النجاح الإخباري - نقلا عن الدستور الأردنية

هناك صراع إرادات في منطقتنا، أولاها إرادة فرض سياسة الأمر الواقع في فلسطين بالقوة على الفلسطينيين والعرب عموماً، تقوده الولايات المتحدة الأمريكية ممثلة بطاقمها الرئاسي وفريقه المكلف  برسم السياسات الخارجية، وتنفيذ ما هو مرسوم من مخططات تخدم المصالح الأمريكية في الدرجة الأولى، وتصب في مصلحة الصهيونية العالمية ومشروعها الاستيطاني الاحتلالي الإحلالي في فلسطين «إسرائيل»، وثانيهما إرادة الصمود والتحدي الفلسطينية وامتدادها الداعم لها: الأردني، العربي، الإسلامي، والإنساني لإفشال هذا المشروع.

صحيفة "الدستور" الاردنية ارتأت أن تستضيف شخصيات فلسطينية في مركز القرار الفلسطيني وكان خيارها في هذه المرة الالتقاء برئيس حكومة الوفاق الوطني الفلسطيني السابق الدكتور رامي الحمد الله   والذي ترك بصمات واضحة خلال فترة ترؤسه لها على كافة الصعد الفلسطينية والإقليمية والدولية، لاستشراف بواطن الأمور والتعمق في مسارات ومخاطر ودروب التسوية وخاصة صفقة القرن ومؤتمر البحرين، الحوارمع  الحمد الله  انصب حول رؤيته العامة عن مخاطر ما يتهدد القضية الفلسطينية بعد قرار ترامب ضم القدس لـ «إسرائيل» ونقل السفارة الأمريكية للقدس في ظل صمت عربي مريب وارتباط ذلك بالترويج لصفقة القرن في ظل الانقسام ومحاولات تجسيد فصل غزة عن الضفة الغربية ضمن خيارات متعددة جميعها تقود لإنهاء رؤية الدولتين .. وفيما يلي نص الحوار :

الوضع الدولي والإقليمي والمتغيرات في موازين القوى لا شك أن لها انعكاسات على مجمل الوضع الفلسطيني والقضية الفلسطينية، برأيك.. ما انعكاس تلك المتغيرات على مسار التسوية وقضية السلام والتحالفات على مسار إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة الفلسطينية ؟

- لا شك أن المتغيرات في موازين القوى لها انعكاسات كبيرة على بعض التفاصيل بما يخص القضية الفلسطينية بشكل عام، لكن يُحسب للشعب الفلسطيني وقيادته إبقاء قضية فلسطين على سلم أولويات المجتمع الدولي والإسلامي والعربي بلا شك ،  نعم قد يكون هناك آثار جراء المتغيرات المتلاحقة والتطورات الدراماتيكية المستمرة، لكن العمق العربي والإسلامي وحتى الدولي للقضية الفلسطينية يبقى كما هو.

وهذا ينقلنا للطرف الثاني من سؤالكم المتعلق بإنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة الفلسطينية الداخلية، بلا شك أثّر هذا الملف الأسود على القضية الفلسطينية أكثر بكثير من تأثير المتغيرات وموازين القوى الإقليمية والدولية، فعندما نكون تحت احتلال وفي ذات الوقت نرضخ تحت رحمة انقسام مستمر منذ ما يزيد عن 12 عاما، فإن ذلك بدأ بالتأثير على العمق الحصين للقضية الفلسطينية، فحتى بعض الدول الصديقة بدأت بترديد عبارة «لن نستطيع مساعدتكم ما دمتم منقسمين،  وللأسف الشديد فإن هذه المتغيرات دفعت لإطالة أمد الانقسام ضمن دائرة "حرق الوقت" التي استخدمت خلال الفترة الماضية، فعندما كنا نصل إلى مراحل متقدمة في المصالحة ونبدأ في المراحل الأخيرة من التنفيذ، تُقطع حبال الود ونعود إلى نقطة الصفر من جديد كما حدث مع محاولة الاغتيال التي تعرضت لها ومدير المخابرات في قطاع غزة،، إنهاء الانقسام واجب وطني وضرورة تاريخية لا بُد من إتمامها.

أما مسار التسوية وعملية السلام، فبرأيي لم يعد لها مكان في ظل حكومة يمينية متطرفة ، قتلت إمكانية ذلك، فهل من يقوم بإعلان القدس عاصمة له، ويصادق على قانون القومية، ويستوطن يومياً مئات الدونمات من الأراضي الفلسطينية يريد سلاما أو يؤمن بعملية السلام؟ كنا نتمنى أن تُفرز الانتخابات الأخيرة حكومة قادرة ومقتنعة بأهمية السلام الذي لا يتحقق إلا بإقامة دولة فلسطينية مستقلة السيادة على حدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية، لكن جاءت النتائج داعمة لطريق هدم حل الدولتين واستمرار الإجرام والاستيطان،،  نتمنى بعد أن حلّ الكنيست الإسرائيلي نفسه أن تُفرز الانتخابات القادمة حكومة تؤمن بالسلام وتؤمن بحل الدولتين بل وتسعى لتطبيق قرارات الشرعية الدولية والاتفاقات ذات الصلة والموقعة.

 ما هي الخيارات برأيكم أمام قيادة منظمة التحرير الفلسطينية للخروج من مأزق الوضع السياسي؟

- كان الله في عون الرئيس أبو مازن الذي عملت بجانبه 6 سنوات وشاهدت حجم الضغط الذي يتعرّض له، وكم الترهيب والترغيب في ذات الوقت المعروض أمامه، القيادة الفلسطينية اتخذت قرارات مهمة في الفترة الأخيرة من ضمنها دراسة فك الارتباط بالجانب الإسرائيلي اقتصادياً، وقد تم البدء في الفترة الماضية بوضع خطط للعمل على ذلك، كما اتخذ المجلس المركزي الفلسطيني قراراً بوقف الاعتراف باتفاق أوسلو وغيرها من القرارات على المستوى السياسي، ولا تزال القيادة الفلسطينية تناضل في المحافل الدولية لتحصيل إنجازات سياسية ودبلوماسية على الصعيد الدولي لإدانة الاحتلال الإسرائيلي وإجراءاته غير القانونية والإجرامية.

أما داخلياً فإن تثبيت المواطن الفلسطيني على أرضه هو أهم الأهداف في المرحلة الحالية، فإسرائيل تسعى بلا شك لتهجير المواطن من أرضه، فكان من أولويات القيادة الفلسطينية تثبيت المواطن على أرضه وتمكينه فيها وهو أمر يحاربه الاحتلال سواءً بالاقتطاعات من المقاصة أو بهدم المباني أو التضييق على الاستثمار في فلسطين، فكل إجراءات الاحتلال على الأرض هدفها تهجير المواطن الفلسطيني من أرضه، وكل تركيز القيادة الفلسطينية كان لتثبيت المواطن في أرضه.

برأيكم وخبرتكم هل بمقدور السلطة الوطنية الفلسطينية التحلل من اتفاق أوسلو خاصة وأن حكومة الاحتلال الإسرائيلي أنهته فعلياً بعد قرار شارون بالفصل الأحادي الجانب عن قطاع غزة؟

- ربما بقي من اتفاق أوسلو اسمه فقط، إسرائيل نسفت هذا الاتفاق بشكل كامل، بل تقوم الآن بتعزيز نظام الأمر الواقع من خلال مضاعفة عمليات الاستيطان ومصادرة الأراضي، حتى أن النقاش في إسرائيل يدور عن ضم الضفة الفلسطينية، هل من يفكر في هذا الاتجاه يعتبر أن هناك «أوسلو»؟

بالطبع لا. السلطة الفلسطينية هي إحدى الإنجازات التي ترتبت على اتفاق أوسلو الذي وقعته منظمة التحرير الفلسطينية والمجلس المركزي الفلسطيني، وهو أعلى هيئة بعد المجلس الوطني اتخذ قراراً بتعليق الموافقة على اتفاق أوسلو ،  وبالتالي أوسلو دفنه الاحتلال بإجراءاته، وأثر ذلك تطالب القيادة الفلسطينية الآن بضرورة تطبيق قرارات الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن وإجبار إسرائيل للانصياع للقرارات الدولية.

 برأيكم هل لموسكو أن تلعب دوراً مهماً في تحقيق المصالحة الفلسطينية وإنهاء الانقسام؟ وهل من دور لموسكو في تحريك عملية التسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين إذا فشلت الجهود الأمريكية لتمرير صفقة القرن ؟

- في البداية فإن المصالحة الفلسطينية لا تحتاج لوسطاء وأعتقد أن الجانب المصري ولدرايته بتفاصيل عملية المصالحة وإنهاء الانقسام كفيل بذلك، المصالحة تحتاج لنوايا حقيقية لإنهائها ولاستشعار السوء والخطر الذي تتعرض له القضية الفلسطينية، ولأجل ذلك فإن إنهاء الانقسام هو قرار داخلي وليس بكثرة اللقاءات أو أماكنها.

أما فيما يخص عملية التسوية، فإن الولايات المتحدة وبعد إعلان الرئيس الأمريكي ترامب نقل سفارة بلاده إلى القدس واعترافه بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال أنهت فكرة أن يكون وسيطاً وحيداً في عملية التسوية (إن كان هناك طرف إسرائيلي يؤمن بذلك بالأساس) ورغم أن الولايات المتحدة منحازة تاريخياً لدولة الاحتلال إلا أن الانحياز الأعمى من إدارة الرئيس ترامب كان علنياً وميدانياً وبالتالي فإن القيادة الفلسطينية طالبت بأن يتم عقد مؤتمر دولي للسلام أو أن يتم تشكيل لجنة على غرار لجنة  5 + 1 المتعلقة بالاتفاق النووي مع إيران ,,  روسيا من أهم الدول التي تقف مع الحق الفلسطيني والشرعية الدولية وهي بالتأكيد وبقوتها ومكانتها الدولية كثاني أكبر قوة في العالم بإمكانها أن تلعب دوراً مهماً في تحريك العملية السلمية، ولكن يبقى السؤال برسم إجابته، هل يوجد طرف إسرائيلي مستعد للاعتراف بالحق الفلسطيني وتنفيذ الاتفاقات وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة؟

 برأيكم ما هي الخطوات العملية لإنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية؟
- لا بد من التأكيد أن إنهاء الانقسام لا يتطلب سوى نوايا حقيقية لإنهائه، عملياً فإن اتفاق 2017 الذي كان يقضي بتمكين الحكومة من العمل في قطاع غزة هو الاتفاق الأكثر وضوحاً، وهو بالمناسبة يعتمد في بعض التفاصيل على اتفاق 2011، وبالتالي كل شيء جاهز وبالإمكان البدء من حيث حدثت محاولة الاغتيال في مارس 2018 حيث كنا على أعتاب البدء بالتنفيذ لمراحل متقدمة في الاتفاق لكن حدث ما حدث وتوقف كل شيء.

الدستور: هل من خطوات قانونية يمكن أن تسير فيها قيادة منظمة التحرير لمواجهة المخططات الأمريكية والإسرائيلية على ضوء تصريحات فريدمان الأخيرة ويدعو فيها لضم أجزاء من الضفة الغربية؟

- القانون الدولي واضح وكل القرارات الإسرائيلية والأمريكية هي قرارات انطلقت من منطق «البلطجة» وتصريحات فريدمان لا تبتعد عن المنطق ذاته، منظمة التحرير تعمل من خلال سفارات فلسطين ومن خلال المؤسسات الدولية والأمم المتحدة على تجريم الاحتلال الإسرائيلي لثنيه عن مخططاته الاستيطانية، لكن الاحتلال لم يلتزم يوماً لا بقانون دولي ولا أخلاق تحكمه، هل سينصاع لقرارات قانونية جديدة ؟ هل توقف الاستيطان بناء على قرار 2334 الذي اتخذه مجلس الأمن الدولي في 2016؟ بالعكس فإن الخطط الاستيطانية ازدادت وزادت عمليات المصادرة للأراضي في الضفة الفلسطينية.

كيف تقيمون أهمية الوصاية الهاشمية على القدس في الحفاظ على الأماكن المقدسة وحماية القدس والدور الأردني في مواجهة صفقة القرن؟

- الموقف الأردني موقف واضح ولا لُبس فيه، بل وربما تتعرض المملكة الاردنية الهاشمية لضغوط كبيرة جراء موقفها من صفقة القرن، والوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة تقف في وجه المخططات التهويدية للقدس.

 قمتم ببضع زيارات للأردن وتم تفعيل الاتفاقات الاقتصادية وعقد اتفاقات اقتصادية جديدة ، فما هي رؤيتكم لمستقبل العلاقات الأردنية الفلسطينية وأهمية الاتفاقات الاقتصادية للتحلل الاقتصادي مع إسرائيل والخروج من اتفاق باريس الاقتصادي؟

- العلاقات الاقتصادية الأردنية الفلسطينية علاقات وثيقة، لكن كان لا بد من زيادتها وتفعيل بعض منها ،  نحن نرغب بالانفكاك الاقتصادي عن إسرائيل والتحلل من التبعيات التي فرضتها اتفاقية باريس والتي بالمناسبة تحدد كمية ومبلغ الاستيراد والتصدير من وإلى الأردن وبالتالي محدودية إمكانية فتح السوقين الفلسطيني والأردني ،،  في زياراتنا الأخيرة تم البدء بتنفيذ مخططات لتأصيل العلاقات الاقتصادية بين البلدين وقد تم توقيع عدة اتفاقيات مع جهات الاختصاص في الوزارات ذات العلاقة ولا بد من التأكيد أن الانفكاك عن الابتزاز الإسرائيلي اقتصادياً لا يمر إلا من خلال علاقات اقتصادية قوية مع الأردن.

 الحصار الاقتصادي وسياسة التضييق والخناق التي تمارسها «إسرائيل» مع السلطة الفلسطينية، برأيكم هل هناك خطة واستراتيجية اعتمدت لمواجهة تلك الضغوط الممارسة ضد الشعب الفلسطيني؟

- الخطة تتلخص في ضرورة تثبيت المواطن الفلسطيني في أرضه وتمكينه فيها، هذه النتيجة لا بد لها من خطط استراتيجية قمنا على سبيل المثال لا الحصر بالبدء بتنفيذ أجندة السياسات الوطنية التي اعتمدت «المواطن أولاً» شعاراً لها نفذته واقعاً.

 هل يمكن المراهنة على دور أوروبي في مسار عملية السلام بعد أن حسمت إدارة ترامب موقفها لدعم «إسرائيل» واعترفت في القدس عاصمة لها ودعمها للاستيطان وتخليها عن لعب دور الوسيط وهي ممعنة بمخططها لتصفية القضية الفلسطينية والحقوق الوطنية من خلال إصرارها على عقد مؤتمر البحرين الاقتصادي والإصرار الفلسطيني على مقاطعته؟

- الاتحاد الأوروبي موقفه من السلطة الفلسطينية متقدم والتزامه المستمر منذ أوسلو إلى يومنا هذا بدعم خزينة السلطة بمشاريع تنموية وفي البنى التحتية يؤكد أن موقف الاتحاد الأوروبي الالتزام الكامل بحل الدولتين وفق قرارات الشرعية الدولية ،، أكرر أن القيادة طالبت بعقد مؤتمر دولي للسلام أو تشكيل لجنة وساطة دولية على غرار الـ 5 + 1 وإن تم ذلك، فروسيا، والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة هي أهم الأطراف التي لا بد أن تشارك فيها، وبإمكان الاتحاد الأوروبي أن يكون طرفاً نزيهاً في أي محاولات لإعادة مسار التسوية، لكن هل يوجد طرف إسرائيلي بإمكانه الاعتراف بدولة فلسطين وبقرارات الشرعية الدولية؟

 المبادرة العربية للسلام أين تقف اليوم؟ وهل ما زالت تصلح كمرجعية عربية للسلام في ظل ما نشهده من تطبيع للعلاقات بين إسرائيل وبعض الدول العربية؟
- قضية التطبيع مع إسرائيل، تحاول الأخيرة تصويره وكأن كل الدول العربية والإسلامية قامت بالتطبيع مع الاحتلال، لا شك أن هناك بعض الدول انتهجت هذا النهج مؤخراً، لكن هذا لا يعني أن التطبيع لبعض العرب مع الاحتلال على غاربه، أما المبادرة العربية التي أطلقها المرحوم الملك عبد الله بن عبد العزيز من بيروت هي الحد الأقصى لإمكانية التنازل العربي، وهي الحد الأدنى المقبول فلسطينياً وعربياً، وبالتالي فإن محددات المبادرة العربية والتي تعتمد بالأساس على قرارات الشرعية الدولية والأمم المتحدة تصلح لأن تكون مرجعية للسلام. إن كان الاحتلال يريد تطبيعاً فالمبادرة العربية للسلام تحقق له ذلك في حال قام بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية والاعتراف بدولة فلسطين بعاصمتها القدس، فالمبادرة تنص على فتح علاقات ثنائية عربية إسرائيلية. لكن هذا لن يحدث طالما استمرت الممارسات اليمينية المتطرفة والتي تزداد تطرفاً وإجراماً.

تشهد القدس والضفة الغربية توغلاً استيطانياً محموماً من قبل حكومة الاحتلال الانتقالية، والاستيطان يشكل خرقاً فاضحاً لقرار الأمم المتحدة 2334 الذي حظي بتأييد 14 عضواً وامتناع الولايات المتحدة عن التصويت، وكرر مطالبة إسرائيل بأن توقف فوراً وعلى نحو كامل جميع الأنشطة الاستيطانية في الأرض الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية، برأيكم ما هي القرارات والإجراءات المتخذة لوقف الاستيطان في ظل دعم أمريكي لممارسات الاحتلال؟
- الحل الوحيد المُمكن للحد من الإجراءات الاستيطانية لحكومة اليمين هو تثبيت المواطن في أرضه والاستثمار المستمر في المناطق المُسماة «ج»، ولا بُد من ضخ الإمكانيات المناسبة واللازمة لذلك، لقد قمنا بتأسيس مكتب متخصص بمنطقة «ج» وبدأنا بجلب مشاريع دولية واستثمارات خارجية وداخلية لهذه المناطق، هذا يحُد من المد الاستيطاني من جهة ومن جهة أخرى يسهم في تعزيز الاستثمار داخل فلسطين، وبالتالي يعزز من صمود المواطن في أرضه ويخلق اقتصاداً مقاوماً ولديه إمكانيات الصمود والاستمرار. هذه الإجراءات الميدانية على الأرض مطلوبة للاستمرار بمواجهة المخطط الاستيطاني المرسوم. في المقابل فإن الإجراءات السياسية والديبلوماسية للقيادة الفلسطينية مستمرة لفضح الجرائم الإسرائيلية وللإصرار على دول العالم لصون قراراتهم وإجبار الاحتلال على الانصياع لقرار مجلس الأمن ذي الصلة.

 أين وصلت برأيكم قضية الخان الأحمر خاصة أن الأهمية الاستراتيجية للتجمعات السكانية التي تشمل «الخان الأحمر» و»أبو النوار» وغيرها تنبع من أن ما يجري في الخان الأحمر يتضمن مشروع القدس الإسرائيلي 2050، والذي يطلق عليه مشروع 5800؟
- لقد قلنا سابقاً إن ما يجري في الخان الأحمر هو اللبنة الأولى في الخطة الإسرائيلية الأمريكية المعروفة بصفقة القرن، وجميع المؤشرات على الأرض تشير إلى أن إسرائيل ماضية قدماً في مخططاتها الرامية إلى ابتلاع الضفة، وتوسيع بلدية القدس وإقامة مطار في المنطقة، وربطها بشبكة من القطارات، وإقامة منطقة صناعية، لتسدل بذلك الستار الأخير على حل الدولتين، حيث تستند دولة الاحتلال في مشاريعها ومخططاتها الاستيطانية هذه إلى الدعم الأمريكي غير المسبوق، لكننا نؤكد أن شعبنا وقيادته لن يسمحوا بمرور هذا المخطط، ولقد عملت القيادة الفلسطينية والحكومة على منع هدم الخان الأحمر، من خلال توفير الدعم لسكانه وتعزيز صمودهم، وأي حكومة فلسطينية ستواصل القيام بهذا الدور.

القدس تتعرض لمشروع يهدف إلى تهويدها بالكامل بما فيها المسجد الأقصى وباقي المقدسات الإسلامية، والمسيحية، ما هي رؤيتكم لمواجهة المخططات الإسرائيلية؟

- في الحقيقة إن كل الجهود التي تبذل لمواجهة المخططات الإسرائيلية لن تكون كافية في ضوء استمرار حالة الانقسام والتشرذم الفلسطيني، وغياب الموقف الفلسطيني الواحد الموحد.. كما أن هذه الجهود هي بحاجة ملحة لظهير عربي قوي وفاعل للاستناد إليه، وذلك يتطلب دعماً عربياً حقيقياً بالتأكيد على أولوية القضية الفلسطينية كقضية أساسية ومحورية في الشرق الأوسط، وإعادة الاعتبار للمبادرة العربية وتفعيل شبكة الأمان العربية لدعم السلطة الفلسطينية في معركتها الحالية مع إجراءات التهويد الإسرائيلية للأراضي والمقدسات، وسياسة تقويض السلطة الفلسطينية ومؤسساتها.

 حكومة الوفاق الوطني نجحت في إدارة ملفات كثيرة وحققت نجاحات ملموسة، برأيكم ما هي أهم النجاحات التي حققتها حكومتكم حتى استقالتها؟


- لقد عملت حكومة الوفاق الوطني في ظل تحديات كبرى، وواجهت حصاراً سياسياً ومالياً نتج عنه تراجعاً كبيراً للدعم الخارجي ما  اضطرنا للبحث عن سبل مختلفة ووسائل بديلة.
كما تحملت الحكومة أوزار استمرار الانقسام المأساوي وتداعياته الكبيرة والمؤلمة، وما نتج عنه من غياب للمجلس التشريعي ودوره، وهو ما دفع الحكومة لأن تأخذ على عاتقها تنظيم بعض القوانين الملحة والضرورية وفقاً للحاجة والحالة الفلسطينية.. وبالرغم من كل الصعوبات لم تنقطع الرواتب يوماً، ولم يتعطل إيصال خدماتها إلى كل شبر من أرضنا، في غزة، وفي الضفة، والقدس، وسائر المناطق المهمشة والمهددة وخلف الجدار، فقد انصب عمل الحكومة على تكريس بناء مؤسسي قوي مقاوم قادر على تلبية احتياجات وتطلعات شعبنا، فتمخضت عنه آلاف المشاريع التطويرية والتنموية، وحث الخطى في إعمار قطاع غزة رغم عدم إيفاء الدول بالتزاماتها حسب اتفاق «القاهرة».

لقد كانت السنوات الست الماضية مثقلة بالتحديات، لكنها في كل يوم منها كانت تمثل تحدياً شخصياً لي ولوزراء حكومتي ولكل العاملين فيها، لضرورة تخطي العقبات مهما كانت جسامتها، وهنا لا بد من الإشارة إلى الدعم والمساندة التي تلقتها الحكومة من الرئيس محمود عباس خلال السنوات الماضية.

ما قمنا به هو مسؤوليتنا وفي صلب عملنا ولا منة على أحد بكل نجاح تحقق، واستقرار الحالة الأمنية والقضاء على كل مظاهر الفلتان يعد إنجازا رئيسا وكبيرا، وفي العموم حكومة الوفاق سارت وفق خطط ممنهجة وضعت مدينة القدس والمناطق المصنفة «ج» والمهددة بالاستيطان.

فتركز العمل في القدس على سبيل على دعم قطاع الإسكان وتجار البلدة القديمة والمسجد الأقصى وحراسه ومؤسسات الإسعاف والطوارئ والقطاع الصحي ممثلاً بالمستشفيات الفلسطينية الأربعة هناك، والمراكز التعليمية في القدس، وخطة لدعم سكان القدس، وتثبيت السكان المهددة منازلهم بالهدم والكثير من الإنجازات الأخرى في المدينة المقدسة.

كما أطلقت الحكومة منحا لدعم وصمود المواطنين في المناطق المسماة «ج» تركزت بشكل أساس على التمكين الاقتصادي، وتزامن ذلك مع المصادقة على الإطار الاستراتيجي للمناطق المسماة «ج»، كما نفذت حكومة الوفاق مشاريع بنى تحتية بما فيها المدارس، وشق الطرق والمباني العامة، وتأهيل شبكات المياه والكهرباء وإقامة شبكات جديدة، وتركزت المشاريع أيضاً في المناطق المسماة «ج» على البعد التنموي وذلك من خلال 39 مشروعاً هدفت لتحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية بقيمة بلغت 7.3 مليون يورو، بالإضافة لبرامج تعزيز المقاومة الشعبية السلمية وأخرى تتعلق بالحماية القانونية.

كما عملت الحكومة على تنفيذ برامج الإعمار في قطاع غزة رغم عدم التزام المانحين بالمبالغ التي تعهدوا بها وبقيت هناك فجوة مالية وصلت إلى نحو نصف مليار دولار، وما تم توفيره هو 54% من التمويل المطلوب ورغم ذلك نجحت الحكومة في إعادة إعمار قطاع غزة.

وبالمجمل بلغ قيمة إنفاق الحكومة منذ عام 2013 ولغاية 2018 على قطاع غزة 8.6 مليار دولار.

 حكومة الوفاق التي رئستموها لمدة ست سنوات تقريباً شكلت بموجب اتفاق الشاطئ، برأيكم ما هي الأسباب التي حالت دون تحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام على الرغم من الجهود التي بذلت في هذا المضمار؟
 

- أعتقد أن عدم توافر نوايا حقيقية لتجاوز عقبة الانقسام سيبقي المصالحة الفلسطينية في حالة من المد والجزر لوقت طويل، ويمكن القول أن حركة حماس أبدت حالة من التعنت والتشدد في مسألة تمكين الحكومة، رغم ما قدمناه من مواقف ومبادرات منذ اليوم الأول للحكومة، ورغم تجاوزنا عن الكثير من الممارسات والإساءات.

 رغم حجب المساعدات الخارجية عن السلطة الفلسطينية إلا أن حكومتكم تمكنت من التغلب على العجز من خلال الاعتماد على الموارد الذاتية ودفع الرواتب في موعد استحقاقها وهذا بحد ذاته إنجاز كبير، كيف تحقق ذلك؟ وهل من إمكانية للتغلب على الأزمة الحالية؟

- بصياغة سؤالكم، لولا الاحتلال لكنا وصلنا إلى مرحلة أكبر وأكثر تأثيراً، نحن بنينا اقتصاداً مقاوماً يعتمد على الاستثمار طويل المدى، وقمنا بسن قوانين لتشجيع الاستثمار والعمل على تشغيل أكبر قدر ممكن من الأيدي العاملة، وهذا كان وفق خطط مدروسة ضمن أجندة السياسات الوطنية ، رغم ذلك كان هناك هامش كبير في الاعتماد على أموال المقاصة التي تجبيها إسرائيل نيابة عنا وتتحصل على نسبة أيضاً من إجمالي المبلغ وتستخدم أموال المقاصة للابتزاز السياسي الذي كنا نرفضه، وفي الأشهر الأخيرة قام الكنيست بسن قانون لاقتطاع أموال أسر الشهداء والأسرى، ورفضت القيادة الفلسطينية تسلم الأموال المقتطعة وقامت بإعادة المقاصة المنقوصة للاحتلال، أُسس الاقتصاد الوطني قوية، لكنها تتأثر بالواقع السياسي وبالتأكيد الاحتلال لا يريد بناء اقتصاد وطني ويريد أن يبقى الاقتصاد الفلسطيني مرتبطاً بالاقتصاد الإسرائيلي، وهو الانفكاك الذي يتم تدريجياً وفق الخطط المرسومة، ووفق قرارات القيادة الفلسطينية والمجلسين الوطني والمركزي للانفكاك عن الاحتلال.

 كثر الحديث عن الطلب لتعديل اتفاق باريس الاقتصادي، ما هي رؤيتكم في ذلك؟ وهل من خطة استراتيجية لدى السلطة الفلسطينية للتحلل من ذلك الاتفاق ؟ وهل بمقدور الأردن بموجب الاتفاقات أن يصبح الشريك الفعلي لفلسطين ضمن خطة التكامل الاقتصادي؟

- القضية ليست بالسهولة المتوقعة لكنها ليست بالمستحيلة، الاقتصاد الفلسطيني منذ نشأة السلطة مرتبط ارتباطاً كاملاً بالاقتصاد الإسرائيلي، وفي السنوات الأخيرة بدأنا عملية الانفكاك التدريجية عن الاحتلال لكن لم نصل لمرحلة الانفكاك الكامل، الاحتلال يسعى لإبقاء الاقتصاد الفلسطيني عبر إجراءاته وتضييقه المستمر على مكونات الاقتصاد الوطني من جهة، وعلى أي مشاريع استثمارية تنضج في فلسطين، ولكم أن تتخيلوا كيف حوّل الاحتلال الاقتصاد في قطاع غزة من منتج إلى مستهلك، وأوصله إلى مرحلة حرجة في حصار استمر منذ اثني عشرة سنة، هذا الأمر يتطلب جهودا وطنية من كافة مكونات الشعب الفلسطيني ورجال الأعمال الفلسطينيين في الخارج، مطلوب منهم البدء بالاستثمار في الداخل لتحصين الاقتصاد الفلسطيني من جهة وللعمل على استكمال خطط بناء اقتصاد فلسطيني مستقل منفصل عن الاحتلال وتبعاته،  بإمكان المملكة الأردنية الهاشمية عبر الإمكانيات المتاحة والتواصل الجغرافي الموجود أن تكون الشريك الفعلي لفلسطين وهو أمر عملنا على تنفيذه مؤخراً بتفعيل الاتفاقيات الاقتصادية الثنائية المشتركة مع الحكومة الأردنية.

 كيف تقيمون المستقبل الفلسطيني على ضوء انغلاق أفق تحقيق السلام المنشود؟ وهل من مراهنة على تغيير الخرطة الحزبية الإسرائيلية بانتخابات الكنيست المنوي إجراؤها في أيلول القادم بعد فشل نتنياهو تشكيل حكومته الخامسة؟
- هذه الحال نحن عليه منذ وقف المفاوضات بسبب تعنت الاحتلال وعدم وجود طرف إسرائيلي يؤمن بعملية السلام. نأمل أن تفرز الانتخابات الإسرائيلية القادمة حكومة قادرة على تنفيذ قرارات الشرعية الدولية وأن تقبل بحل الدولتين وتعترف بالدولة الفلسطينية التي باتت أساساتها جاهزة.

 هل من كلمة مختصرة توجهونها لأبناء شعبكم على ضوء الوضع الراهن؟
-أحيي أبناء شعبنا الفلسطيني في كل أماكن تواجده، صمودكم هو الدافع الأساس لصمود القيادة الفلسطينية ووقوفكم بوجه مخططات الاحتلال نتيجته في نهاية المطاف الحصول على دولة فلسطينية مستقلة كباقي دول العالم.