طلال عوكل - النجاح الإخباري - يرفض الرئيس ترامب أي تخفيف للحصار والضغط على إيران، ويستخدم حقه في رفع الفيتو في وجه قرار مجلس الشيوخ، شارك في التصويت لصالحه بعض النواب الجمهوريين. السياسة الأمريكية ضاغطة بشدة على إيران والمتجردة من أي قيم إنسانية يرافقها ضغط عسكري عدواني لا يتوقف على الوجود الإيراني في سوريا بهدف إرغامها على سحب وجودها وإفشال استراتيجياتها، التي تقوم على تقوية نفوذها في ما يسمى بالمحور الشيعي. ويترافق ذلك مع ضغط اقتصادي وسياسي خبيث على لبنان، انطلاقا من التقدير بأن حزب الله وشراكاءه هم الذين يتحملون المسؤولية عن انهيار الاقتصاد اللبناني، واشتعال حالة الفوضى في ذلك البلد. مؤخرا أقدمت ألمانيا على خطوة أخرى لمضاعفة الضغط على حزب الله حين وضعته على قائمة الإرهاب، الأمر الذي يقفل إلى حد كبير أي إمكانية لتدخل المجتمع الدولي لمساعدة لبنان والتخفيف من أزماته المتفاقمة. هي سياسة تجفيف موراد إيران حتى لا تعود قادرة على المحافظة على استقرارها الداخلي، أو مساعدة حلفاءها وأذرعها الفاعلة في المنطقة بما في ذلك فلسطين. حركة الجهاد الإسلامي من بين القوى التي تحصل على دعم يكاد يكون حصري من إيران، ليس بالسلالح والدعم اللوجستي فقط وإنما بالاموال أساسا. هذه السياسة الأمريكية التي بدأت بتنفيذها الولايات المتحدة منذ اليوم الاول لوجود ترامب على رأس إدارتها، أدت وتؤدي إلى تراجع مستمر للاقتصاد الإيراني وتراجع تدريجي في قدرتها على دعم حلفاءها غير ان هذا التراجع اتخذ منحى خطيرا بعد تدهور أسعار النفط، الأمر الذي عرض حركة الجهاد الإسلامي إلى أزمة واضحة مؤشراتها في ضعف قدرتها على تغطية احتياجات عناصرها و موظفيها في المؤسسات التي تملكها الحركة، ما سيؤدي بدوره إلى تراجع دور الحركة في السياسة الفلسطينية بما في ذلك تراجع إمكانيتها العسكرية. الفصائل الفلسطينية سبق لها أن مرت في تلك التجربة في ثمانينيات القرن الماضي حين توقف نظام القذافي آن ذاك عن تقديم الدعم المالي لمعظم الفصائل، وكان قد وصل الدعم سنويا لبعضها إلى ستة عشر مليون دولار وبعضها الآخر إلى إثني عشر ماليون دولار، وأخرى إلى ستة ملايين. إنكشف ظهر الفصائل وتراجعت إمكانياتها وقدراتها عن تلبية احتياجاتها سواء اتجاه مؤسساتها ومتفرغيها، أو اتجاه مسؤولياتها الاجتماعية وحتى الكفاحية. محدودة الفصائل التي تحسبت لقرار توقف الدعم المالي الليبي واحتفظت ببعض المال أو وظفته استثماريا لكن كل ذلك لم يحمي تلك الفصائل من الوقوع في أزمة النقص الفادح في التمويل. في زمن ريغن أعلن مستشاره للأمن القومي بيرجنسكي الحرب على منظمة التحرير الفلسطينية من خلال تجفيف موادرها المالية، وربما كان لتلك السياسة دور في دفع المنظمة نحو الاستجابة للشروط الأمريكية والانخراط في مفاوضات غير مباشرة ثم مباشرة مع إسرائيل أدت إلى توقيع اتفاقية أوسلو الكارثية. من الواضح أن هذه السياسة ليست عبثية وتنطوي على آثار سياسية على الأطراف التي تستهدفها. الولايات المتحدة قامت بتوسيع دائرة الضغط والابتزاز المالي حتى شملت السلطة الفلسطينية لإرغام منظمة التحرير على الاستجابة لصفقة القرن التي تقايض الحقوق بالمال. الهدف بالنسبة للولايات المتحدة وإسرائيل واضح في الحالتين الإيرانية والفلسطينية فعلى هؤلاء الرضوخ والإستسلام ورفع الرايات البيضاء. لفترة طويلة لم يتأثر حزب الله باعتباره عنوان للمقاومة، ولكن منذ أن اشتد الضغط على إيران ولبنان وفلسطين والعراض و سوريا بدأ الحزب يواجه انتقادات متزايدة، أربكت استراتيجياته، وخلخلت قاعدته الاجتماعية على نحو واضح، حيث رفعت الجماهير اللبنانية شعارات ضد الحزب، وفي العراق كان الوجود الإيراني هدفا للاحتجاجات الشعبية. بمحصلة هذه السياسة الأمريكية الإسرائيلية، تواصل الضغط لتفجير الوضع الداخلي في إيران، ومن ثم إضعاف وجود و دور كل من اعتمد على إيران، وتبنى استراتيجياتها. هذه هي معالم الحرب القاسية التي تشنها الولايات المتحدة، ضد إيران و وجودها و نفوذها، بدون إسالة الدماء، و بدون ضجيج الحروب العسكرية، مستفيدة من تواطؤ المجتمع الدولي ولتمهيد الميدان أمام التوسع الإسرائيلي في الإقليم. ليس هذا وحسب بل إن الحركات الثورية أو الاجتماعية التي تستمد قدراتها ودورها من مصادر تمويل و دعم حصرية خارجية، وتفتقر إلى الدعم والتمويل الداخلي، فإنها سرعان ما ينكشف ظهرها ويتقزم وجودها كما هو حال عديد فصائل المقاومة الفلسطينية، التي تعاني من جمود أوضاعها و أدوارها وأغلبيتها تشهد تراجعا ملحوظا. المسألة لا تتعلق بالسياسات والمواقف إن كانت ثورية أو غير ثورية، فالنضال له متطلبات كبيرة ومستمرة، لا يقوى على الاستمرار فيه من يفقد مصادر دعم ثابته و موثوقة هي لم تعد متوفرة لا عربيا ولا دوليا ولا حتى وطنيا.