النجاح الإخباري - غزة
 
ليس المهم البداية إنما العبرة في  النهاية.. ينتظر سكان قطاع غزة بفارغ الصبر والتأمل أن ينتهي هذا الكابوس الأسود والذي استنزف طاقاتهم البشرية والمادية والمعنوية في ظل حصار مفروض وحروب مرَّت ودمَّرت، وتركت القطاع يرزح في العديد من الأزمات، من إغلاق للمعابر والحرمان من السفر والعلاج وانقطاع للكهرباء والتلوث البيئي واستهداف المواطن شرقًا وغربًا...
 
في الرابع عشر من حزيران من عام (2007م)، أخضعت حركة حماس قطاع غزة لحكمها، دون أن تعي نتائج فعلتها على المدى القريب أو البعيد، وظلت المراهنات على اللعبة الدوليَّة والإقليمية والتغيرات الجديدة التي طرأت على المنطقة، والتي كانت في بعض الأحيان تسير لصالح الحركة حتى ما وصلنا اليه اليوم.
 
يقول "د. مخيمر أبو سعدة" المحلل السياسي والأستاذ الجامعي في تصريح خاص للنجاح الإخباري: "إنَّ 14 حزيران هي الذكرى العاشرة للانقسام الذي حصل بين حركتي فتح وحماس، ومنذ سيطرة حركة حماس على قطاع غزة فرضت إسرائيل إغلاقًا وحصارًا أدى إلى رفع نسب الفقر والبطالة حيث إنَّ (70%) من السكان في قطاع غزة البالغ عددهم (2) مليون يعيشون تحت خط الفقر ويتلقون المساعدات من وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين وبرنامج الغذاء العالمي وارتفاع نسب البطالة التى تصل إلى (43%) و(60 %) بين طلبة الجامعات.
 
وأضاف د. أبو سعدة: " إنَّ هناك أزمات متراكمة مثل إغلاق المعابر وخاصة معبر رفح، وهو المعبر الوحيد بين غزة والعالم الخارجي لأنَّ معبر إيرز لا تسمح إسرائيل بعبوره إلا لعدد محدود من الفلسطينيين، وهناك أزمة الكهرباء التي تتراكم، وازدادت الأمور سوءًا في الشهرين الماضيين بعد قيام الحكومة الفلسطينية بخصم رواتب الموظفين في قطاع غزة ما بين (30% -50%) الذي أدى إلى تضرر عدد كبير من هؤلاء الموظفين البالغ عددهم (50) الف موظف.
 
وأكَّد "د. أبو سعدة" أنَّ الأوضاع في قطاع غزة بشكل عام كارثية، خاصة بعد تعرض غزة لثلاث حروب في الأعوام (2008 و2012 و2014) حيث إنَّ الدمار الذي الحقته إسرائيل في غزة لا زال ماثلًا أمام أعين الفلسطينيين، ويبدو أنَّ الأوضاع تتجه إلى المزيد من الكارثية والمأساوية في ظل استمرار الحصار والإغلاق الإسرائيلي والإجراءات التي أقدمت عليها في قطاع غزة.
 
وأوضح د. أبو سعدة، أنَّ حالة الفقر والبطالة والإحباط والياس لدى الناس والأوضاع الإقليمية والدوليَّة التي صنَّفت حماس بأنَّها تنظيم إرهابي وإغلاق الأبواب العربية في وجه حماس، دفعت الحركة إلى التفاهم مع تيار دحلان للتوصل إلى تفاهمات تخرج قطاع غزة من الأزمة الإنسانية المتفاقمة وتخرج حماس من العزلة السياسية التي فرضت عليها من الجانب الدول العربية والتصنيف الأمريكي بأنَّها منظمة إرهابية.
 
وأضاف، أنَّ الهدف من هذه التفاهمات الأخيرة بين حركة حماس وتيار دحلان هو تخفيف المعاناة اليومية لمليوني فلسطيني في قطاع غزة وتصب في خدمة حماس بحيث تخرجها من الأزمة والعزلة السياسية المفروضة عليها الآن.
 
د. يوسف يعتذر
 
يقول د. أحمد يوسف مستشار إسماعيل هنية السياسي في مقال نشر: " بمناسبة الذكرى العاشرة لمأساتنا الوطنية، حيث ذهبت دماؤنا هدراً في لحظة فورة غضب، وانتهكنا فيه أعراضنا وقيمنا الوطنية، في صراع على السلطة وقراءات سياسية خاطئة لبعضنا البعض، وانشغلنا بمعركة حامية الوطيس بين أبناء الوطن الواحد وعلى مقربة من الأعداء الذين كانوا يتربصون بنا الدوائر، وينتظرون تلك اللحظة، حيث خسرنا كل ما أنجزناه على مدار عقود من التضحيات والثورة"، مضيفًا " أيام وسنوات كانت حالكة وكارثية على شعبنا وقضيتنا، نتذكرها ونقول: "الله لا يعيدها من أيام".
 
ويبرر د. يوسف في مقاله الأحداث التي حصلت بقوله: "من الجدير ذكره، أنَّنا لسنا أوَّل شعب يقتل بعضه بعضاً، ولسنا ضرباً مغايراً من الشعوب والأمم التي طحنتها الحروب الأهلية، ولسنا الأول والآخر من بين الدول التي استعرت في جنباتها وبين أعراقها وإثنيَّاتها تلك الصراعات التي أكلت الأخضر واليابس.
 
"إن صفحات التاريخ مليئة بتلك المواجهات الدامية والحروب المفتوحة على خلفيات سياسية، ولكن الحقيقة التي صاحبت كل ذلك، هي أنَّ كل هذه الدماء والعداوات وجدت في النهاية حكيماً يضع حداً لها، وينجح في جمع الشمل وإعادة إعمار كل ما خرَّبته تلك الصراعات بين أبناء الوطن الواحد ولو بعد حين، حيث عادت المياه إلى مجاريها، واستقرت أحوال البلاد والعبادة من جديد" بحسب مقاله.
 
وبعد سرده لأحداث تاريخيَّة كان فيها النزاع على السلطة يتساءل: "أين نحن من تجارب الآخرين؟" ويقول: "كنا كفلسطينيين نعتقد أنَّنا محصنين ضد كل ما وقع لدول وشعوب وعرقيات أخرى، ولكنَّنا اكتشفنا بعد الذي وقع بيننا من مواجهات دامية في يونيو (2007)، بأنَّ لنا من الطبائع والنزوات مثل من سبقنا من الخلائق، بالرغم مما تراكم عندنا من اعتقاد أنَّنا مبرأين من الخطيئة والخطأ؛ لأنَّ طهارة الأرض وبركتها سوف تعصمنا من كل ذلك، وتحمينا من الانزلاق والزلل.
 
وهنا يعترف ويقول: "لا شك أنَّنا بحاجة إلى أن نقرَّ بالخطأ والاعتذار لشعبنا كخطوة أولى، والاعتراف بأنَّ ما جرى في يونيو (2007) من أحداث مأساوية كان جريمة مكتملة الأركان، حيث استباح الفلسطيني دم أخيه الفلسطيني على خلفية من المكائد والخلاف الفكري والخصام السياسي.
 
"ما وقع كان خطيئة شاركنا جميعاً كفلسطينيين في اقترافها، والمطلوب منا - الآن - كقيادة حركات وفصائل ألا نكابر وأن نعترف بذلك".
 
"نعم، هناك – للأسف - من ولغ حتى الثمالة في الدماء، وهناك من كان يتفرج على الصراع وهو يهيج ويستعر ولم يفعل شيئاً، وهناك من كان بصمته واعتزاله يصب الزيت على النار، وكان بإمكانه أن يصرخ في وجه الطرفين ليقول: كفى، ولكنَّه لم يفعل. وهناك وهناك".
ويختم د. يوسف مقاله بالقول: " إنَّ جرحنا ما زال مفتوحاً، فإنَّ من الصعب التأسيس لثقافة وطنية تنسينا أوجاع وآلام كل ما وقع في (يونيو /2007)، ثقافة عنوانها الاعتذار بكل ما يعنيه من تظهير لمبادئ التسامح والتغافر والتآخي، وإشاعة معاني الحب بين أبناء الوطن الواحد".
 
"وبانتظار الانتقال من خطوة الاعتذار إلى إنجاز المصالحة المجتمعية ومنها للمصالحة الوطنية، فإنَّ الحديث عن شراكة سياسية ومشروع وطني للتحرير والعودة تظل ضرباً بعيداً من الأماني والأحلام وهرطقات الخيال".
 
"إنَّ ما يصلنا من القاهرة اليوم إنَّما هو إرهاصات لما يمكن أن نحلم به في قادم الأيام من اجتماعٍ يلتئم فيه شمل الشعب والوطن".
 
خزان الاحزان
 
بذات العنوان كتب شفيق التلولي مقالًا بعنوان"حزيران خزان الاحزان" يستذكر الأحزان والأيام السوداء التي مرت على قطاع غزة، وحالة الألم والوجع الكبير فيقول: " لستُ إلا واحدًا من سبعمائة جريح من جرحى وقتلى أحداث "الإنقلاب الأسود" الذي أنتج ظلام الانقسام الطويل وأعوام الرمادة العشر..." "أذكر آناتهم وصرخاتهم وصياحهم وأحاديثهم وحكاياتهم مع البارود الذي نال من أجسادهم، أحدهم لا يريد أن يرى أرجله المقطوعة في المرآة وواحدة تتعالى صرخاتها ألماً كلما اشتد عليها الجرح وآخرون في انتظار البتر بمن فيهم أنا؛ لكنني نجوت من ذلك وقدر الله أن يفلح العلاج في القضاء على الميكروب الناتج عن الرصاص الذي اخترق ركبتي وأعاق وظيفتها".
 
ويضيف التلولي: " كنَّا يومها حديث الساعة وظننا أننا أكبر كارثة أنتجها الانقلاب، لم نكن نعلم بأنَّ غزة كلها ستتقلب على صفيح ساخن لسنوات من الضياع يضرب فيها الظلام أطنابه، وحرب تسلمنا إلى حرب، وفقر وبطالة وظلم وحصار وسجال وجدال بين هذا وذاك حتى توزعت دماءنا بين القبائل وبتنا نبحث عن بقعة ضوء وطوق نجاة".
 
وعبر التلولي عن خيبة أمله فقال: "كجريح من جرحى ذلك "الانقلاب" أقول بأنني كغيري كل يوم أصاب بخيبة أمل جديدة؛ جراء ما يحدث من هرج ومرج لن يفضي إلا لمزيدٍ من المعاناة التي تكبدناها وما زلنا نتكبدها، فما عدنا نسمع غير "فلان" سافر وعاد "فلان" والتقى "علان" مع "علان"، وتِهنا بين شدٍ وجذب وتهديد ووعيد وتحميل مسؤوليات وحجر مستحقات ومنع من السفر لعلاج آثار ذلك الجرح وتضييق وخناق واستهدافنا في أشياء كثيرة، ناهيك عن القمع والإعتقال على خلفية الرأي والكلمة ومصادرة الحريات، كلها والحمد لله طالتني وربما طالت آخرين من جرحى الانقلاب، فشكراً يا سادة على كل هذا".
 
وختم بالقول: "يا قوم، تذكروا بأنَّ الشمس القائظة تلهب الصفيح، تذكروا أنَّ "أبا الخيزران" أشغله سفلة الحدود في تفاصيل وهم الراقصة والطبال؛ ولم يدق صحبه جدار الخزان، تذكروا بأنَّ ذوي الأرجل المقطوعة سبقتهم لعبة الصمت قبل أن يزحفوا على صدورهم ويغرقوا في تفاصيل العتمة.
 
"لا تدعونا نسقط من جلباب الوطن في براثن الكذبة الكبرى التي لا يدحضها غير الوحدة الوطنية وتجاوز هذا الإنقسام البغيض ورحمتنا من فصل الظلام العتيم".