علاء الدين أبو زينة - النجاح الإخباري - لم ير العالَم، والشعوب العربية – والشعب الفلسطيني على وجه الخصوص- أي فضيلة على الإطلاق في الرئيس الأميركي المنصرف، دونالد ترامب. فقد ازدرى الجميع وعيّرهم بضعفهم، وصادق الاستبداديين، وأحبط آمال الضعفاء، ولم تنجُ أركان الأرض من غطرسته وصلافته المتطرفتين.

لكنّ له في كل ذلك فضيلة أصلية وكبيرة في الحقيقة: أنه سمّى الأشياء بأسمائها. ففي الأساس، تستغل الولايات المتحدة الجميع وتزدري الجميع لضمان تفوقها وتفردها. ولعل الفارق بين ترامب والرؤساء الآخرين، جمهوريين وديمقراطيين، هو تحرره من الكياسة والأتيكيت الدبلوماسي وعدّة النصب والتظاهر.

بالنسبة للعرب الذين عرضوا أنفسهم كحلفاء لأميركا، لهم حظوة عند قادتها ويتعاملون كأنداد، كان ما فعله ترامب هو إيضاح أن العلاقة هي حماية بأجر، وطالب بالأجرة علناً. ومارس الابتزاز، الذي عادة ما يتم في الكواليس، تحت الشمس وأمام الكاميرات. وبيّن الطريقة التي تُستخلص بها التنازلات والمواقف. وأظهر بوضوح كيف نجحت سياسة بلده للتأليب الطائفي في تفتيت المنطقة، وإضعاف الجميع وتوتيرهم، وجعلهم أكثر خوفاً وتعلقاً بالأذيال وشراء للسلاح بقوت شعوبهم – وحمل كل الغنائم للكيان الصهيوني.

في القضية الفلسطينية، لم يُرد أي رئيس أو إدارة أميركية حل القضية على أساس الشرعية الدولية، أو المبادرة العربية، أو “حل الدولتين” أو “حل الدولة الواحدة” أو أي شيء على الإطلاق. كان عمل الجميع هو مساعدة الكيان الاحتلالي على الازدهار والتفوق بكل طريقة ممكنة. وقد حموه من القرارات الدولية، وسلحوه ومولوه، وأجهضوا أي تحرك فلسطيني ضده في المؤسسات الدولية، ودفعوهم إلى مسار انحداري وأفقدوهم المصداقية، وأتاحوا لكل الآخرين التنصل من قضية خاسرة يتنازل عن ثوابتها أهلها. ولو كانت لدى أي إدارة أميركية إرادة أخلاقية – أو حسابات مصالح- لحل القضية على أساس أي من هذه الحلول، لفرضته بلا صعوبة من الناحية الفنية.

كان ما فعله ترامب فقط هو عرض نوايا الولايات المتحدة الحقيقية جهاراً والذهاب مباشرة إلى آخر الشوط: تصفية القضية الفلسطينية وإزالة أوهام “مبادرة السلام العربية” و”الأرض مقابل السلام”، وإعلان أن ما يريده بلده لكيانه الوكيل في المنطقة هو الأرض والسلام.

بالنسبة للقيادة الفلسطينية، أوضح ترامب حقيقتها ووزنها وأدوارها وما أوصلها نهجها إليه. سوف تتمتع بالرعاية والتمويل والاعتراف فقط إذا قامت بدورها الوظيفي المحدد كما هو محدد: التنازل المستمر عن الحقوق الفلسطينية بالرضى والإكراه، والتغطية على تكريس الاحتلال وتوسيع الاستيطان، والإشراف على التنسيق الأمني لحماية نوم العدو. وأظهرت أعماله فقط ما هي هذه القيادة بالنسبة للولايات المتحدة وكم هي بلا حول ولا قوة ولا خطة. هكذا كانت، وهكذا أصبحت، وهكذا ستعود إذا عادت المفاوضات التي لن تكون لها نهاية ونحن أحياء، ما لم يتغير شيء جوهري في عمل الفلسطينيين أو توازن القوى.

ومن المعروف أن اختفاء هذه القيادة جملة وتفصيلاً مرهون فقط بتقدير الكيان وراعيته لدورها وإذا ما كان يلزم أم انتهى.

والقدس. كانت محتلة قبل ترامب، وأصبحت محتلة. والجولان كان محتلاً، وأصبح محتلاً. و”أراضي الفلسطينيين” التي استباحتها خطته كانت مضمومة، وأصبحت مضمومة. وخطة السلام العربية، وأوسلو، كانتا عروضاً بلا مصداقية ولا أدوات– ببساطة لأن للكيان ما يكفي من العلاقات و”التطبيع” فوق وتحت الطاولات، ولديه “سلام” مدهش يعفيه من إعطاء أي شيء لمحيط مستسلم. وماذا فعل ترامب: وضع الأشياء على الطاولة وكشف أوراق الجميع. كان ما فعله فقط هو قول حقيقة وضع القدس، والجولان، والعرب وفلسطين، بالأسماء والصفات.

وفي العالم، أظهر ترامب حقيقة أن الولايات المتحدة لا تصلح للقيادة العالمية، كما يقول الجميع الآن، لأنها غير عادلة واستغلالية وغير أخلاقية. وقد كانت كذلك قبله، وبقيت كذلك معه، وستظل كذلك بعده. وكان بلا جدال ابن المؤسسة التفوقية التي تكشفت فقط عنصريتها وغطرستها في تغريداته.

الذين يكرهون ترامب– ونحن منهم- يفعلون لأنه صفعهم بالحقائق التي يختبئون منها كالنعام. في الحقيقة، هذا هو “الضرر” الذي ألحقه ترامب أكثر من الآخرين. لم يكن ترامب مشكلتنا الحقيقية ولا مشكلة غيرنا- وإلا لكان كل شيء جنّة قبله وسيعود تُحفة بعده. كانت “الفوضى” التي أشاعها هي الهلع الذي صنعه بسحبه الأغطية عن السوءات، التي ربما يعيد بايدن إسدال سترْ عليها، فحسب.

نقلا عن "الغد" الأردنية