عمار يزلي - النجاح الإخباري - الجامعة العربية، حالها اليوم، حال الأمة بـ”أسرها” في سجنها.. إجماعٌ على أن الجامعة لم تعد جامعة ولا مجموعة، ولا قادرة حتى على أن تجتمع ولا أن تصنع الإجماع!

كيف يمكن لجامعة عربية، أنشئت للدفاع عن الأمة العربية وأعضائها في كل المحافل وضد كل أشكال الأطماع والتعسف الدولي، وتحريرها مما تركنا الغرب نفهم أن الخلافة العثمانية هي “احتلالٌ تركي”، أن تترك اليوم لنفسها المجال مفتوحا أمام كل أشكال “الضرب ببعضها”، كبقرة بني إسرائيل؟

 حتى الاجتماعات، عادت لا تلبي مطالب شعوبها، بل سائرة ضد تيار شعوب جارفة رغم صمتها.. دول أصبحت برتبة “أنظمة” معادية لطموحات شعوبها.. لماذا لم تعد الجامعة تجتمع إلا لتفترق مفرّقة؟ لماذا جمَّدت عضوية بعض الدول في عز الحروب الأهلية والطائفية رغم رفض البعض من أعضائها، مع أن ميثاقها ينص على الإجماع في اتخاذ القرارات؟! الفيتو صار سياسيا لدول بعينها هي من تمرِّر القرارات وترفض ما لا يروقها من مقترحات أعضائها.. ظهر هذا الانقسامُ الحاد منذ أزمة دول التعاون الخليجي مع قطر والفتنة الكبرى التي وصل إليها البيت الخليجي.. إلى اليوم مع كل ما انجرّ عنه في حرب سوريا واليمن ثم محنة تطبيع بعض أعضائها مع الكيان الصهيوني مؤخرا. كل هذا الوهن الذي نتج عن صراع الأجيال في أنظمة الحكم في بعض دول الخليج وانتقال الحكم إلى قيادات شابة ورثت السطوة والغرور وحبّ التسلط مما يوحي بأننا مقبلون على احتمالين اثنين لا ثالث لهما: إما حلّ الجامعة العربية نهائيا بسبب اختلافات صادمة في وجهات النظر ومركزها سيكون القضية الفلسطينية التي تريد بعض الأطراف الفاعلة في الشرق الأوسط تصفيتها بما يريحهم من عناء وثقل الضغوط الأمريكية ورغبة منهم في ربح ودِّ إسرائيل ومالها وتكنولوجيتها ودفن “النضال” ودعاته باسم “محاربة الإرهاب”، أو الذوبان الكلي وخضوع الجامعة إلى منطق واحد هو تحوّلها إلى جامعة عربية عِبرية، تكون لإسرائيل قوة الملاحظة فيها، بل سلطة القرار!

المرجَّح أن الخلافات ستدفع إلى التصادم على الأقل بين كتلتين: الممانعة والتطبيع، وبين منطقتين جغرافيتين: المشرق والمغرب. الأكيد أنَّ الجزائر كقوة إقليمية كبرى في المنطقة العربية والمغاربية لن تقبل بتصفية القضية الفلسطينية بهذا الأسلوب، ولن تدّخر جهدا في عرقلة أيِّ مشروع تسوية تدعو إليه اليوم مصر والإمارات والبحرين، وغدا دويلات أخرى يبشِّر بها ترامب قبل الانتخابات التي يتشبث عبرها بالبقاء في السلطة كما في أي دولة عربية، وهذا من شأنه أن يضع في “صباط” الجامعة، حجرا “يدبر” أرجل الجامعة، مما يجعلها تسمَر قبل البتر أو الموت. وهذا هو الاحتمال الأقوى في ظل إيماننا بأن الممانعة ستصمد، بل باقية وتتمدد، وستنشأ تحالفاتٌ وتكتلات جديدة في الشرق الأوسط يجعل من مشروع التنازل عن القضية، حجر الزاوية في أي تحرك سياسي ديبلوماسي أو حتى تحالف عسكري. وليس مستبعدا، بعد أزمة قطر الأخيرة أن تنشأ تحالفاتٌ إستراتيجية جديدة في المنطقة تقرِّب كلا من تركيا وإيران وروسيا والعراق وسوريا، من شأن هذا أن يغيِّر من موازين القوى وينتج معادلة إستراتيجية في المنطقة، يكون على رأس أولوياتها القضية الفلسطينية والعدوِّ الصهيوني، وبالتالي، ستكون المفاضلة واضحة بين أنصار أمريكا وحلفائها في المنطقة، ومهاجري القدس وشتات فلسطين، الذين سيخرجون من تحت الرماد أكثر صلابة وبأسا وقوَّة وأكثر جمعا.

والتاريخ المستقبلي سيكون شاهدا علينا وشاهدا على من شهد الزور وأمر بالمنكر ونهى عن المعروف.. ووجه الخروف.. معععـ.. روف!