نابلس - النجاح الإخباري - مرت القضية الفلسطينية خلال ولاية الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب بمنعطفات خطيرة، إثر إقدامه على اتخاذ خطوات منحازة لدولة الاحتلال الإسرائيلي بشكل مخالف للاتفاقات الموقعة والقوانين الدولية، وهو ما دفع القيادة الفلسطينية إلى مقاطعة الإدارة الأمريكية ورفضها أن تكون الولايات المتحدة راعيا لأي مفاوضات مع الاحتلال الإسرائيلي، والتأكيد على ضرورة إشراك الرباعية الدولية كراعية لأي مفاوضات قادمة، في الوقت الذي ذهب في رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى الطغيان في سياساته الاستيطانية في الضفة الغربية والضغط على المقدسيين بضوء أخضر أمريكي، وهو ما دفع الكل الفلسطيني لمراقبة الصراع الانتخابي الأمريكي المقرر في نوفمبر القادم، وعينهم على سقوط ترامب أمام منافسه الديمقراطي جو بايدن، على أمل إنهاء الحقبة السوداء التي تسبب بها ترامب بحق القضية الفلسطينية.

ومنذ تولي ترامب الحكم في أمريكا قبل أربعة سنوات، اتخذ سلسلة من الإجراءات، بدءا بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ومن ثم نقل السفارة الأمريكية للقدس، وأعقبها قطع المساعدات عن وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، وإغلاق مقر منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، ومن ثم قطع المساعدات عن السلطة الفلسطينية، وصولاً إلى الضغط على الدول العربية لتطبيع علاقاتها مع "إسرائيل".

بايدن مختلف

وانتقد جو بايدن ترامب في مناسبات عدة، منها اجراءاته تجاه الملف الفلسطيني، متعهداً بفتح القنصلية الامريكية شرقي القدس التي أغلقها ترامب، والتأكيد على حل الدولتين كخيار للوصول إلى السلام وهو ما لم يؤمن به ترامب بالإجراءات التي اتخذها ومشروعه المسمى "صفقة القرن".

الكاتب والمحلل السياسي أحمد عاشور يرى أنَّ الانتخابات الأميركية تعتبر فصلا مهما لدى العالم كله، ومنذ بداية الحملة الانتخابية الأميركية العالم كله يترقب من سيقود الولايات المتحدة الأميركية في المرحلة القادمة، ويتساءل، هل سيبقى ترامب في الحكم أم يأتي "بايدن" ؟.

وتوقع عاشور أن يستمر ترامب في نهجه بحالة صدام مع القوانين والقرارات الدولية، والدول الأوروبية في حال نجاحه مرة أخرى بولاية ثانية، من أجل تقديم المزيد من الخدمات لدولة الاحتلال الإسرائيلي، مستندا إلى أن ترامب رجل اقتصاد، ويخلط بين السياسة و"البيزنس"، ويتطلع إلى مكاسب على صعيده الشخصي حال لم يحالفه الحظ في الانتخابات المقبلة أو ما بعد الانتخابات، وتوظيف الاستفادة من منصبه كرئيس أقوى دولة في العالم لحسابات أخرى خاصة به.

تغيير محدود

ورجح عاشور أن "بايدن" لن يستطيع تغيير الكثير في سياسة ترامب في الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية، مشيراً إلى أنَّ الإدارات الأميركية تسير وفق خطوط معينة ورؤى يتم بلورتها لخطط بالتشاور مع جماعات الضغط الذين يتحكمون في "بيضة قبان" الانتخابات الأميركية.

وكان "بايدن" قد انتقد نتنياهو ولام الفلسطينيين، قائلًا "لا أعتقد فقط أنَّ موقف نتنياهو خاطئ، وأنه استسلم لليمين المتطرف للحفاظ على دعمه له، ولكن أعتقد أنَّ القيادة الفلسطينية أيضا لم تتعاون عندما أتيحت لها الفرص. وأكد على أنَّ حل الدولتين هو السبيل الوحيد لضمان أمن "إسرائيل" على المدى الطويل، مع الحفاظ على هويتها اليهودية والديمقراطية. وهذه هي الطريقة الوحيدة لضمان حق الفلسطينيين في دولة خاصة بهم".

واتهم بايدن خصمه ترامب  بأنَّه "عرض إسرائيل للخطر عندما ألغى الاتفاق مع إيران واستبدله بلا شيء. سمح لأعداء إسرائيل بترسيخ تواجدهم في سوريا مما خلق فراغا حكوميا خطيرا. لقد قوض استقرار حق تقرير المصير للفلسطينيين، وقوض الأمل في الحل المستدام القائم على حل الدولتين".

وأضاف، بالرغم من أنَّ "بايدن" وعد بعودة الدعم المقدم إلى الشعب الفلسطيني، وإعادة فتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية، وإلغاء مشروع الضم والبحث عن بدائل لحل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، إلا أننا لا نستطيع التعويل على ما يطرحه خلال الدعاية الانتخابية، فقد سبق لترامب أن وعد بحل القضية الفلسطينية وجلس مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس واستمع إليه وبدى متوافقا مع آرائه، لكنها تبخرت بمجرد زيادة رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو آنذاك إلى البيت الأبيض.

تغيير المسار

ورأى الكاتب والمحلل السياسي، حسام عرار، أنَّ الإدارة الأميركية، برئاسة ترامب لم تعد تؤمن بجدية مشروع الضم، الأمر الذي دعا ترامب إلى الطلب من رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، تأجيله أكثر من مرة، كما أنَّها لم تعد ترى أنَّ طرح صفقة القرن بات مجديا، وبالتالي قامت بتغيير المسار، وعملت على فتح علاقات لدولة الاحتلال مع العديد من الدول العربية التي هرولت للتطبيع.

وأكد على أن موقف القيادة الفلسطينية كان راسخا وصلبا من المؤامرات "الاسرائيلية الأميركية" ومحاولاتهم تمرير المشاريع الاستيطانية، وطرح صفقة القرن وسياسة الضم وما شابه، لولا أن أقدمت الإمارات والبحرين على التطبيع مع الاحتلال، منبهًا في الوقت نفسه إلى أن أوروبا رفضت صفقة القرن، وجميع دول العالم رفضتها أيضا باعتبارها تخالف وتتجاوز المرجعيات الدولية فيما يتعلق بموضوع فلسطين والاحتلال، وقال :" ليس هناك ما يعزز صفقة القرى سوى القوى الأميركية ومحاولاتها فرض سياسة الأمر الواقع.

ورفض عرار التعويل على المرشح عن الحزب الديمقراطي الأميركي، جو بايدن ، في إلغاء ما أقدم عليه ترامب، مضيفا أن "بايدن" حال فوزه، هو الآخر سيواجه قوى الضغط داخل الكونغرس الأميركي التي زرعها اللوبي الصهيوني والذي يعتبر أكبر جماعات الضغط في الولايات المتحدة الأميركية.

وفي العاشر من سبتمبر الماضي، قال المرشح الديمقراطي لرئاسة الولايات المتحدة جو بايدن، إنه يجب "على إسرائيل أن توقف توسيع المستوطنات في الضفة الغربية، وأن تتوقف عن الحديث عن الضم وأن تسمح بحل الدولتين".

وقال بايدن في حفل لجمع التبرعات للوبي المؤيد لإسرائيل "جي ستريت" إنه أوضح موقفه للإسرائيليين "الضم ليس مطروحا على الطاولة في الوقت الحالي، وهذا شيء جيد. لكني لا اعلم إلى أي مدى ليس مطروحا على الطاولة من حيث تصور بنيامين نتنياهو. لكنه يعلم والإسرائيليون يعرفون موقفي. وفقا للقانون الاميركي سأعيد فتح القنصلية في القدس الشرقية".

وعود انتخابية

وتفاءل الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني المقيم في واشنطن، د. سعيد عريقات، بتصريحات المرشح عن الحزب الديمقراطي الأميركي، جو بايدن، تجاه القضية الفلسطينية، معتبرا أن وعوده التي أطلقها خلال الحملة الانتخابية عن عودة الدعم الأميركي للفلسطينيين، وإعادة فتح مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية، كما سيعمل على إبقاء السفارة الأميركية في القدس، ولكنه سيقوم بفتح القنصلية في القدس الشرقية، وسيعمل على وقف مشروع الضم، وطرح خطة بديلة لصفقة القرن التي تبناها الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

وأشار إلى انه رغم التباين في استطلاعات الرأي وتقدم "جو بايدن" على الرئيس ترامب، إلا أنه يخشى من النتائج الأخيرة للانتخابات الأميركية، خصوصا وأنها تخضع لـ "الكلية الانتخابية أو قرعة المندوبين".

وأكد على أن فوز بايدن بالانتخابات الرئاسية الأميركية، سيكون له دور ملموس في إعادة البحث عن حلول بملف الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، إضافة إلى معالجة كافة القضايا الشائكة التي ورثها عن الرئيس ترامب.

دور المطبعين

ورأى الكاتب والمحلل السياسي، د. هاني العقاد أن المطبعين أرادوا تغيير وجه الشرق الأوسط، دون تغيير "إسرائيل"، التي تعتبر قوة احتلالية مدعومة من الولايات المتحدة الأميركية، وفي عهد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، فتح أمامهم آفاق لمد خط الغاز بين دولة الاحتلال والمملكة العربية السعودية، وسيكون في المستقبل أيضا، إعادة تأهيل لخط قطار الحجاز.

وأشار إلى أن المتتبع للمنح التي منحها ترامب لدولة الاحتلال يتيقن أنه باقٍ لا محالة في الدورة الرئاسية الثانية من الانتخابات في الولايات المتحدة الأميركية، إذا ما تتبعنا من قدم خدمات جلية لدولة الاحتلال، فقد استمر في الحكم.

وأوضح أن الرئيس ترامب أكثر رئيس أميركي قدم لإسرائيل منح، من الاعتراف بضم الجولان السوري المحتل، ونقل السفارة الأميركية، ووقف الدعم عن كل المؤسسات التي تدعم الشعب الفلسطيني، والتهديد بفرض عقوبات على الدول التي تدعم فلسطين، بل ومنعها، مثلما امتنعت العديد من الدول مؤخَّرًا من تقديم الدعم والقروض للسلطة الوطنية الفلسطينية، خشية من التهديدات الأميركية، لكنه يرى أن حظوظ ترامب هي الأقوى بالفوز في الانتخابات المقبلة لما قدمه للاحتلال.

وفي ظل قراءة المحللين للمرشحين الأمريكيين لرئاسة البيت الأبيض في الفترة القادمة، فإن القضية الفلسطينية لن تشهد تقدمًا لصالح الفلسطينيين في حال تمَّ إعادة انتخاب ترامب، بينما ستشهد جموداً مع التراجع عن بعض الخطوات التي اتَّخذها ترامب بحق الفلسطينيين من قبل بايدن.