نابلس - النجاح الإخباري - ثلاثة وثمانون عامًا مرّت على استشهاد الشيخ عز الدين القسام، فمن هو القسام؟ وما ظروف استشهاده.

عن حياته

وُلد عزّ الدين القسام في بلدة (جبلة) السورية سنة (1299هـ / 1882م)، وتلقى تعليمه الأوَّلي في بلده، وكان أبوه صاحب كتَّاب لتحفيظ القرآن الكريم.

ولمّا بلَغ سن الصِبا تلقى تعليمه الابتدائي في بلدته، ثمَّ ذهب وهو في الرابعة عشرة إلى القاهرة برفقة أخيه "فخر الدين" للدراسة بالأزهر، وكان آنذاك يمر بفترة إصلاحية لتنظيم الدراسة به، فتلقى العلم على شيوخه الكبار، وكان من بينهم الشيخ "محمد عبده"، وظلَّ بالجامع الأزهر حتى نال الشهادة العالمية.
ثمَّ رجع  إلى بلده وحلَّ محل أبيه في تحفيظ القرآن، انتقل بالناس عبر عمله والتفوا حوله وتأثَّروا به لعلمه وورعه، عمل "القسام" على تكوين خلايا ثورية لمجاهدة الإنجليز واليهود؛ كان نتيجة ذلك أن قامت عمليات بطولية أفزعت المحتل الإنجليزي.

 

شارك في ثورة 1919-1920 ضد الفرنسيين. فلما فشلت هذه الثورة حكمت عليه محكمة عسكرية فرنسية غيابيًا بالموت، فهرب إلى الجنوب إلى فلسطين. سكن في حيفا واعتاش من محاضرات دينية كان يلقيها في المدينة والقرى المجاورة. وعندما أنشئ المجلس الإسلامي الأعلى عيّن الشيخ عز الدين القسام إمامًا لمسجد الاستقلال في حيفا.

 

في عام (1928) أنشأ الشيخ فرعًا لجمعية الشبان المسلمين في حيفا، وفروعًا أخرى في القرى المجاورة. هذه الفروع كانت مصدرًا لقيام (جمعية الكف الأسود) التي اتّخذت لها أسماء مختلفة. قسم كبير من أعضاء هذه الجمعية كانوا من فلاحين، وفقراء، وباعة متجولين، وبعضهم من أصحاب السوابق الذين تابوا على يد الشيخ وصلحت نواياهم. من بين هؤلاء كان يوسف سعيد أبو درة من قرية سيلة الحارثية الذي عمل في بيع البارد في "زخرون يعقوب"، ثمَّ في شركة النفط العراقية في حيفا، وأحمد الصالح حمد من سيلة الظهر وكان يُسمى محمد الصالح ويكنى أبا خالد ويعمل بائعًا متجولاً في حيفا.

إعلان الثورة

لم يخفَ على الإنجليز ما يقوم به "القسام" من إعداد الرجال للجهاد المقدس، وأنه ليس بعيدًا عن الأحداث التي بدأت البلاد تشهدها، فراقبت تحركاته وضيَّقت عليه، فلم يجد "القسام" بُدًا من إعلان الثورة على المحتل، وأن يكون هو على رأس المجاهدين فاتفق مع أحد عشر مجاهدًا على الخروج إلى أحراش (يعبد) في جنين، وأعلنوا الثورة على الإنجليز، والاستعداد للعمل الجهادي، وتشجيع أهالي المناطق المجاورة على الثورة.

لكن سلطات الإنجليز كشفت أمر "القسام" وعرفت مكانه من جواسيسها، فسارعت إلى قمع الثورة قبل اتساع نطاقها، فأرسلت في (18 من شعبان 1354 هـ= 15 نوفمبر 1935م) قوات عسكرية ووقعت معارك عنيفة بين المجاهدين والإنجليز استمرت أيامًا تكبد فيها الأعداء خسائر فادحة في الأرواح، وفوجئ "القسام" ومن معه بأن القوات الإنجليزية تُحاصرهم في (22 شعبان 1354 هـ= 19 نوفمبر 1935م) وتقطع سبل الاتصال بينهم وبين القرى المجاورة.

في 6 تشرين الثاني/نوفمبر 1935 خرج الشيخ عز الدين القسام ورجاله من حيفا إلى جبال فقوعة. في طريقهم قتلوا ضابط شرطة يهودي اسمه روزنفلد. هذه العملية كانت العملية الأولى التي قام به فصيل الشيخ عز الدين القسام. بدأت تصل الشرطة إخباريات عن تحركات المجموعة التي بلغ عدد أفرادها (22) ثائرًا مسلحًا. بعد ذلك انقسمت المجموعة إلى قسمين: قسم واصل سيره مع الشيخ عزّ الدين نحو قرية برقين الواقعة إلى الغرب من جنين، والقسم الثاني بقيادة الشيخ فرحان السعدي اتّجه نحو الشمال.

تواصلت الإخباريات عن وجود الشيخ عزّ الدين في قضاء جنين. فحشدت السلطات قوات كبيرة من الشرطة والجيش جلبتها من جنين ونابلس وحيفا. وأخذت هذه القوات بمساعدة طائرة بتتبع خطوتات الشيخ ورفاقه. في يوم الأحد( 17/11/1935) وصلت الشرطة إلى مغارة بالقرب من قرية كفر قاد، فاشتبكت مع محمد أبو القاسم خلف فأردته قتيلاً، فكان أول من استشهد من جماعة القسام، وأصله من حلحول قضاء الخليل، وكان قد أرسله الشيخ للاستطلاع.

بعد هذه الحادثة صمم الشيخ ورفاقه على خوض معركة مع الشرطة، فغادروا نحو خربة الطرم الواقعة شمال شرق قرية يعبد، ومنها انتقلوا إلى خربة الشيخ زيد الواقعة على مسافة 3 كم إلى الشمال من يعبد في أحراش الخطاف.

معركة غير متكافئة

كانت الشرطة والجيش يتعقبان الشيخ ورفاقه حتى فرضا طوقًا محكمًا حول المجموعة. كان ذلك في مساء يوم الثلاثاء، وفي صباح يوم الأربعاء (20/11/1935) نشبت معركة حامية بين الطرفين استمرت أربع ساعات، وانتهت في الساعة التاسعة صباحًا حسب التوقيت العربي، والعاشرة صباحًا حسب توقيت حكومة الانتداب.

شاركت في المعركة طائرة تقل مدير البوليس ومهمتها التوجيه. في البداية استشهد الشاب أحمد الشيخ سعيد حسان بعد خروجه من البيت الذي آوى إليه الثوار من قبل وكانت بيده بندقية، غير أنَّه لم يكن ثائرًا، وإنّما استشهد بطريق الخطأ.

انسحب الثوار إلى وادي النمرة إلى الشمال من قرية برطعة. خلال الاشتباك قتل شرطي إنكليزي اسمه مود، وجرح شرطي آخر، بينما استشهد: الشيخ عز الدين القسام، والشيخ يوسف عبد الله الزيباوي وهو من قرية الزيب قضاء عكا، وسعيد عطيفة أحمد، وهو مصري الأصل يعيش في حيفا، وقد اختلفت الروايات حول اسمه المضبوط. كما جرح في المعركة الشيخ نمر حسن السعدي من غابة شفاعمرو بجروح بالغة.

شيع جثمان الشهيد محمد أبو القاسم خلف في جنين، بينما شيع جثمان الشاب أحمد الشيخ سعيد في يعبد، أما جثمان الشيخ عز الدين القسام ورفيقيه فشيعت في حيفا في موكب مهيب وكبير ووروا الثرى في مقبرة بلد الشيخ الواقعة إلى الشرق من حيفا.

مات القسام إلا أنَّ اسمه عاش وتحوَّل رمزًا للجهاد والنضال، محفور في أحراش يعبد وجنين القسام، والذاكرة الفلسطينية جمعاء.