طارق أبو إسحاق - النجاح الإخباري - لماذا يستهين الشباب في قطاع غزة بحياتهم ويسترخصون بأرواحهم؟، ما الذي يدفعهم إلى الانتحار ومن هو المسؤول عن حمايتهم وإرشادهم؟، لماذا تصاعدت خلال السنوات الماضية أعداد المنتحرين من الشباب ؟، وإلى متى يبقى سجل الوفيات يترقب فشل عملية إنقاد شابة أو شاب هانت عليه روحه؟، ويسجل كرقم ليس إلا في صفحاته.

"النجاح الإخباري" التقى بمجموعة من مختصين بعلم النفس وحقوق الإنسان وجهات أمنية ومواطنين، للإجابة عن كافة التساؤلات التي تدور بأذهان الشارع الغزي.

حيث أقدم قبل يومين، الشاب (م.ج) البالغ من العمر (24 عاما) على حرق نفسه بسكب مادة البنزين وإشعال النار في جسده، أمام جمعية الهلال الأحمر في حي تل الهوا غرب مدينة غزة، ما أدى إلى وفاته الأسبوع الماضي، متأثرا بحروق من الدرجة الثالثة، كما أقدم مواطن قبل عدة أسابيع من محافظة رفح على إشعال النار في نفسه وجثث أبنائه بعد قيامه بقتلهم واحدا تلو الآخر وسط مدينة رفح جنوب قطاع غزة.

يأتي ذلك بعد شهر واحد من إقدام مواطن على الانتحار حرقا في يناير الماضي، أمام إحدى الجمعيات الخيرية في مخيم البريج وسط قطاع غزة.

وقبل أقل من شهر أقدم الشاب (م.ح) البالغ من العمر (27 عاما) على الانتحار شنقا في منطقة تل الزعتر شمال قطاع غزة على خلفية مشاكل عائلية و سوء الأحوال الاقتصادية والوضع المأساوي الذي يعيشه الشاب المتزوج حديثا.

كما أعلنت الجهات الأمنية قبل أسبوعين عن وفاة المواطن (م.ا) البالغ من العمر (25عاما)، جراء إصابته بعيار ناري في الرقبة أثناء شجار عائلي في مدينة دير البلح، وفي منتصف الشهر الماضي أعلنت الجهات الأمنية عن وفاة السيدة (أ,ش) (45 عاما)، وهي أم لسبعة أبناء، جراء إصابتها بعيار ناري في الصدر خلال شجار عائلي، كما قُتل المواطن (ب.ع)(28عاماً)، في منتصف يناير، خلال شجار بين مجموعة من الشبان في سوق الخضار في حي الشجاعية شرق مدينة غزة.

دق ناقوس الخطر

وفي السياق ذاته، حذر د.رمضان بركة، أخصائي علم النفس والباحث في القضايا السيكو استراتيجية، لمراسل "النجاح الاخباري" من ازدياد الإقبال على الانتحار من قبل المراهقين والشباب في مجتمعنا الفلسطيني،  لافتا إلى ان استمرار  الإنتحار قد يتحول لظاهرة جديدة تضاف للازمات المنتشرة في أوساط شعبنا.

وتابع قوله، "الظاهرة أصبحت مركبة، ما بين الشعور بالإعياء النفسي، ومن ثم الإقدام على إيذاء النفس أو قتلها ذاتيا، إضافة إلى تفشي ظاهرة الانتحار غير المباشرة، (القتل داخل الأسرة) والتي لم نعهدها من قبل في مجتمعنا، كقتل الأبن لأبنه والابن للأب والأم، وغيرها من المشاهد التي تشير إلى تفكك الأسرة وغياب ثقافة الحوار والتسامح، وأصبح الإنسان في مجتمعنا أسيرا للضغوط وهي التي تتحكم في سلوكه، وهذا كله يحتاج إلى سبل علاج فعاله يشارك فيها كل ذوي الاختصاص وبشكل عاجل جدا، قائلا "تراكم الأزمات وترحيلها يعمق الآلام النفسية للإنسان الفلسطيني، وأصبحت ثقافة التبرير لا تجدي نفعا ولابد من وقفة نتائجية تأخذ بيد هذا الإنسان من مهاوي الاضطراب النفسي والاجتماعي".

سبل العلاج

ويقترح د.بركة آليات تعامل فعالة لمواجهة قضايا إيذاء النفس والانتحار، ويجب أن نحميه من هذه الظاهرة الطارئة بجهد مكثف وجماعي، من خلال العمل على تعميم ثقافة الصحة النفسية في أوساط المجتمع والتي لا تقل أهمية عن طب الأعضاء البشرية، لان حياة الإنسان هي نتيجة للتفاعل مابين العقل والنفس والروح والقلب والجسد، وهنا تكمن الوسطية في التفاعل كما نادي بها الدين الإسلامي.

كما طالب بضرورة تفعيل برامج الإرشاد الديني، والتي تعمق المعاني والقيم الإنسانية المتعلقة بالحفاظ على النفس، والعمل على تفعيل آليات المواجهة الفعالة من خلال مهارات قوة التحمل والصبر والصلابة النفسية، وإشاعة الثقة بالنفس في أوساط الشباب، والتعامل بوضوح والبشاشة والنظر للمستقبل بايجابية، وإقناعهم بان طريقة الهلاك الذاتي غير مجدية لا في الحياة الدنيا ولا الآخرة.

وأكد د.بركة على ضرورة إشراك الشباب في صنع القرار في العمل البناء وبناء المجتمع، والسعي قدر الإمكان في تسهيل مهمتهم نحو بناء أسرة مستقرة ومعالجة ظاهرة البطالة ببرامج ولو مؤقتة، وتنفيذ برامج إرشادية للتربية العقلانية في المدارس والجامعات، والأحياء السكنية، لتعميق مهارات التفكير العقلانية في التعامل مع المشكلات الشخصية والدراسية والحياتية بشكل مستمر ودائم.

وبين أهمية تعزيز ثقافة الإرشاد الأسري، بأساليب تربوية حكيمة تعتمد على التبادل في الحوار والاستماع، واستحضار التعامل بالرقة والرحمة واللين مع الأبناء، ومنحهم الدفء والحنان باستمرار، وإعطاء الأبناء هامش بشكل دائم للتعبير عن ذواتهم.

وأشار إلى أهمية استنهاض دور وسائل الإعلام بأنواعها المختلفة، للمساهمة في طرح سبل علاج فعالة من خلال إحضار خبراء علم النفس والاجتماع ومخاطبة الناس عبر برامج متنوعة للإستفادة من الخبرة والتركيز على الصحة النفسية للمواطن الفلسطيني.

الفقر ينهش الشباب

ويجد الشاب الفلسطيني أبو محمد عابد (38 عاما) من سكان محافظة خان يونس نفسه في حيرة من أمره ويقول انه "عاطل عن العمل منذ بداية الانتفاضة" .

ويضيف عابد لمراسل "النجاح الاخباري" وتعابير وجهه مليئة بالحسرة والألم وهو يجلس أمام منزله "ماذا تنتظر من شاب متزوج وله خمسة أطفال ان يعمل وهو غير قادر على تحصيل لقمة العيش لأولاده؟، انه الحصار (الإسرائيلي) الظالم".

اما الشاب أنور السيد (32عاما) لايختلف كثيرا حيث أصاب طفلتيه مرض القصور الخلقي في وظائف الغدة الدرقية، فجعلهن أسيرات للألم والعذاب والفقر.

وقال السيد "لمراسل "النجاح الاخباري" يعد مرض طفلتي مزمن سبب لهن تأخر في النمو وتساقط الشعر، ويسبب لهن حساسية من البرد، وإمساك مستمر، وتعب والنوم لساعات متواصلة، وبحاجة لعلاج متواصل مدى الحياة، ناهيك عن اصابتهن بانحراف في شبكية العين.

ويقول السيد والألم يعتصر قلبه جراء ما يعانيه من مرارة المرض والجوع هو وأطفاله: "أقسم بالله إننا نفتقد أبسط الاحتياجات في حياتنا حتى الطعام، والله رب العباد هو المطلع على أحوالنا، ولقد صدق من قال: "إن هناك أناسا لا يسترها إلى الحيطان"، ونحن منهم".

حقوق الإنسان

من جهته عبر خليل شاهين مدير وحدة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان لمراسل "النجاح الاخباري"، عن تخوفه من تحول مؤشرات القتل والانتحار في قطاع غزة لظاهرة، ولأوضاع كارثية أو ما يسمي بالفلتان الأمني وسوء استخدام السلاح.

وطالب الجهات الحاكمة في غزة الحد من جرائم القتل بإجراءات ليست أمنية، ولكن من خلال دراسة مضمون وأسباب وعوامل هذه الظاهرة، ووضع حلول ناجعة لهذه الازمة، والفقر والبطالة وانسداد الأفق السياسي والاقتصادي والاجتماع، وتوفير المراكز الصحية المتخصصة التي تعتبر نقاطا مهمة للمواطنين لعلاجهم النفسي والإرشادي.

وأوضح شاهين دورنا التوعية من المخاطر الاقتصادية والاجتماعية والسياسة التي قد تؤثر سلبا على المجتمع، من خلال دورات وورش عمل ينفذها المركز مع مختلف شرائح المجتمع، ودعوة المجتمع الدولي في توفير الحماية للشعب الفلسطيني وتقديم المساعدات الإنسانية.

وأشار شاهين كجزء من علمنا توثيق حالات القتل والانتحار وإصدار تقرير يشمل كافة الأحداث والانتهاكات التي تمس حقوق الإنسان، مشيرا إلى أن هناك عدة حالات حاولت الانتحار وفشلت ولم يسلط الاعلام الضوء عليها.

رأي الشرطة

وأكد المقدم أيمن البطنيجي المتحدث باسم شرطة غزة، لمراسل "النجاح الاخباري" على أن حالات القتل والانتحار قليلة ولا تَرقى أن تكون ظاهرة، فالبعض يريد أن يؤذي نفسه في سبيل إيصال رسالة لغيره أو لأهله، وهي في الأغلب نتاج مشاكل اجتماعية وعائلية وبعضها مشاكل نفسية.

منوها إلى أنها ظواهر طبيعية تحدث في أي بلد آخر، ولكن حالة الحصار المفروض على قطاع غزة، والوضع الاقتصادي في ظل إغلاق الحدود، جميعها دوافع، ولَّدت لدى بعض المواطنين ضغوطا نفسية أدت بهم إلى ارتكاب الجرائم.

وأكد البطنيجي على أن الحالة الأمنية في قطاع غزة مُستقرة وتتعزز يوما بعد يوم، لاسيما في ظل المتابعة الأمنية الحثيثة من قِبل المؤسسة الشرطية وأجهزة وزارة الداخلية.

وبين لمراسل "النجاح الاخباري" أن هناك عدة حالات حاولت الانتحار وفشلت ولم يعلن عنها عبر وسائل الاعلام، وجميعها موثقة بالأسماء لدى وزارة الداخلية، بحاجة لمراكز إرشاد وعلاج نفسي.

إحصائيات

وأوضح الجهاز المركزي للإحصاء أن معدل البطالة بلغ بين الخريجين الشباب 51% خلال الربع الأول 2016، وأن معدلات البطالة ترتفع بين الشباب كلما زاد مستوى التعليم، كما بينت نتائج المسح إلى أن 16% من فئة الشباب انتقلوا من التعليم إلى سوق العمل ليعملوا في وظائف مستقرة ودائمة، بينما 84% من فئة الشباب انتقلوا إلى خارج القوى العاملة، أو عاطلين عن العمل، أو إلى أعمال غير دائمة مؤقتة تدوم أقل من 12 شهرا.