كتب غازي مرتجى - النجاح الإخباري -  

وصل الرئيس أبو مازن لنهاية طريق "الورد"  الذي حشر من خلاله احتلال اسرائيل في زاوية الإدانة وأنهى الطريق بكشف الزيف الأمريكي المكشوف بالأساس لكنه بحاجة لدليل ملموس طيلة عقود الإيمان بالسلام . تحمّل ترامب الوزر التاريخي وسيبقى اسمه راسخًا في الأذهان كأقذر رئيس أمريكي على مر التاريخ الحديث .

لم يصل الرئيس لخطابه التصعيدي التاريخي في تركيا خلال القمة الاسلامية سوى بعد أن وصلت العنجهية الأمريكية حد الإعلان عن اسرائيل كدولة يهودية في اعتراف يُعتبر أخطر من إعلان ترامب بنقل السفارة للقدس واعتبار المدينة المقدسة عاصمة لدولة احتلال . الرئيس الذي لم يخرج عن نطاق القانون الدولي دخل دائرة اللعب الثقيل وبعيدًا عن أي تفاصيل فقد بتُ أخشى عليه .

داخليًا كان الدعم الشعبي والفصائلي لرئيس منظمة التحرير ضمن المستوى المعقول رغم الحاجة للمزيد . الخيار الأمثل أمام العالم والذي تُحاول إسرائيل الخروج منه وتُخرج معها الولايات المتحدة لما يمثله هذا الخيار من تعامل أخلاقي قانوني يتمثل بحشر اللا أخلاقية في زاوية التعامل الأخلاقي وتسليم كل شيء من منطلق قانوني . سيتحدث البعض هنا عن خيار "حل السلطة" غير المُجدي وتحدث الرئيس بوقف الاعتراف باتفاق أوسلو والذي قامت على أساسه سلطة الحكم الذاتي , فبدلًا من حل السلطة من الواجب الإعلان عن دولة فلسطين وفقًا لاعتراف الأمم المتحدة 2012 كدولة ترزح تحت إحتلال وحيد في القرن الحادي والعشرين .

في كلمة الرئيس الفلسطيني أعلن بشكل شبه واضح عن وقف التعامل بالاتفاقات السابقة ومن ضمنها أوسلو وقد قامت الدول الإسلامية بالاعتراف بدولة فلسطين بعاصمتها القدس الشرقية وبالتالي فقد آن الأوان للتحول نحو "دولة" بمؤسسات مكتملة الأركان ووقف التعامل بنظام سلطة الحكم الذاتي الحالي . في هذه الحالة تكون القيادة الفلسطينية تقدمّت خطوتين للأمام بدلًا من العودة لعقدين ونصف من الزمن إن تم حل السلطة . هذا الخيار سيكون مُكلفًا في بدايته وقد تقوم إسرائيل بوقف كل شيء لكن ضريبة الدولة يجب أن لا تكون بالشعارات فقط .

أما عن المتوقع بعد قرار ترامب في قادم الأيام فيُمكن حصره بالتالي :

/ اجتماع المجلس المركزي أعلى هيئة في م.ت.ف بعد المجلس الوطني واتخاذ قرارات تتعلق بالانطلاق نحو التحول لدولة على واقع الأرض وسحب الاعتراف باتفاق "أوسلو" وإنهاء سلطة الحكم الذاتي بشكل تام .

/ على الأرض لن تتحوّل الأوضاع إلى تصعيد ميداني في الضفة وستبقى في إطار التظاهرات الشعبية مع بعض حالات العمليات الفردية .

/ تكثيف الوصول الديبلوماسي والسياسي لدول العالم والعمل على الحصول على الاعتراف بدولة فلسطين بعاصمتها القدس .

/ تكثيف الضغط الشعبي في القدس وفلسطينيو الداخل وهو ما سيضغط بشكل كبير على الاحتلال الاسرائيلي كما هبّة تموز التي أجبرت الاحتلال على التراجع عن قرارات كان قد اعتبرها نتنياهو "مصيرية" .

 

لن تتراجع الولايات المتحدة عن قرارها بشكل "مُعلن" لكنها قد توقف التعامل بالوعد الترامبي كنوع من "الدهلزة" . في المقابل هي فرصة ذهبية لتتخلص القيادة الفلسطينية مرة وإلى الأبد من التحيّز الأمريكي كوسيط . واتخاذ قرارات كان من الصعب اتخاذها في ظل كذب الوسيط الأمريكي خلال العقدين السابقين  . فالتحرر من التزامات "أوسلو" أمرٌ واجب التنفيذ , والتحول نحو دولة طال انتظارها (قانونيًا) منذ خمسة أعوام ضرورة وطنية ,  والهجوم نحو المصالحة الداخلية مقاومة من نوع آخر وهي فرضُ عين على كل الأطراف .  

**

تتدحرج كرة الثلج في قطاع غزة وصولًا نحو تصعيد ميداني متوقع فمنذ أسبوع تُطلق صواريخ محلية الصنع من قطاع غزة نحو الغلاف سبقها عملية اغتيال اسرائيلية لمجموعة من عناصر الجهاد الاسلامي وتتزامن مع القرار الأمريكي حول القدس وبالتالي رفضت الفصائل الوقوف موقف المتفرج فبادرت بإرسال رسائل قصيرة المدى لكن إسرائيل استغلّت ذلك بقصف مناطق مأهولة وأماكن حساسة فباتت التوقعات بجولة تصعيد جديدة مرتقبة ومتوقعة في أي وقت . أن تعمل إسرائيل على العودة لسياسة الاغتيال واستهداف أي عنصر من أي فصيل في القطاع سيعمل على تسريع التصعيد المتوقع , وإن أصاب صاروخ أو رصاصة جندي أو مستوطن فستستغل اسرائيل ذلك نحو تعجيل التصعيد . رغم أن الاحتلال لا يبحث بالعادة عن "دوافع" فجرائمه لم تتوقف يومًا .

نتنياهو يبحث عن هروب آمن بعد اتهامه بالفساد وخروج عشرات الآلاف من مواطنيه ضده . ويعمل على تنفيذ مطالب شركائه اليمينيين في الحكومة حتى لا يفرط عقد حكومته المتطرفة . ويعيش نشوة المُنتصر بعد وعد ترامب واعترافه بيهودية (دولة الاحتلال) ونقله لسفارة دولته لـ(القدس المحتلة) سيعمل على تأجيج الأوضاع في قطاع غزة عبر شن عدوان دموي مسنود أمريكيًا . آملُ أن تُبعد الفصائل ما يُخطط له نتنياهو ولا تسمح له بتمرير ذلك .

على المستوى الداخلي فقد عادت نبرة التشاؤم حول المصالحة فرغم زيارة رئيس الوزراء والتي تقدّمت بها المصالحة خطوات عدّة للأمام عادت نصف تلك الخطوات بقرار عدم دفع الجباية الداخلية لحكومة الوفاق التي استعدّت (بحسب معلوماتي) لدفع مكافأة لموظفي ما بعد 2007 قبيل نهاية العام الحالي مع إعادة خطوط الكهرباء إن تم تنفيذ اتفاق (الجباية) المطلوب . لا يُعرف سبب لعدم إعطاء الحكومة فرصة الجباية الداخلية وإبقائها رهن الوزارات السابقة . لكن ورغم قناعتي بأن كُتلتين كبيرتين من الجانبين لا تريدان مصالحة وتتضرر مصالحهما من إنجازها فإني على ثقة أكبر بأن الأوضاع الداخلية لن تعود كالسابق وستستمر الجهود وصولًا لإنهاء الانقسام بشكل كامل .

الأوضاع الميدانية في قطاع غزة كمن يسير على حبل في سيرك لكنه أشد حدّة وأطول مسافًة  والتعامل الدقيق مع الأحداث يتطلب ذكاء أكثر واندفاعية أقل .

المتوقع داخليًا في قادم الأيام :

/ تصعيد ميداني (محدود) في قطاع غزة يتطور في حالات مُحددة ويتوقف في حال تدخل مصر بشكل مباشر .

/ تدخل مصري لإعادة الروح للمصالحة الداخلية الفلسطينية وقد نشهد زيارة وفد أمني مصري للقطاع قريبًا .

/ محاولات إيرانية للعودة لصورة الأحداث في القطاع وخطابات حسن نصر الله الأخيرة واتصال "سليماني" مؤخرًا دليل على تلك المحاولات . العودة الإيرانية يترتب عليها الكثير من المسؤوليات والأحداث .

/ رفع بعض "الإجراءات" عن قطاع غزة بحد أقصى بداية العام أي خلال أسابيع ثلاثة . وستبدأ بعودة خطوط الكهرباء .

/ صرف مكافآت لموظفي ما بعد 2007 في حال تمّت اجراءات تسليم الجباية الداخلية .

/ اعادة الخصومات عن موظفي السلطة متوقع أن يتم في راتب شهر فبراير (المدفوع في بداية مارس) لمن سيكون على رأس عمله .