طلال عوكل - النجاح الإخباري - ما يزال النظام العربي الرسمي، أو ما تبقى منه، على ذمة التاريخ، يقاوم كل محاولات التغيير، التي باتت أكثر من ضرورة، لتجاوز حالة التخلف عن ركب التقدم والتطور.

ربما لا يعلم هؤلاء، أو أنهم لا يريدون ان يصدقوا، بأن بقاء هذه الأنظمة المتكلسة، دونه عوامل داخلية، وخارجية لن تترك لأي منها فرصة البقاء والاستقرار ذلك أن التاريخ يفتح ذراعيه، أمام رياح التغيير، إما بتفجر العوامل الاجتماعية الداخلية، أو بسبب تدخلات خارجية ذات أطماع استعمارية.

القسم من الدول العربية التي تعرضت حتى الآن لعواصف التغيير، بغض النظر، عن دور العوامل الداخلية والخارجية، لا يمكن أن تعود بذات المواصفات التي كانت عليها الأنظمة قبل الربيع العربي، إذ لا يمكن للأثمان الباهظة التي دفعتها الشعوب، أن تذهب هدرا. صحيح أن الدول العربية قد تجاوزت مخططات التفكيك إلى كيانات طائفية أو دينية او عرقية أو قومية، تحتاجها إسرائيل لتبرير هويتها الدينية العنصرية، وتحتاجها الولايات المتحدة، للتمكن من نهب الثروات العربية. لكن ذلك، لا يعني أن الأنظمة العربية بإمكانها ان تستمر كأنظمة استبداد متوارث. حتى وقت قريب، ربما اعتقدت بعض الأنظمة أن عواصف التغيير، قد تجاوزتها، وتوقفت عند الساحات التي شهدت الانفجار. في تونس إلى مصر، وليبيا وسوريا، والعراق واليمن، لكن عودت النشاط بقوة لهذه العواصف إلى السودان والجزائر، يشير إلى أن الأبواب مشرعة وستظل إلى أن تمر على كل مكونات النظام العربي الرسمي.

ثلاث نماذج تقدم خيارات أمام عملية التغيير، فلقد بادر الملك محمد السادس ملك المغرب لإجراء إصلاحات دستورية مبكرة، حيث أعطى البرلمان والحكومة صلاحيات واسعة نسبيا مما مكن الإخوان المسلمين الذين فازوا بالانتخابات من تشكيل حكومة، الأمر الذي أدى إلى تلبية جزئية لمتطلبات التغيير. في دول أخرى، عاند النظام، وقاوم بكل الوسائل رياح التغيير، فدفع الشعب أثمان باهظة نتيجة هذا العناد، وفي الأخير وبعد كل ذلك، سيضطر النظام للاستجابة لمتطلبات التغيير. النموذج الثالث قدمته تجارب مصر، و تونس، والآن الجزائر، حيث استقال الرؤساء، تحت ضغط الحركات الشعبية، الداعية للتغيير، وكان الجيش باختلاف الظروف عاملا مساعدا، لتلبية متطلبات التغيير، بدون إراقة دماء كثيرة، وبدون دفع أثمان باهظة، كالتي شهدتها دول النموذج الثاني.

فيما تبقى يقدم السودان نموذجا لا يختلف عن النموذج الثاني، حيث يرفض نظام البشير الاستجابة لمتطلبات التغيير، ولا يزال يعتقد، أنه بالحديث عن إصلاحات جزئية، واستخدام القمع، سينجح في إطالة عمره. لا يمكن ان تتوقف حركة الجماهير السودانية المطالبة بالتغيير الشامل للنظام، يجوع فيه الناس، وهو يمتلك إمكانيات هائلة، تجعله سلة غذاء الوطن العربي، ونظام خلال ثلاثين سنة لم ينجح إلا في تقسيم السودان، وارتكاب مجازر طائفية.

قد لا يكون الجوع فقط هو ما يدفع الناس للتغيير، وإنما أيضا الشعور بالعبودية، وانتهاك الحريات الفردية والجماعية، وطفح القمع، وتغول الفساد عيانيا للناس، هذا فضلا عن استمرار فعل وآليات، القوى الطامعة.

تقاوم بعض الأنظمة العوامل الداخلية الدافعة للتغيير، ولكنها عن غير وعي لما تفعل تتساوق مع العوامل الخارجية، متوهمة أن فتح الخزائن العربية، وفتح الأذرع أمام التطبيع مع إسرائيل يمكن أن تشكل لها شبكة أمان لضمان استمرارها واستقرارها. ستكشف هذه الأنظمة متأخرا أن الاستجابة لمتطلبات التغيير الداخلي، أقل ثمنا من المراهنة على العوامل الخارجية الخبيثة، التي ستضحي بالواهمين من حلفاؤها من أجل تكريس وتعميق هيمنتها واستيلائها على ثروات الشعوب. في وقت مبكر من اندلاع رياح التغيير، إلى واحد من خيارين، كلاهما أقل تكلفة من الثمن الذي تم دفعه. الخيار الأول هو توجيه بوصلة الصراع نحو إسرائيل التي تحتل الأرض العربية، وانسجاما مع حقيقة أن الصراع العربي الإسرائيلي هو أساس الحرب والسلام في المنطقة. أما الخيار الثاني، فهو الذي قدمه الملك محمد السادي، أي المبادرة إلى إجراء تغييرات حقيقية على النظام السياسي، بما يسمح بتحقيق متطلبات وأهداف عملية التغيير، غير ان أحدا لم يدرك فحلت المصائب على الشعب وعلى النظام في الوقت ذاته.