النجاح الإخباري - لايزال المواطن الفلسطيني يتساءل بحرقة، حول الأسباب الحقيقية، لاستمرار الانقسام الفلسطيني حتى هذا اليوم رغم مرور اثني عشر عاما، سام خلالها الشعب الفلسطيني الكثير من الهوان والإحباط وفقدان الأمل. لم يبق للمفكرين والكتاب والسياسيين، والمراقبين ما يقولونه أو يفعلونه في هذا الشأن، فلقد استنزفت السنوات السابقة، آلاف الساعات من الحوارات وورشات العمل، واللقاءات، و آلاف الأوراق البحثية والاقتراحات والمبادرات، والكثير الكثير من التحذيرات، ولكن كل ذلك، لم يترك أثرا عند أصحاب القرار والشأن.

الأطراف المعنية، ساقت وتسوق الكثير من الذرائع، لتبرير الوضع القائم، لكن واقع الحال، يشير إلى أن أصل الخلاف وفرعه ليس سياسيا، ولا يستجيب لكل تلك الذرائع، فالمسألة تتعلق بالسلطة، سلطة القرار، وسلطة المؤسسة. حين تقرأ بين السطور، تعثر على حقيقة مرة، وهي ان كل طرف، يعتقد بانه القادر على تحقيق الاهداف الوطنية، وأن برنامجه هو المؤهل وحده، لمجابهة استحقاقات ومخاطر الوضع الراهن الذي يزداد خطورة على الشعب والقضية. دائما كانت العوامل الخارجية، منقسمة حول المصلحة الفلسطينية، فثمة من يرى له مصلحة استراتيجية في بقاء الانقسام، مثل إسرائيل، وآخرين، وثمة من يرى عكس ذلك، فضلا عن أن بعض المتهافتين على العلاقة مع الحلف الأمريكي الإسرائيلي، يتذرعون بهذا الانقسام، لتبرير تهاتفهم وتخليهم عن مسؤولياتهم القومية اتجاه قضية العرب المركزية الأولى. إذا كانت العوامل الخارجية المضادة للمصالح الفلسطينية كانت وما تزال موجودة، لا يمكن إنكارها، ولا يمكن تجاهل تأثيراتها السلبية، فإن العامل الداخلي، لا يصدر عنه ما يفيد تغليب المصلحة الوطنية العامة على المصالح الحزبية الأنانية، أو المصالح والسياسات الخارجية ذات الأبعاد السلبية.

إذا حاولنا أن نقدم عرضا موضوعيا، لقضايا الاتفاق والاختلاف بين الفصائل الفلسطينية المتعارضة سنخرج بنتيجة مفجعة، تشير بأصابع الاتهام، للأطراف الثابتة على حقيقة وجود واستمرار الانقسام.

الفلسطينيون متفقون جميعا على رفض صفقة القرن، ما ظهر منها وما بطن، ما تأخر منها وما تقدم، هذا الاتفاق يشير إلى مدى قوة الحق الفلسطيني، وإلى مدى شجاعة السياسة الفلسطينية التي تقف في وجه أعتى القوى الامبريالية، في حين لا تجرؤ الكثير من القيادات العربية وغير العربية على مواجهة الطغيان والظلم الامريكي. الفلسطينيون متفقون على التمسك بالحقوق الفلسطينية كاملة، وعلى موضوع القدس، وعوة اللاجئين، ومتفقون على رفض ومقاومة السياسة الإسرائيلية، وعلى دعم ورعاية الأسرى وعائلات الشهداء والجرحى. سياسيا يختلف الفلسطينيون على ما تبقى من اتفاقية أوسلو، ومختلفون على أولوية أشكال النضال، رغم اتفاق سابق، على أولوية المقاومة الشعبة، وهم مختلفون على طبيعة النظام السياسي، وأحقية كل طرف في الحكم رغم كثرة الحديث عن الانتخابات كمدخل لحسم هذا الجدل العقيم. المحصلة ان حجم و نوع قضايا الاتفاق هي أهم وأكبر بكثير من حجم ونوع قضايا الخلاف، فإذاً لماذا يستمر هذا الانقسام، وهذا التأكل في مصادر وعناوين القوة الفلسطينية؟ ومن الواضح بأن مثل هذا الخلاف غير المبرر يؤدي عمليا وهذا هو الأهم، إلى تقويض عوامل الصمود، وإلى تقويض الهوية الوطنية الجامعة. قد ينتبه الساسة الفلسطينيون إلى مدى خطورة الهجرة، خصوصا هجرة الشباب والعقول، لكنهم لا يفعلون إلا ما يؤدي إلى المزيد من الاستنزاف. والساسة الفلسطينيون أيضا يدركون مدى خطورة تفكك الهوية الوطنية الجامعة، حيث يتحول الشعب الفلسطيني إلى جماعات لكل منها هوية، فللقدس هوية، ولغزة اخرى وللضفة هوية، وللشتات، وللفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948 . تتفتت الهوية، بدون أدنى اهتمام من قبل صناع السياسة والقرار، الذين يرفعون حساباتهم الخاصة فوق كل الحسابات، فهل يمكن بعد ذلك إلقاء المسؤولية على العرب وغير العرب؟

لقد تأخر كثيراً الوقت على إقفال صفحة الانقسام ولاستعادة الوحدة، الذي يعترف الجميع، بأنها الخطوة الأولى والأهم لمواجهة المخاطر التي تتعرض لها القضية ويتعرض لها الشعب.