النجاح الإخباري - خاص:

أبدت اوساط سياسية فلسطينية توجسا عقب تنامي ما وصفته بالدور القطري "المريب" في قطاع غزة خارج سياق السلطة الفلسطينية وحكومة الوفاق الوطني، وهو ما يعزز فرضية "حكومة الأمر الواقع" التي تديرها حركة حماس في القطاع.

أول هذه المخاوف أطلقتها حركة "فتح". اذ حذرت الحركة من الدور الذي تلعبه دولة قطر بالتنسيق المباشر مع "اسرائيل" لإعادة اعمار قطاع غزة.

واستهجنت الحركة في بيان صدر عنها الأحد ما وصفته بسلوك السفير القطري محمد العمادي، رئيس اللجنة القطرية الإعمار غزة، والذي تجاوز من خلاله عن سابق إصرار القيادة الفلسطينية على حساب الشرعية، عندما اتهم أطرافا في السلطة بعرقلة حلول لأزمة الكهرباء في قطاع غزة.

السفير العمادي

فموقف الحركة المتقدم يدفع أسئلة كثيرة الى الواجهة، اولها ماهية الدور المريب الذي تنفذه قطر، وسط أتهام الدوحة "بتعزيز الانقسام الفلسطيني الداخلي"؟

القيادي في حركة فتح أمين مقبول أكد في تصريح خاص لـ "النجاح الإخباري" الاثنين على أن مخاوف الشرعية الفلسطينية تبدو مشروعة في ظل اتجاه قطر الأحادي للإعمار المباشر بالتنسيق مع إسرائيل وحركة حماس، في الوقت الذي تجمع فيه كافة الدول المانحة على ضرورة أن مرور أي أموال ودعم لإعادة اعمار القطاع عبر حكومة الوفاق الوطني.

وكشف مقبول عن حجم المخاوف الكبيرة داخل القيادة بسبب ما وصفه بـ"طبخة المشروع الانفصالي الذي تسعى له حركة حماس للانفصال بقطاع غزة عن الضفة الغربية".

وتزعم مصادر عليمة أن التجاهل للقيادة الفلسطينية من جانب قطر، يدفعها للتشكيك في الدور الجديد الذي تقوده الدوحة، من خلال هدنة طويلة الأمد، لا تشارك السلطة فيها، ما يعيد مجددا الى الواجهة المخاوف من المخطط القائم على فصل غزة عن الوطن.

ويذهب المحلل السياسي من قطاع غزة أكرم عطا الله للقول ان الحكم على الدعم القطري لملف إعمار غزة مرهون بالعديد من المعطيات وبحاجة الى تدقيق أعمق ورؤية أشمل من مجرد تصريح هنا أو هناك.

ورأى عطا الله في تعليق له لـ"النجاح الإخباري" أن قطر تتعامل مع الأطرف الفلسطينية بتفاوت وان الحديث عن تجاوز للحظة الاخيرة للتمثيل الفلسطيني الشرعي وحكومة الوفاق الوطني ليس واقعيا لدرجة كبيرة.

وشدد عطا الله على ان التنسيق الاحادي مع حماس يخدم مشروع الانقسام القديم.

ومن دلائل تجاهل القيادة الشرعية وفقا للعارفين بملف اعادة إعمار غزة، هو وصول رئيس لجنة إعادة اعمار غزة السفير القطري محمد العمادي إلى القطاع دون التشاور مع رام الله لتنسيق الخطوة القادمة، وبدون حتى إبلاغ المسؤولين في السلطة عن موعد الزيارة .

وحسب مصادر خاصة فان امير قطر الشيخ حمد بن خليفة ال ثاني عندما زار هو وزوجته قطاع غزة عام 2012 تعهد بدفع مليار دولار لإعادة إعمار القطاع، بالتالي فان ما قدمته قطر من دعم للقطاع يندرج ضمن هذا المبلغ، علما أنها لم تنفذ تعهداتها بدفع مليار دولار آخر وعدت بصرفه خلال مؤتمر القاهرة. 

وفي الوقت الذي لا يتوقف فيه الحديث عن تداعيات التنسيق القطري مع "اسرائيل" عند عتبة حركة فتح، يبدو ان اليسار الفلسطينيّ ايضا دخل على خط التحذير من مغبة هذا التنسيق وخطورة القفز عن التمثيل الفلسطيني الشرعي.

وفي هذا الخصوص اتهم عضو المكتب السياسيّ لحزب الشعب الفلسطينيّ في غزة وليد العوض الدور القطري بـ"تجاوزه" البعد الإنسانيّ إلى تثبيت نفوذ قطر في فلسطين عبر التنسيق مع "إسرائيل" بشكل احادي واطلاق الاتهامات من خلال تصريحاته المسجلة لوسائل اعلام اسرائيلية.

وأكد العوض في تصريح لـ"النجاح الإخباري" ان السفير القطري يلعب دور المندوب السامي ولا يجوز القفز على ما اسماها الحواجز، بما لا يخدم بأي حال من الأحوال مصلحة الشعب الفلسطيني. وفقا للعوض.

وأضاف العوض:"رحبنا ونرحب بكل ما يقدم لاعمار غزة على ان يتم تقديم هذه الاموال عبر البوابة الشرعية وهي الحكومة الفلسطينية".

وتابع العوض: "ولا يجوز ان تمر من البوابة التي تم تدمير غزة من خلالها".

عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين رمزي رباح شدد بدوره على ضرورة ان يتم ترحيل ملف الإعمار بالكامل الى جهة رسمية فلسطينية، وذلك في اشارة الى حكومة الوفاق الوطني للإشرف والمتابعة على كل مراحل الاعمار وعدم اتاحة الفرصة امام اسرائيلي للتدخل في هذا الملف.

حركة حماس حاولت في أكثر من مناسبة الدفاع عن نفسها، إذ قال ناطق باسمها في تصريحات منشورة: "إنّها لا تخشى زيادة النفوذ القطريّ في الأراضي الفلسطينيّة، فمواقف الحركة السياسيّة لا تخضع لتأثير أحد، وحماس تعتبر الدعم القطريّ في الأراضي الفلسطينيّة جزءا من واجب الدول العربية تجاه الشعب الفلسطينيّ لدعم صموده في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وقطر دولة متقدّمة في هذا المجال من الدعم والإسناد للفلسطينيين".

من ناحيته، أعرب صندوق النقد الدولي في الأشهر الماضية عن قلقه من بطء إعادة إعمار قطاع غزة وذلك بسبب عدم احترام التعهدات التي قطعتها الأسرة الدولية. وأشار صندوق النقد الدولي في تقريره الجديد حول الاقتصاد الفلسطيني إلى أن "عملية إعادة الإعمار في غزة تتقدم ببطء أكثر من المتوقع".

ارقام صعبة ..

وعملت الحكومة الفلسطينية على متابعة المانحين ليتم توفير التمويل اللازم لملف إعادة إعمال المحافظات الجنوبية، وبشكل عام شهد عام 2015 وحتى منتصف 2016 تباطؤ في التمويل وإيفاء المانحين بالتزاماتهم في مؤتمر القاهرة الخاص باعادة إعمار غزة، وهو ما ادى إلى تأجيل تنفيذ العديد من التدخلات التي كان من المنوي تنفيذها.

وتبين الارقام الصادرة عن الفريق الوطني والبنك الدولي نهاية العام الماضي ان مجمل ما تم دفعه حتى ذلك التاريخ بلغ 1.596 مليون دولار بنسبة 45.5 % من مجمل تعهدات المانحين لإعمار قطاع، وما يعادل نسبته 31.4 % من إجمالي التعهدات الكلية للمانحين. وتبلغ تعهدات المانحين في مؤتمر القاهرة (أكتوبر 2014) 5.082 مليار دولار كإجمالي تعهدات المؤتمر خُصص منها 3.507 ملياراً لإعمار القطاع . وبحسب ما أظهره المكتب الوطني فإن 28 دولة التزمت بتعهداتها كاملة من أصل 53 دولة.

ويُولي رئيس الوزراء د. رامي الحمدلله اهتماماً خاصاً لملف إعمار غزة حيث يرأس اللجنة الوزارية المكلفة بملف إعادة الإعمار ويعمل عبر التواصل مع الدول المانحة والمؤسسات للإسراع بالالتزام بالدفاعات المالية التي تكفلّت بها الدول في مؤتمر القاهرة الذي عُقد عقب العدوان على قطاع غزة 2014.  وشكر الفريق الوطني لإعادة اعمار غزة، رئيس الوزراء الفلسطيني على متابعته الحثيثة لتفاصيل عملية إعادة الإعمار، مشيرا إلى أن الحكومة وفرت كل الإمكانيات لدعم عملية إعادة الإعمار، وتعطي أولوية بتعليمات من الرئيس محمود عباس لإعمار ما دمره الاحتلال في عدوانه على القطاع.

ويشار إلى أن الفريق الوطني المكون من وزراء في حكومة التوافق و وكلاء وزارات غزة  للعمل على تسهيل ملف إعادة إعمار غزة، لكن هذا الفريق تعرض لمضايقات من حماس، وخاصة عندما لجأت الحركة إلى إجراء تغيير في وكلاء الوزارات التابعة لها دون الرجوع للحكومة الفلسطينية، وهو ما ادى إلى تعطل عمل المكتب الوطني. 

وتم تأسيس الفريق الوطني بموجب قرار صدر عن مجلس الوزراء في شهر تشرين الاول من العام 2014 بهدف تنسيق التمويل والتخطيط لأولويات إعادة الاعمار.

وبحسب تقديرات خبراء فان الحكومة الفلسطينية ورثت خسائر ثلاث حروب شُنّت على غزة في الأعوام الأخيرة، بالتالي فان دور الحكومة في إعادة إعمار غزة لم ينحصر فقط في إعمار القطاع بعد الحرب الاخيرة التي عقد مؤتمر القاهرة على اثرها.

رئيس الوزراء الفلسطيني د.رامي الحمدالله خلال المؤتمر (ارشيفية)

وتبين الارقام أن ما تم صرفه لإعادة إعمار غزة هو 46% من المبلغ الإجمالي المخصص للاعمار أي مبلغ 1،596 مليار دولار من أصل 3،507 مليار دولار، وتم تخصيص 612 مليون دولار للأمور المستعجلة، و251 مليون دولار للمساعدة في ميزانية الأونروا (وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينين) و89 مليون دولار للوقود، و386 مليونا للبنية التحتية، و253 مليونا عبارة عن مساعدات انسانية طارئة، و299 مليونا لدعم الميزانية الحكومية.

الإسكان وإزالة الركام ومخلفات الحرب

وبحسب الفريق الوطني لإعادة إعمار قطاع غزة فإن نسبة الأضرار في قطاع الإسكان بلغت ​171 ​ألف وحدة سكنية، استطاعت الحكومة توفير نسبة كبيرة من المبالغ المطلوبة لإعادة البناء، فيما لاتزال تعمل على توفير التمويل اللازم لبقية الوحدات المتضررة.

كما بلغت كمية الركام جراء عدوان 2014 ما مقداره ​2 طن ، حيث تمت إزالة 1,055,852 ألف طن من قبل البرنامج ​الإنمائي للأمم المتحدة (يو.ان.دي.بي) وحوالي 800 طن من قبل المواطنين والقطاع الخاص أي ما يعادل 93%. وبحسب الإحصائيات الرسمية فإن 2,873 جسماً متفجراً تمت إزالتها من ضمن 7 آلاف جسم أي ما يعادل 41%.

الكهرباء والمياه

بلغت أضرار قطاع الكهرباء 58 ​مليون دولار، فيما استطاعت الحكومة توفير ​33,4 مليون دولار لتمويل مشاريع إعادة إعمار قطاع الكهرباء والذي تم توفيره خلال 2015.

كما تعمل الحكومة الفلسطينية برئاسة الدكتور رامي الحمد الله على إيجاد حلول استراتيجية دائمة لمشكلة الكهرباء  ومنها مد خط غاز لمحطة الكهرباء ،وزيادة طاقة المحطة وإيجاد مصادر إضافية للكهرباء.

في حين بلغت أضرار قطاع المياه حوالي 34,5 ​مليون دولار ،حيث استطاعت الحكومة توفير ​22,3 مليون دولار من قبل الجهات المانحة ،و وفقا للأرقام الصادرة عن الحكومة عبر الفريق الوطني لإعادة الإعمار فإن نسبة الانجاز في مشاريع اعادة الإعمار فيما يخص قطاع المياه وصلت إلى ​66% .

وتعمل الحكومة على توفير عدة مشاريع استراتيجية من ضمنها محطة تحلية المياه بتكلفة ​410 ​مليون دولار ،حيث يجري العمل مع الأشقاء العرب والاتحاد الأوروبي لتمويل هذه المشاريع.

كما تعمل الحكومة على تمويل خط المياه الناقل بتكلفة 140 مليون دولار، حيث تم توفير تمويل بقيمة ​60 ​مليون دولار من المنحة الكويتية بنسبة ​43% من تكاليف إنشاء الخط، وتعمل الحكومة على جلب تمويل باقي المشروع حيث تمكنت من جلب تمويل بقيمة 10 مليون دولار  من الاتحاد الأوروبي.

قطاع الزراعة والاقتصاد

بلغت أضرار قطاع الزراعة حوالي 266 مليون دولار، واستطاعت الحكومة توفير ​75,4 مليون دولار لتمويل نحو 12 مشروعا.

وتشير الإحصائيات إلى أن ما تم تنفيذه خلال العام 2015 من مشاريع يقدر بحوالي ​12,4 مليون دولار ،فيما تعمل الحكومة على تنفيذ عدد من المشاريع خلال 2016 و2017 تقدر بحوالي ​63 ​مليون دولار في القطاع الزراعي.

وبلغ عدد المنشآت المتضررة خلال عدوان ​ 2014 نحو5,153 منشأة، فيما وصل حجم الأضرار إلى ما قيمته حوالي ​152 مليون دولار.

الحكم المحلي والبلديات

كما بلغت الأضرار المباشرة في قطاع البنية التحتية والحكم المحلي حوالي ​88 ​مليون دولار في قطاعات الطرق، والمباني والمنشآت والمياه والصرف الصحي ومياه الامطار، والطاقة والكهرباء والآليات، والنفايات الصلبة.

فيما بلغت نسبة الإنجاز العام في قطاع الحكم المحلي 24% في عام 2015.

وتعمل الحكومة على صرف مبلغ 72,8 ​مليون دولار خلال العامين 2016، و2017، من خلال المنحة الكويتية ومنح أخرى وصندوق البلديات.

الصحة والتعليم

في غضون ذلك، بلغت أضرار قطاع الصحة حوالي 24 ​مليون دولار، حيث بلغ مجمل ما تم صرفه خلال العام 2015 حوالي 13,8 مليون دولار.

وتعمل الحكومة على تنفيذ مشاريع متنوعة وفقا لحاجة القطاع الصحي في قطاع غزة من أجل الاستمرار في تقديم الخدمات الصحية للمواطنين، وتستهدف المشاريع تدخلات رئيسية تشمل بناء وترميم المستشفيات والرعاية الأولية، وتوفير الوقود والادوية والمستهلكات الطبية ومواد المختبرات والأجهزة الطبية وقطع غيارها ومحطة تحلية كبيرة لمجمع الشفاء.

الجدير بالذكر أن الحكومة استطاعت الحصول على موافقة الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية لإعادة بناء مبنى قسم التوليد في مجمع الشفاء الطبي من المنحة الكويتية، وتقدر تكاليف المشروع بحوالي ​4 مليون دولار.

كما بلغت الأضرار المباشرة في قطاع التعليم حوالي ​259مدرسة تشمل المدارس الحكومية والخاصة ووكالة الغوث.

وبحسب الإحصائيات الصادرة عن الفريق الوطني لإعادة الإعمار فإنه تم إعادة بناء 96% ​من المدارس الحكومية المتضررة، و100% من مدارس وكالة الغوث، و50% من مؤسسات التعليم العالي، و66% من رياض الأطفال.