غزة - طلال عوكل - النجاح الإخباري - لكأن زلزالا سياسيا يضرب هذه الأيام إسرائيل. كل أركان الدولة العبرية، تتحرك بقدر عال من الارتباك والقلق، جراء ما وصلت إليه الأوضاع بعد الجولة الأخيرة من التصعيد مع قطاع غزة. الخلافات والمزايدات تضرب أركان الائتلاف اليميني المتطرف، وتعطي المعارضة المتواضعة ذخيرة إضافية، واستطلاعات الرأي تشير إلى أن الأغلبية غير راضية عن أداء الحكومة بالعلاقة مع غزة، المظاهرات والاحتجاجات الشعبية ذات الطابع اليميني، تنتقل من غلاف غزة، إلى تل أبيب ونتنياهو يضرب أخماسا بأسداس، خوفا على استقرار ائتلافه الحكومي إلى أن تحصل الانتخابات العامة في موعدها. نفتالي بنت، موشى كحلون، ودرعي، يتحدثون عن ضرورة حل الحكومة والذهاب إلى انتخابات مبكرة، فيما نتنياهو، يحتاج إلى كل دقيقة، لتنفيذ مخططاته التوسعية ذات البعد الاستراتيجي، مستغلا وجود إدارة أمريكية، وأوضاع عربية، مواتيه لتحقيق إنجازات كبيرة.

يستعجل نتنياهو فتح ملف قطاع غزة غلى إعادة تأهيله باعتبار ذلك الحلقة المستحقة من صفقة القرن يصاحبها انهيارات سريعة لسياسات بعض الدول العربية المهرولة نحو التطبيع.

على مضض يبدي نتنياهو استعدادا غير مسبوق، ولا ينسجم مع الطبيعة العنصرية والفوقية للدولة العبرية، نحو التعايش مع الخازوق الذي تعرض له " الجيش الذي لا يقهر" في قطاع غزة. لم يكن في حسبان الذين اتخذوا قرار إرسال مجموعة النخبة إلى شرق خانيونس، أنهم سيقعون في الفخ، وأن عليهم أن يدفعوا الثمن. كان إرسال تلك المجموعة بغض النظر عن أهدافها، عملا جنونيا، بعد أيام قليلة من نجاح الوساطة المصرية في تحقيق تفاهمات التهدئة، وتجاوز العقبات الحقيقية التي اعترضت سبيل تحقيقها. كان لابد من أن يدفع أحد ثمن تلك المغامرة الفاشلة، لكن الأمر لم يتوقف عند حدود استقالة وزير الدفاع والأمن افيغدور ليبرمان الذي اختار أن يخاطب جمهور المستوطنين، بدوافع انتخابية. على نحو متطرف ومخالف لسياسة الحكومة. ثمة في الحكومة وخارجها أطراف عديدة، تركب موجة المزايدة لأسباب انتخابية، يقف في مقدمتها نفتالي بينت، الذي يطمح في أن يصل إلى رئاسة الحكومة فيقدم نفسه على أنه المنقذ، الذي سيستعيد قوة الردع، ويحاسب المقاومة في غزة.

نتنياهو الذي لا يسمح لأحد أن ينافسه بحقيبة الدفاع والأمن بالإضافة إلى أنه يحتفظ بحقيبة الخارجية. كان قبول نتنياهو طلب بينت المشروط باستقرار الحكومة سيواجه رفضا واسعا من قبل الجيش والأجهزة الأمنية وعديد الكتل البرلمانية، لأن ذلك سيكون استبدال جاهل بجاهل في أمور الجيش.

واضح أن نتنياهو في حيص بيص من أمره، فلا هو راغب في الذهاب إلى انتخابات مبكرة، ولا هو قادر على الاحتفاظ بائتلافه الحكومي، هكذا تبدو إسرائيل ضعيفة، ومرتبكة في اتخاذ القرارات، ولذلك فإنها خطرة إلى أبعد الحدود، لذلك من غير المستبعد أن تبادر إلى ترميم صورتها المهشمة من خلال عدوان واسع على قطاع غزة، أو اغتيال بعض القيادات الأساسية في فصائل المقاومة، الأمر الذي يلزم الفصائل بالانضباط والامتناع عن تقديم أية ذريعة للاحتلال. في المقلب المقابل، أظهر الفلسطينيون كل الفلسطينيين توحدهم في مواجهة العدوان الإسرائيلي، كما يفعلون دائما، حين يتعرض الشعب والأرض إلى اعتداءات من قبل الاحتلال.

يتوحد الفلسطينيون على مواجهة السياسة الإسرائيلية في القدس، وفي الخان الأحمر، وفي مواجهة الاستيطان، وحول حق اللاجئين في العودة، وفي رفض ومقاومة صفقة القرن. حين يتوحد الفلسطينيون حول حقوقهم الأساسية، ينهض السؤال إذا لماذا وعلى ماذا هم منقسمون؟ من الواضح أن هذا المناخ الوحدوي الذي تولد على خلفية العدوان الإسرائيلي على غزة، قد أحيا الآمال في إمكانية تحقيق المصالحة ويعطي الوفد الأمني المصري الموجود في فلسطين دافعية أقوى لمعاودة العمل وبقوة على إنجاز هذا الملف.