طلال عوكل - النجاح الإخباري - لا ينبغي أن تمر مناسبة أليمة من مستوى وعد بلفور، بدون أن تحظى باهتمام لافت من قبل الفلسطينيين. واحد وسبعون عاما على النكبة ومئة وسنة على وعد بلفور المشؤوم الذي يصادف الثاني من هذا الشهر. قد تمر المناسبة الأليمة بدون أن يعرف جيل الشباب الحالي شيئا عنها. في سنوات سابقة كنت أحاضر في طلبة معهد إعلامي بعد التوجيهي، وكان عنوان المحاضرة في تاريخ الصحافة الفلسطينية. صعقتني حقيقة أن الطلاب لا يعرفون شيئا عن وعد بلفور لا تاريخه ولا من أطلقه ولا موضوعه أو تداعياته. كان الرئيس محمود عباس قد استفاض في أحد خطاباته العلنية، في شرح أبعاد وطبيعة وتطورات الأزمة اليهودية، وقام بتأصيل المشروع الصهيوني على نحو علمي وبالوقائع والأسماء، وكان ذلك يؤشر إلى وعي عميق لطبيعة المرحلة ومستقبل التطورات. أغتاظ الإسرائيليون وحلفاؤهم لكنني أشك في أن معظم شباب هذا الجيل، إدراك أبعاد وما قاله الرئيس، أو أنه استفز شعورهم بالحاجة إلى قراءة التاريخ، وتاريخ القضية الفلسطينية خصوصا. إذا كانت أوسلو قد فرضت غلى السلطة مناهج تعليمية، تتجنب تقديم المعرفة بتاريخ القضية الفلسطينية، و أصل المسألة اليهودية والمشروع الصهيوني، فإن على المؤسسات التعليمية في كل المراحل، أن تفرض مسارات تعليمية لا منهاجية ريثما يأتي الوقت، وهو سيأتي قريبا، حين يتم تجذير الثقافة والتعليم الفلسطيني.

وفي الحقيقة، فإن ذلك يفرض على الكتاب أن يولوا مثل هذه المناسبات اهتماما بين الحين والآخر رغم انشغالاتهم بالهموم الراهنة واليومية التي تمر بها القضية والشعب الفلسطيني، الشباب صناع المستقبل يحتاجون إلى زاد ثقافي عميق، لا يعوضه التعاطي مع وسائل التكنولوجيا الحديثة، وشبكات التواصل الاجتماعي والتعامل مع يوميات الحياة.

ينبغي أن يعرف شباب اليوم، أن بلفور هو وزير خارجية بريطانيا التي كانت عظمى في أوائل القرن الماضي، وهي الدولة التي فرضت انتدابها على فلسطين، نتيجة الحرب العالمية الأولى. بلفور أعطى وعدا لليهود بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين، ثم سخر إمكانات بريطانيا لتنفيذ ذلك الوعد إلى أن تحقق بعد الحرب العالمية الثانية بقيام دولة إسرائيل عام 1948. كان الهدف من وراء الوعد البريطاني، إقامة قاعدة استعمارية متقدمة في الشرق الأوسط لضمان المصالح الاستعمارية، ولكنه أيضا يستهدف التخلص من الأقليات اليهودية المنتشرة في كثير من دول العالم وكانت تتصف بالانعزال والربوية ومن خلالها التحكم في سياسات بعض الدول.

في القرن التاسع عشر انتبه نابليون إلى خطورة المشروع القومي والنجاحات التي حققها محمد علي باشا وأبناؤه، فأطلق فكرة وجود شعب غريب في فلسطين تفصل مشرق الوطن العربي عن مغربه، وتمنع إمكانية إحياء أي مشروع قومي عربي يستنهض طاقات الأمة العربية، ويحمي ثرواتها. لا شك أن العرب والفلسطينيين يتحملون جزءاً من المسؤولية عن نجاح المخطط الصهيوني حتى قيام دولة إسرائيل، ولكن السؤال الذي يتردد اليوم هو هل يتحمل العرب والفلسطينيون اليوم مسؤولية أساسية عن نجاح المخططات الإسرائيلية في الانتقال إلى مرحلة تنفيذ مخطط إسرائيل الكبرى؟ في أزمان سابقة أدت التناقضات في صفوف الشعب، والتي اتخذت طابعا عشائريا قبليا الي إضعاف القدرة على مقاومة المشروع الصهيوني، ونخشى اليوم من أن يتكرر الشيء ذاته بأسماء فصائلية هي في جوهرها تنتمي إلى ذات العقلية القبلية؟

نخشى في ضوء التفكك والانقسام، والصراع على السلطة، والعصبوية التنظيمية والايديولوجية، أن تتكرر تجربة الماضي، وأن يندم هؤلاء حين لا ينفع الندم. لا تكفي حماسة الشباب غير المستندة إلى معرفة وثقافة عميقة، ولا تكفي الشعارات الرنانة، والأقوال المتناقضة مع الأفعال، ولا حتى الاستعداد للتضحية، ذلك أن الصراع يتخذ طابعا شاملا كل مناحي الحياة، ويعود إلى أصله بما انه صراع وجود وليس صراع حدود.