نهاد أبو غوش - النجاح الإخباري - قد يتمنّع الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، ويماطل في الاعتراف بهزيمته، ويحاول سبر واستكشاف أدواته القانونية أملا في تغيير النتيجة، ولكنه في نهاية المطاف سيرضخ للنظام الأميركي، وربما يوظّف هذا العناد وهذه الممانعة في التحضير لحملته القادمة لانتخابات العام 2024. وفي المحصلة: على العالم، وعلينا كفلسطينيين أن نهيّئ أنفسنا لأربع سنوات قادمة للإدارة الديمقراطية برئاسة جو بايدن، وأن نستعد بما فيه الكفاية للتعامل مع هذه الإدارة، وإبداء أقصى قدر من الحذر في التعويل عليها بأكثر مما يمكن لها أن تقدم.

ولا شك أن ترامب كان الرئيس الأميركي الأسوأ بالنسبة للعالم، وربما بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية نفسها، أما نحن الفلسطينيين، فقد كان ترامب هو الأكثر عدوانية وظلما لنا ولحقوقنا الوطنية منذ النكبة، أي على امتداد 18 فترة ولاية رئاسية تعاقب عليها 13 رئيساً منذ هاري ترومان وحتى الآن.

ثمة في صفوفنا من لا يرى كبير فرق بين رئيس أميركي وآخر، لا بل ثمة من كان يفضل استمرار ترامب على قاعدة أن سياساته واضحة وليست ملتوية كغيره من الرؤساء، وهذا من حق كل امرئ في أن يرى ما يريد، ولكن من المفيد هنا أن نلخص الفارق بين ترامب وبين من سبقوه من الرؤساء بجملتين: كل الرؤساء السابقين انحازوا لإسرائيل ودعموها من دون حدود وغطّوا على أفعالها، أما ترامب فقد اصطف إلى جانبها وشاركها في العدوان على الشعب الفلسطيني.

لقد ألحق بنا ترامب وبقضيتنا أضرارا لا يمكن محوها بسهولة، وقدّم لإسرائيل هدايا وأعطيات لم يقدمها رئيس أميركي آخر، من قبيل اعترافه بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، ونقل السفارة الأميركية لها، واعترافه بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل، وسعيه لتصفية قضية اللاجئين ومجمل الحقوق الوطنية الفلسطينية. ثم ممارسته الضغط المستمر على الدول التي تمر بضائقة مالية أو سياسية، أو أنها تطلب ودّ واشنطن لسبب أو لآخر، بدفعها إلى تطبيع علاقاتها بإسرائيل، أو نقل سفارتها للقدس كمدخل لنيل الرضا الأميركي.

من المشكوك فيه أن جو بايدن يستطيع، أو يريد، شطب نتائج ما فعله ترامب، لو كان الأمر منوطا برغبته وإرادته، فهو لا يريد أن يثير على إدارته جماعات الضغط الفاعلة في أميركا، سواء ما يسمى اللوبي اليهودي أو الصهيوني، والجماعات الخلاصية - المسيحانية الصهيونية، أو منظمة "آيباك" واسعة النفوذ، ولا التجمعات والكارتيلات الصناعية العسكرية –الأمنية، والتكنولوجية، وهي تجمعات واسعة النفوذ وشديدة التداخل العضوي مع المؤسسة الإسرائيلية. ولذلك فمن الأرجح أن يتجاهل بايدن الصدام مع هذه المؤسسات، وأن يقتصر تأثيره على القضايا التكتيكية البسيطة مثل إعادة فتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وإعادة تقديم المساعدات للسلطة الوطنية الفلسطينية ولوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وتخفيف حدة العداء مع الفلسطينيين، وتنشيط المبادرات السياسية على طريقة جولات وزير الخارجية الأميركي في عهد أوباما جون كيري، وهي جولات لم تفض إلى أية نتيجة عملية كما هو معروف.

بايدن سوف يسعى على الأرجح إلى مواصلة إدارة الأزمة، والتدخل المحدود هنا وهناك للجم الاندفاع الإسرائيلي نحو حسم الصراع على الأرض بواسطة الدبابات والجرافات والقوة العسكرية بديلا عن المفاوضات، وربما التحسين المشروط لحياة الفلسطينيين من دون حصول أي اختراق جوهري على جبهة تحصيل حقوقهم الوطنية وحل قضيتهم.

وفي ضوء معادلات القوة والمصالح، فإن إسرائيل تبدو أكثر جهوزية وقدرة على الاستفادة من مرحلة بايدن من الفلسطينيين، وذلك على الرغم من كل ما فعله ترامب وإدارته، وعلى الرغم أيضا من الآمال والتطلعات التي علقها الفلسطينيون على تغيير ساكن البيت الأبيض. والأسباب كثيرة وواضحة وبسيطة، فالفلسطينيون منقسمون، وإسرائيل موحدة تجاه القضايا الرئيسية، حكومة ومعارضة وجيشا ومؤسسات، على الرغم من التباينات في صفوفها. والفلسطينيون لا يستثمرون عناصر القوة المتاحة والممكنة ومن بينها وحدتهم الوطنية ووسائل الكفاح المختلفة، وأدوات القانون الدولي المتاحة، بينما إسرائيل تتمادى في استغلال عناصر القوة التي تملكها.

ثم إن تشابك المصالح وتداخلها بين الولايات المتحدة وإسرائيل جعل علاقتهما علاقة عضوية وإستراتيجية أكثر مما هي علاقة مميزة وممتازة تدفع دولة ما إلى دعم دولة صديقة لها، ونحن الفلسطينيين ارتكبنا خطأ فادحا حين قبلنا بأن تنفرد الولايات المتحدة برعاية المفاوضات والعملية السياسية بيننا وبين إسرائيل، بديلا للرعاية الدولية من قبل مجلس الأمن الدولي مثلا، أو من قبل مؤتمر دولي للسلام، قبلنا هذا الإجحاف الذي لا زلنا ندفع ثمنه حتى الآن، على الرغم من إدراكنا لحقيقة العلاقة التي تجمع الولايات المتحدة بإسرائيل بصرف النظر عن شخصية من يحكم كلا منهما.

قبل الانتخابات الأميركية بوقت وجيز، وقعت تطورات فلسطينية إيجابية، من شأنها لو تواصلت أن تحسن من قدرتنا على مواجهة الاستحقاقات المقبلة، والمقصود بالتحديد حوار اسطنبول واجتماع الأمناء العامين، والإعلان عن قيادة وطنية موحدة وكل ما يتصل بموضوع المصالحة، ولكن يبدو جليا أن عملية إنجاز الاستحقاقات الفلسطينية الذاتية بطيئة جدا ولا تتناسب مع سرعة التطورات العالمية، بل ثمة ما يشير إلى من يحاول وضع العصي في دواليب المصالحة، أو من يدعي أن المصالحة لم تعد ملحّة كما كانت في عهد ترامب، ولو صحّ ذلك فسوف تكون هذه أكبر هدية لإسرائيل، وتفويضا لدولة الاحتلال لكي تستثمر وحدها عهد إدارة بايدن إلى الحد الأقصى كما استثمرت عهد ترامب.

نقلا عن صحيفة القدس