الاهالي تجمعوا للملمة أشلاء الشهداء المتناثرة لمسافات طويلة، بينما غمرت حقائبهم الدماء، ويقول: "لا يوجد كلمات في العالم يمكن ان تترجم مشاعر وحزن الناس، كانت مجزرة بحق كل واحد في القرية التي نغيش فيها كعائلة واحدة، وأصبح جمع الأشلاء أصعب وأقسى مهمة، فقد اختطلت الاشلاء، ولم يكن أمامنا سوى جمعها في الاكياس ودفنها كما هي"، ويضيف: " الأطفال الثلاثة الذين نجوا، كتب الله لهم عمراً جديداً، لكنّهم في حالة يرثى لها، وهم يتعايشون مع تلك الصور، اثنين منهما يعانيان من اعاقة، والثالث تعرض لمضاعفات في الدماغ".

بعد المجزرة...

يروي العمري أن قرية صندلة خضعت لحصار مشدد من الاحتلال الذي منع الدخول إليها أو الخروج منها، خاصة للقوى والشخصيات والاحزاب، ومنع الجميع باسثتناء أهالي القرية من المشاركة في تشييع جثامين الأطفال القتلى، ورفض الحاكم العسكري الاسرائيلي فتح تحقيق في الحادثة، ونشر روايته "أن أهالي الضحايا يؤمنون بالقضاء والقدر ولا يرغبون بتدخل أي انسان، أو ملاحقة هذا الملف"، ويضيف: " المجزرة أثارت ردود فعل غاضبة، وتحركت القوى والاحزاب والاحرار من ابناء شعبنا وخاصة الحزب الشيوعي وأعضاء الكنيست ووسائل الاعلام العربية، مطالبين بتشكيل لجنة تحقيق في هذه المأساة، لكن دور الحكم العسكري الاسرائيلي وعدم وعي الاهالي الحقيقي وصعوبة أوضاعهم أغلق القضية".

إحياء الذكرى...

في نفس التاريخ، تواصل قرية صندلة احياء ذكرى الشهداء سنوياً، لكن ذلك بالنسبة لذويهم وفعاليات القرية والداخل لا ينصف الشهداء ويعيد لهم حقهم، لذلك شُكلت لجنة متخصصة لإحياء الذكرى.

ويقول العمري الذي يعتبر من مؤسسي اللجنة: "بدأنا تحركنا الجديد منذ 10 سنوات لنكشف الحقيقة، وقد توجهنا لجمعية عدالة في مدينة حيفا، لمساعدتنا والوصول للنتائج الحقيقية، وبذلنا جهودا كبيرة واتصالات مكثفة، مدعومة بوثائق من ارشيف الشرطة، لكن فوجئنا عندما أبلغونا أن القانون الاسرائيلي وبناء على قانون التقادم، لا يسمح بالوصول الى النتيجة المرضية"، ويضيف: " الجواب لم يكن مقنعاً، فقررنا التوجه لاثارة القضية على مستوى المجتمع العربي في الداخل، وأول الخطوات لإعادة فتح القضية، قرار من ذوي الشهداء واللجنة المحلية في صندلة بتنظيم مهرجان قطري يوم السبت، بالتعاون مع لجنة المتابعة العليا العربية وجمعية الحريات والأسرى، ونأمل نجاحه بحضور زخم كبير من المسؤولين القادة من عرب الداخل"، ويكمل: "ستكون هذه الرسالة الأولى التي سيتبعها خطوات متلاحقة للانتصار لدم الشهداء، والكشف عمن يقف خلف الجريمة، ومعاقبة كل من يثبت تورطه في مجزرة صندلة التي لن تنسى".

أسماء الشهداء...

الأشقاء آمنة عبد الحليم العمري، 10 سنوات، طالب 13 عاماً، وغالب 8 سنوات، محمد عبد الله العمري 13 عاماً، فؤاد عبد الله العمري 8 سنوات، اعتدال عبد القادر العمري 9 سنوات، رهيجة عبد اللطيف عمري 8 سنوات، سهام زكريا عمري 8 سنوات، صفية محمود عمري 8 سنوات، عبد الرؤؤف عبد الرحمن عمري 8 سنوات، فاطمة احمد يوسف عمري 10 سنوات، فهيمة مصطفى عمري 8 سنوات، محيي الدين سعد عمري 9 سنوات، يوسف احمد محمد عمري 8 سنوات، ويحيى احمد حسن عمري 9 سنوات.