نابلس - هاني حبيب - النجاح الإخباري - لم تنتظر المنظومة الرسمية العربية التسلّم الرسمي لمفاتيح البيت الأبيض من قبل الإدارة الديمقراطية برئاسة جو بايدن، بل سارعت إلى اتخاذ خطوات تمهيدية للتعامل مع المعطيات المرتقبة للسياسة الخارجية للإدارة الجديدة، وذلك في سياق مقاربة مختلفة عمّا كان الأمر عليه إبان الإدارة الجمهورية السابقة برئاسة دونالد ترامب، حيث اعتمدت هذه الأخيرة سياستها في إطار ما تسمى «صفقة القرن»، وذلك بحسم قضايا الصراع على الملف الفلسطيني الإسرائيلي: القدس، واللاجئين، والسيادة، والأرض، والمستوطنات، لصالح إسرائيل، وفرض هذه السياسة من دون الحاجة إلى عملية تفاوضية، بل من خلال تعزيز الأمر الواقع عبر خطة الضم، مع التجاهل الكلي للجانب الفلسطيني الذي عوقب نتيجة لرفضه هذه الصفقة بقطع التمويل الأميركي عنه وعن «الأونروا»، وبإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، وتعزيز هذه الصفقة من خلال دعم «خطة أبراهام» حيث موجة تطبيع عربية غير مسبوقة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.


المقاربة الجديدة في ظل الإدارة الديمقراطية تعتمد على جملة التصريحات التي أدلت بها الحملة الانتخابية لبايدن: لا عودة عن نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة، لكنه سيعاد فتح القنصلية الأميركية فيها للتواصل مع الفلسطينيين، مع معارضة واضحة لخطة الضم والاستيطان، لكن من دون ذكر مصطلح احتلال، وإعادة فتح مكتب المنظمة في واشنطن، واستئناف الدعم المالي للأونروا.. كل ذلك تحت عنوان حل الدولتين والأرض مقابل السلام، وهذا سيعتمد أساساً على أنّ السياسة الخارجية الأميركية الجديدة ليست جديدة حقاً، بل هي امتداد لتوجهات الحزب الديمقراطي، خاصة إبان ولايتي أوباما، وبالتالي هذه سياسة تقليدية باتت معروفة ومن شأنها استعادة العملية التفاوضية، بحيث يكون الجانب الفلسطيني طرفاً أساسياً فيها، خلافاً لما كان الأمر عليه إبان الإدارة الجمهورية، مع الالتزام التقليدي المطلق بأمن إسرائيل وتعزيز تفوقها في سياق التحالف الإستراتيجي بينهما.
وتستعجل المنظومة العربية، من خلال عدة تمهيدات، التعامل مع السياسة الخارجية  في ظل إدارة بايدن، مع أنّ هذه الأخيرة من المستبعد أن تضع على قمة أولوياتها الملف الفلسطيني الإسرائيلي؛ ذلك أنّ أولوياتها ستكون إيران والصين وروسيا، وتحسين العلاقات مع أوروبا وحلف شمال الأطلسي. مع ذلك يلاحظ أنّ تمهيدات المنظومة العربية أخذت تخطو بجدية وسرعة؛ لتوفير مناخات تؤهل السياسة الأميركية للتعامل مع هذه الملفات، ولكي تسهل على إدارة بايدن الانتقال من مرحلة «صفقة القرن» إلى العودة لمرحلة حل الدولتين والأرض مقابل السلام، والانتقال من تجاهل الجانب الفلسطيني إلى الزجّ به في سياق عملية تفاوضية تلعب الخارطة السياسية العربية المستجدة، على ضوء عملية التطبيع التي كانت جزءاً لا يتجزأ من «صفقة القرن»، دوراً رئيسياً وفاعلاً بها. إنّ استعادة الاهتمام الأميركي بالقضية الفلسطينية، بعد الاهتمامات بالمسائل الخارجية الأخرى، تهدف إلى الضغط على الجانب الفلسطيني من قبل إدارة بايدن، وبإسناد من بعض الأطراف العربية؛ للضغط على الفلسطينيين لدفع ثمن باهظ من أجل إعادتهم إلى جدول أعمال العملية التفاوضية.
هذه التوجهات العربية تتجاهل العامل الإسرائيلي المتعلق بالفوضى الداخلية الحكومية، واحتمالات متزايدة لانتخابات تشريعية تجعل الجانب الإسرائيلي منشغلاً بأوضاعه الداخلية لقرابة عام كامل، خاصة أنه مع وصول بايدن إلى البيت الأبيض ستكون المحاكم الإسرائيلية قد بدأت محاكمة نتنياهو في قضايا ملفات الفساد، ما يجعل الجانب الإسرائيلي أكثر انشغالاً وأقل استقراراً، وبحيث لا تصبح ملفات العملية التفاوضية قيد اهتمامه.


من هنا يمكن فهم التطورات المتسارعة الأخيرة على الصعيد الفلسطيني العربي، تطورات لا يمكن الفصل بين كل مفردة والمفردات الأخرى، وعلى الأخص القمة الأردنية الإماراتية البحرينية، وحديثها عن حل الدولتين والتمسك بالمبادرة العربية! في وقت استبقت فيه القيادة الفلسطينية استعداد الملك الأردني للوساطة بين السلطة الفلسطينية والإمارات بإعادة سفيرَيها لأبو ظبي والمنامة، بعد ساعات من أول زيارة لوزير خارجية بحريني لإسرائيل والإعلان عن تبادل السفراء بينهما، وكذلك استعادة اللجنة الرباعية الدولية التذكير بها بالدعوة إلى عقد اجتماع فلسطيني إسرائيلي في سياق مؤتمر دولي بمشاركة عربية. ويبدو أنّ التجمعات التطبيعية والمؤتمرات العربية، والتحولات الأخيرة بشكل عام، تهيئ نفسها للانضمام العربي لمثل هذا المؤتمر، وذلك الاستثمار لقرار القيادة الفلسطينية باستئناف التنسيق مع إسرائيل.
علينا الانتظار وقتاً أطول ممّا تقدره المنظومة العربية والفلسطينية، قبل أن ندرك أن الإدارة الأميركية الجديدة ربما لا تجعل من الملف الفلسطيني الإسرائيلي أحد اهتماماتها الرئيسية؛ باعتباره ليس ضاغطاً عليها.