طلال عوكل - النجاح الإخباري - ما يزال سؤال التصعيد المحتمل، إلى حد قيام إسرائيل بعملية عسكرية واسعة ضد قطاع غزة، يستحوذ على اهتمام الكثير من الصحفيين والمتابعين وحتى المواطنين. بعض المتسائلين عن احتمال وقوع مثل هذا التصعيد يتمنون أن يأتي الجواب بنعم، وحين تخذلهم الاجابات يمعنون في طرح المزيد من الأسئلة. يرغب بعض هؤلاء في أن تقوم إسرائيل بمثل هذا التصعيد، إما لدوافع انتقامية، أو لدوافع التخلص من الواقع المزري الذي يعاني منه سكان قطاع غزة، والتخلص من سيطرة حماس على القطاع. غير أن بعض هؤلاء تستحوذ عليهم فكرة، أن إسرائيل إن قالت فعلت، وأنها لا يمكن أن تحتمل المزيد من التصعيد الذي يمارسه نشطاء مسيرات العودة. هؤلاء تأخذهم التهيدات المتواصلة من قبل المسؤولين الإسرائيليين خصوصا، وزير الدفاع افيغدور ليبرمان، ويتجاهلون أن التصعيد الكلامي هو جزء من حملة المزايدات المرتبطة بالانتخابات، ويتجاهلون أيضا، أن ليبرمان هو آخر مسؤول إسرائيلي يمكن أن تؤخذ تصريحاته وتهديداته على محمل الجد نظرا لضعف كفاءته وتجربته خصوصا في الموقع الذي يشغله.

عند فحص المعطيات، التي حكمت حالة التوتر والاضطراب الحاصل منذ الثلاثين من آذار بين فصائل المقاومة في غزة، وبين إسرائيل، نقف على نتيجة واضحة، وهي أن الطرفين لا يرغبان في الانتقال إلى مربع كسر العظم، ولو أن ذلك يشكل حلا أو خيارا لأحد الطرفين لكان وقع منذ فترة طويلة. إذا كانت فصائل المقاومة في غزة، قد وجدت في مسيرات العودة خيارا للتفاوض والضغط على إسرائيل، لتحقيق تهدئة أو هدنة تؤدي إلى كسر الحصار عن غزة، وفتح ملفها أمام دخول الاستثمارات الإغاثية والتنموية، فإن إسرائيل هي الأخرى لها أسبابها في الامتناع عن تصعيد التوتر إلى حد شن عدوان واسع على القطاع.

 

كان بعض الأنشطة التي يقوم بها الشباب على الحدود مع القطاع كفيل في ظروف مختلفة أن يشكل مبررا لحرب ضروس مدمرة، لكن ثمة ما يمنع إسرائيل من القيام بمثل هذه الحرب. بالقطع فإن السبب لا يعود إلى تبدل الطبيعة الاجرامية الوحشية لدولة الاحتلال بما أنها طبيعة متأصلة في المشروع الصهيوني بكل تعبيراته، إسرائيل لا يمكن أن تكون دولة سلام، أو دولة متسامحة، أو أنها تؤمن بالنضال الشعبي السلمي، أو أنها تتحلى بقدر من الحس الإنساني. لو أننا سألنا حول الأهداف التي يمكن أن تقف وراء عملية واسعة ضد قطاع غزة، فهل سيكون الجواب أنها ستفعل ما فعلته خلال الحروب الثلاث التي شنتها على القطاع؟ إذا كانت إسرائيل لا تسعى وراء هدف إعادة احتلال قطاع غزة، وأنها بالعكس تسعى وراء التخلص من مسؤولياتها تجاه القطاع فإنها بالتأكيد لا ترغب أيضا في أن تقوم بعملية عسكرية واسعة من أجل إنهاء سيطرة حركة حماس على الحكم. إذا ما الفائدة من عملية عسكرية، تتكبد إسرائيل بها خسائر، وتؤدي إلى خلط الأوراق، ستكون نتيجتها العودة إلى مربع صفر،  أي إلى ما انتهت إليه الحرب السابقة عام 2014؟

أرجو عند فحص هذا الخيار أن يتم استبعاد فكرة أن إسرائيل تعطي الأولوية للمخاطر الموجودة في شمال سوريا، حزب الله وإيران، أو أن إسرائيل تخشى من ردات فعل دولية لم يظهر منذ قيامها عام 1948، أنها وضعت ذلك في حساباتها.

إذا ماذا تريد إسرائيل بالضبط؟ تعتقد إسرائيل أن بإمكانها أن تحقق هدف فتح ملف قطاع غزة، أمام تحرك عجلة تأهيلها، لكي تصبح جاهزة  كمقر للكيان الفلسطيني حسب صفقة القرن. ومحيده تماما عما يجري في الضفة. إسرائيل تحتاج إلى تهدئة، وهذه ممكنة التحقيق بأمل أن تنجح مصر في تحقيق المصالحة، والتهدئة، وإلا فإنها يمكن أن تقفز عن ملف المصالحة في حال تعذر تحقيقه لأنها تستعجل كما تستعجل أطراف فاعلة عديدة، فتح ملف قطاع غزة على إعادة التأهيل. المعركة الأساسية لإسرائيل هي في الضفة وليست في غزة، وهي تحاول استثمار كل دقيقة في ظل وجود الرئيس ترامب وإدارته، لتنفيذ مخططاتها بمباركة ودعم الولايات المتحدة. خلال الأسبوع المنصرم، تشير التجربة العملية على الأرض أن الطرفين لا يرغبان في التصعيد، فلقد امتنعت حماس عن الرد على قصف إسرائيل لعشرين موقع، بذريعة سقوط صاروخ طائش على بئر السبع.

فضلا عن ذلك، امتنعت حماس والفصائل عن التصعيد في الجمعة الثلاثين، جمعة غزة تنتفض والضفة تلتحم، بحيث لم يسقط ولا شهيد، بالإضافة لتراجع عدد الاصابات على نحو واضح إلى مئة وخمسين قياسا بالأيام السابقة، الأمر الذي استقبلته إسرائيل بشيء من الرضى. الوضع ليس في حالة سباق بين التصعيد الكبير، والتهدئة الكاملة المفاجئة، وإنما بين التوتر المحسوب، والتهدئة المتدرجة، التي يتزامن معها البدء والتوسع في ملف إعادة تأهيل قطاع غزة.